شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ترف لم يعد باستطاعة المملكة العربية السعودية تحمل عبئه

ترف لم يعد باستطاعة المملكة العربية السعودية تحمل عبئه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 31 مايو 201710:24 م
لعل الجانب الإيجابي لانخفاض أسعار النفط يكمن في أننا، للمرة الأولى في تاريخ الجيل الحالي، نرى كلمات مثل التقشف والادخار والهدر في ظل الأعباء الاقتصادية المتزايدة على المملكة العربية السعودية. لكن فرض الضرائب وخفض الدعم عن السلع ومنتجات الطاقة بحد ذاتها، عديم الجدوى، إذا لم يرافقه ترشيد في الإنفاق الحكومي. وقد لا يخطر على بال القارئ للوهلة الأولى، أن هناك علاقة وثيقة بين مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وغيرهما من الأمراض المزمنة من جانب، وبين اقتصاد الدولة من جانب آخر. وإن خطر ذلك على باله فستجده لا يعطي هذه العلاقة الكثير من الأهمية. لكن الأرقام تقول عكس ذلك تماماً، خصوصاً في دولة توفر الرعاية الصحية المجانية لمواطنيها. قدرت منظمة الاتحاد العالمي للسكري، في تقريرها الصادر عام 2015 عدد المصابين بداء السكري في السعودية بنحو 3 ملايين ونصف المليون مريض. ويعتقد الكثير من الأطباء، وأنا أحدهم، أن الرقم الحقيقي أعلى من الرقم المذكور، بسبب اقتصار هذا الرقم على المشخصين بداء السكري من دون الأخذ بعين الاعتبار عدد المصابين غير المشخصين. وقدرت المنظمة في التقرير نفسه كلفة العناية الصحية للفرد المصاب بداء السكري بـ1.145,5 دولار سنوياً، أي نحو 4 مليارات دولار سنوياً. ذلك يعني أن النظام الصحي المدعوم من الدولة يتحمل 15 مليار ريال سعودي سنوياً فقط لعلاج مرض السكري، ولعلنا نعي فداحة هذا الرقم أكثر، إذا نظرنا إلى مخصصات الصحة من الميزانية السنوية لعام 2015، والتي اقتطعت لها الدولة 160 مليار ريال ليصبح مرض السكري مكلفاً القطاع الصحي نحو الـ10% من ميزانيته السنوية. لم تتسن لي الفرصة لأبحث عن العبء الاقتصادي للأمراض المزمنة الأخرى، لكن تكفي مراجعة تقرير معهد القياسات الصحية والتقييم من جامعة واشنطن، الذي أجرى دراسة استبيانية بالتعاون مع وزارة الصحة في المملكة، لندرك كارثة الوضع الصحي العام فيها.
3.5 مليون مريض بالسكّري في السعودية، كلفة طبابتهم 15 مليار ريال سنوياً.
الدكتور ماجد النابلسي يشخص الامراض المزمنة في السعودية وكلفتها الباهظة على المجتمع #رؤية_السعودية_2030
جمعت الدراسة البيانات من كل مناطق المملكة، وشملت الأفراد من سن 15 عاماً وما فوق من كلا الجنسين، فوجدت التالي: انتشار السمنة المفرطة بنسبة 29% من السكان، وانتشار ارتفاع ضغط الدم بنسبة 12.5% بين النساء، وبنسبة 18% بين الرجال، وتتضاعف هذه النسب 3 مرات لتصل إلى 34% في النساء، و46.5% عند حساب ذوي الضغط العالي غير المرضي، أو ما يعرف طبياً بـ"ما قبل المرضي"، ونسبة المصابين بارتفاع الدهون أو الكوليسترول 7% من النساء، و10% من الرجال، وانتشار التدخين بين الرجال بنسبة 21.5%. ووجدت الدراسة، حين استقصت عن العادات الغذائية والرياضية، أن نصف النساء اللواتي شملهن الاستبيان لا يمارسن الرياضة، بينما 33% من الرجال لا يمارسون الرياضة، و33% يمارسون مجهوداً رياضياً ضئيلاً، ووجدوا أن أقل من 8% يتناولون 5 حصص غذائية من الخضار والفواكه بشكل يومي. ليس الغرض من هذه الأرقام تصديع رأس القارئ، لكنني أطرحها هنا محاولاً توضيح انتشار الأمراض المزمنة بنسب كبيرة، في تعداد سكاني غالبيته شباب وشابات في مقتبل العمر. إن انتشار هذه الأمراض والتدخين المصحوبين بقلة الممارسة الرياضية والعادات الغذائية السيئة، يزيد من قابلية الإصابة بأمراض أخرى كأمراض القلب والسرطان، وبالتالي يثقل كاهل القطاع الصحي أكثر فأكثر. وعدم تدارك الموضوع قبل فوات الأوان، سيكون ذا عواقب وخيمة على المستقبل الصحي والاقتصادي للمملكة. الخبر السار أن العديد من هذه الأمراض المزمنة، من السهل جداً منع وقوعها والتحكم بها عبر تغييرات طفيفة، لكن جادة، متمثلة في حمية غذائية أكثر صحية وممارسة النشاط الرياضي بشكل منتظم والمتابعة الطبية الدورية والالتزام بالأدوية والتحاليل لأعضاء المجتمع. علماً أن التوجه العالمي في الطب الحديث يشدد على أهمية الطب الوقائي المعني بمحاربة المرض قبل وقوعه، وتحديد العوامل الخطرة صحياً، والتي تجعل الشخص أكثر قابلية للمرض، ومعالجته قبل استفحاله، لكي يتجنب الفرد والدولة خسائر صحية ومالية فادحة.
قد لا يخطر على بال أحد للوهلة الأولى أن هناك علاقة وثيقة بين مرض السكري وبين اقتصاد الدولة، ولكن على العكس...
فشلت وزارة الصحة حتى الآن في إطلاق حملات توعية  فعالة في ما يتعلق بالطب الوقائي. يجب عليها أن تبدأ بالتعاون مع الجامعات الصحية، بخلق برامج توعية من خلال التواصل مع أفراد المجتمع لتثقيفهم وحثهم على الكشف المبكر عن أي عوامل خطرة، والحالات ما قبل المرضية، ويجب عليها أن تثقف الفرد السعودي بشكل عام، بشأن أهمية المتابعة الدورية مع الطبيب، حتى وإن لم يكن الفرد يشكو من أي مشاكل صحية، فقد وجدت الدراسة الاستبيانية الآنف ذكرها، أن 75% من السعوديين لا يزورون الطبيب بشكل دوري ولا يقومون بتحاليل دورية، إلا إذا كانوا يعانون من مشكلة صحية معينة. وهذا الرقم المهول يدل على مشكلة معرفية كبيرة، وفشل مؤسساتنا الصحية الخاصة والعامة في دورها التوعوي، مقارنة بالولايات المتحدة مثلاً. فقد وجدت دراسة استبيانية أجرتها مؤسسة "كايزر للعائلة" الصحية، أن 92% من سكان الولايات المتحدة يدرك أهمية الكشف الطبي السنوي، وأن 62% منهم يزورون الطبيب سنوياً لإجراء تحاليل روتينية، وفحص طبي شامل. يجب على وزارة الصحة أن تبدأ بأخذ توصيات منظمة الصحة العالمية للحد من الأمراض المزمنة بشكل أكثر جدية، وأن تبدأ وزارة الصحة بممارسة الضغط على الجهات الحكومية الأخرى، والقطاع الخاص أيضاً، لتطبيق قرارات جادة تنعكس على صحة المجتمع، ولا تضيع جهودها سدى. فالتثقيف والتوعية وحدهما ليسا كافيين. لا بد من التعاون مع وزارة التعليم مثلاً لتفعيل دور المدارس في نشر الوعي الصحي، ومراقبة نوعية الوجبات الغذائية، والممارسات الرياضية، وفرض ضوابطها الخاصة المبنية على خبرة طبية، وتطبيقها على المقاصف المدرسية، وحصص الرياضة البدنية. وعلى صعيد آخر، يجب على مسؤولي الصحة أن يتعاونوا مع وزارة التجارة لتفرض على مطاعم الوجبات السريعة الالتزام بتوضيح القيم الغذائية لوجباتها، مبينةً عدد السعرات الحرارية ونسبة الدهون والأملاح، وتمنعها من استخدام الزيوت المهدرجة، كما فعلت مدينة نيويورك عام 2007. وأن يفرضوا أيضاً على كل المطاعم توفير خيار صحي على لائحة الطعام، وعلى المصنعين الغذائيين تقليل نسبة الصوديوم في المنتجات الغذائية، كما فعلت بريطانيا، التي لاحظت انخفاض في تشخيص ضغط الدم العالي وأمراض القلب والجلطات الدماغية، منذ فرض القانون عام 2003. ويقع على عاتق الوزارة أيضاً أن تتعاون مع البلديات والأمانات، لمنع مقاهي تدخين الشيشة في الأحياء السكنية أو قرب المدارس، ومنع بيع السجائر أيضاً وفرض ضرائب جادة على منتجات التبغ. فقد ثبت في الدراسات أن زيادة الضرائب على منتجات التبغ، يرافقها دائماً هبوط في استهلاك منتجاته. قال العرب قديماً إن "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، وثبتت حكمة هذه المقولة، وبقي علينا أن نطبقها واقعياً لتجنب أضرار صحية ومالية، تكلف الاقتصاد السعودي مليارات القناطر.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image