قد يجد السعوديون أنفسهم يوماً زاهدين في تمضية إجازتهم السنوية في الخارج، إن تمكنت الحكومة من السير قدماً في تنفيذ المشاريع الترفيهية، التي تصفها بالأكثر ضخامة في منطقة الشرق الأوسط، تنفيذاً لأحد بنود الرؤية السعودية الجديدة لعام 2030. هذه الرؤية تناولت ضرورة إحياء قطاع الترفيه في السعودية، قطاع تم اختصاره خلال السنوات السابقة، بمهرجانات صيفية، يصفها الجمهور بالمملة. إذ اعتادت تلك المهرجانات تقديم فقرات ترفيهية كانت محل سخرية في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبرغم الضائقة الاقتصادية التي تلقي بظلالها على المجتمع السعودي، فإن الحكومة تنوي اللحاق بركب دول الخليج، التي سبقتها في تأسيس وتطوير ما يُسمى بصناعة الترفيه. حتى بات الترفيه في المدن الخليجية محط اهتمام وسائل الإعلام في العالم أجمع. ويأتي ذلك غداة إعلان السعودية نيتها إنشاء أول حديقة ترفيهية، تنافس كبرى حدائق الترفيه في العالم، على لسان رئيس الهيئة العامة للترفيه، أحمد الخطيب، الذي أكد إتمام معاينة المواقع لإنشاء تلك الحدائق الترفيهية، إذ سيسمح للشركات الصغيرة والمتوسطة بالمشاركة فيها.
وقبيل الإعلان الأخير، عكست السعودية اهتمامها بإحياء مناشط الترفيه في البلاد، واستقطاب الشركات الرائدة في إطلاق مدن ترفيهية، عبر الزيارة الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، للولايات المتحدة. التقى الأمير الشاب بمسؤولي مجموعة "Six flags"، أكبر مجموعة منتزهات ترفيهية في العالم، لإدخالها في شراكة للاستثمار في السعودية. ويشار إلى أن الشركة تضمّ 18 مَرفقاً في مختلف أنحاء أمريكا الشمالية، تشمل حدائق ترفيهية ومائية ومراكز ترفيهية للعائلات. وأثمر ذلك الاجتماع تصريحاً جاء على لسان الرئيس التنفيذي لمجموعة Six Flags جون دافي، أكد فيه سعادته في الحصول على فرصة للدخول في شراكة مع السعودية، لتنفيذ الإستراتيجية التي تتخذها الحكومة لتوفير المزيد من خيارات الترفيه لمواطنيها، تتلاءم مع متطلبات الترفيه التي تتمتع بها المجموعة الأمريكية.
وكانت السعودية أعلنت أيضاً في وقت سابق من العام الجاري، تأسيس أول جهة حكومية من نوعها تعنى بأنشطة الترفيه، أطلق عليها الهيئة العامة للترفيه، عيّن على رأسها أحمد الخطيب، المستشار في الديوان الملكي. وكانت الهيئة مثار دهشة السعوديين، حول الأهداف المتأتية من إنشاء تلك الهيئة، وما هي الوسائل التي ستلجأ إليها لترفيه الشعب السعودي.
سباق محموم نحو الترفيه
ومع إعلان السعودية دخولها عصر الترفيه، ستكون منطقة الخليج على موعد مع سباق محموم للمنافسة، لإطلاق شتى المناسبات الترفيهية والمشاريع والبرامج غير المسبوقة. ففي دبي، على سبيل المثال، تم افتتاح مدينة "آي إم جي" للمغامرات، التي تشكل أكبر وجهة ترفيهية مغلقة ومكيفة في العالم، بكلفة استثمارية بلغت 3,7 مليارات درهم، سبقتها الحديقة المائية "وايلد وادي" بمنزلقاتها الكثيرة، المصممة للصغار والكبار، و"سيغا ريبابليك" في دبي مول، التي تحوي خمس مناطق من الترفيه لجميع الأعمار، وحلبة دبي للتزلج على الجليد في دبي مول، التي يفوق حجمها حجم الحلبات الأولمبية، والقائمة تطول عند سرد مراكز الترفيه في دبي.قبل أن تدخل دبي وأبو ظبي والبحرين عوالم التسلية والمغامرات، احتوت السعودية في الثمانينيات سيلاً من أجمل المدن الترفيهية
سباق محموم للمنافسة على المدن الترفيهية في دول الخليج...أبو ظبي هي الأخرى قطعت شوطاً في تطوير قطاع الترفيه، فقامت بتدشين عالم فيراري، وهو أول مدينة ترفيهية مستوحاة من سيارات فيراري الشهيرة، إضافة إلى حديقة ياس المائية التي تضم 43 زلاقة مائية. وفي البحرين، تم تدشين مركز غرافيتي، الذي يحوي أطول نفق هوائي زجاجي في العالم، إذ يبلغ طوله 12 متراً وسرعة تصل إلى 290 كلم في الساعة وعرضه 4.3 أمتارات، إذ يمكن من خلاله ممارسة رياضة القفز الهوائي. وفي هذا السياق، يؤكد معتز الدين عرفان، المشرف على وكالة "رحلتي" للسفر والسياحة بجدة، أن المدن الخليجية قطعت شوطاً كبيراً في تنمية قطاع الترفيه جنباً إلى جنب مع قطاع السياحة. إلا أن كلمة السر التي ساعدت على المضي قدماً في تلك المشاريع الترفيهية، هو متانة البنية التحتية وقطاع الخدمات المتطور، وهو الأمر الذي لا بد أن تفطن له الهيئة العامة للترفيه في السعودية. وأضاف لرصيف22: "السعودية في حاجة إلى إحداث ثورة في تحسين قطاع السياحة وتعزيز البنية التحتية للخدمات. فمشاريع الترفيه جزء مكمل للسياحة، ومن دون خدمات سياحية لا يمكن أن تجد الترفيه مذاقاً".
السعودية والترفيه في الماضي
قبل أن تلتمس دبي وأبو ظبي والبحرين سبلها إلى عوالم التسلية والمغامرات، احتوت السعودية في الثمانينيات ومطلع التسعينيات سيلاً من المدن الترفيهية التي اصطفت الواحدة تلو الأخرى على طول الكورنيش في مدينة جدة، ابتداءً من مدينة سندباد الترفيهية، وهي مدينة ألعاب ذاع صيتها في ذلك الوقت، وصولاً إلى بحيرة القطار (شمال كورنيش جدة). فقد كانت مدن الألعاب تتنافس في ما بينها لاستقطاب العوائل. ومع مرور الوقت، بدأت تلك المدن بالانسحاب الواحدة تلو الأخرى من المشهد، حتى كادت أن تخلو مدينة جدة من معظم المدن الترفيهية، فلم يتبقَ سوى مدينة الشلال، وهي مدينة ألعاب لم تحظَ بتلك الشعبية، التي كانت لمدينة سندباد، ومدينة عطا الله، وهي المدينة الترفيهية الوحيدة التي صمدت في موقعها من دون أي تطوير أو إضافة أخرى تعيد لها بريقها مع مرور الزمن. وفي هذا السياق، يؤكد عبد الله المغربي، العضو السابق في لجنة السياحة في غرفة جدة للتجارة والصناعة، أن اختفاء مدن الألعاب الترفيهية في مدينة جدة، صبّ في مصلحة الأسواق التجارية والمولات، التي اختزلت أو احتكرت الترفيه داخل جدرانها. فالجميع لا يعرف مكاناً آخر يذهب إليه في عطلة الأسبوع سوى المولات التجارية. وأضاف المغربي لرصيف22: "سرقت المنتجعات أو الكبائن في مدينة جدة الاهتمام من مرتادي المدن الترفيهية، إذ اندفع الجميع نحو البحر، ونسي ذلك الشريط الطويل من مدن الألعاب على كورنيش المدينة. وبالتالي انصرف المستثمرون إلى الاستثمار في تلك المنتجعات حتى باتت الكبائن تصطف هي الأخرى بمحاذاة البحر في شمال جدة، كما كان الحال مع مدن الألعاب، واليوم جاءت المدن الخليجية الأخرى لتحل محل جدة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين