في العشرين من الشهر الجاري، الأردن على موعد مع انتخابات برلمانية قد تكون مختلفة عن سابقاتها نظراً لعودة حزب جهة العمل الإسلامي للمشاركة بعد مقاطعة الانتخابات دورتين متتاليتين، كما ظهور تيارات فكرية جديدة على الساحة الأردنية.
الحزب الذي يمثل الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين الأردنية "الأم" كان قد قاطع انتخابات 2010 و2012 احتجاجاً على قانون الانتخاب، وتحديداً جزئية الصوت الواحد، لكنه عاد للمشاركة بعد تغيير النظام الانتخابي ليتحول من الصوت الواحد إلى نظام القوائم الانتخابية.
اختار الحزب هذه المرة أن يشارك بطريقة مختلفة عن السنوات الماضية، ففيما كان قد تمسك في انتخابات 1989، 1993، 2003 و2007 بشعار "الإسلام هو الحل"، اختار هذه المرة أن يشارك في تحالف يضم 122 مرشحاً نصفهم من أعضاء الحزب، إلى جانب مرشحين من أطياف سياسية واجتماعية مختلفة منهم 19 امرأة و5 مرشحين مسيحيين ممثلين في 20 قائمة انتخابية تتنافس في دوائر المملكة الانتخابية المختلفة.
اختار الحزب اسم التحالف الوطني للإصلاح، وابتعد عن الشعارات العقائدية والدينية، كما تراجع اهتمامه بالقضايا الإقليم في شعاراته، لتحل مكانها قضايا محلية كالإصلاح السياسي والاقتصادي، ومكافحة الفساد الإداري والمالي.
ورغم محاولة الحزب الظهور بشكل منفتح، عندما صرح رئيس الهيئة العليا للانتخابات في الحزب زكي بني رشيد أن التحالف يؤيد فكرة الدولة المدنية، فإن هذا الطرح نسفه أحد أهم مرشحي التحالف صالح العرموطي عندما وصف الدولة المدنية بأنها "علمانية ملحدة" ووصف الفنون بأنها "سقاطة وإباحية" وأنه ليس بحاجة إلى أصوات الفنانين والراقصين. كما أن جميع النساء المرشحات عن التحالف هن من المحجبات والمنقبات حصراً، فيما سيطر الخطاب الموجه للنساء في التحالف على أن "المرأة هي الإبنة والأخت والعرض".
"معاً"، الدولة المدنية في مواجهة الإسلاميين
في الدائرة الثالثة في عمان وهي الدائرة التي تشهد تنافساً سياسياً وفكرياً محموماً، ظهرت ولأول مرة قائمة انتخابية تدعو صراحة إلى إنشاء دولة مدنية يفصل فيها الدين عن الدولة. قدمت قائمة "معاً" بقيادة النقابي والقيادي البارز في التيار التقدمي الوطني خالد رمضان برنامجاً متكاملاً يطرح فكرة الدولة المدنية التي ترفض استغلال الدين في السياسة. وفي برنامجها الانتخابي تقول القائمة "نرفض خلط الدين بالسياسة تحقيقاً لمبدأ التعددية دينياً وفكرياً وسياسياً، فلا تتلوث قداسة الإيمان بأهداف الإنسان الدنيوية، وعلى الدولة أن تعمل لحماية بلدنا وشعبنا من آفة الفكر الظلامي الدموي المتطرف". هذا الطرح تسبب بهجوم كبير على القائمة وأعضائها سواء من بعض وسائل الإعلام التي تميل للمحافظين أو الإسلاميين إلى جانب تمزيق يافطات القائمة في الطرقات. ورغم وجود برلمانيين سابقين ومرشحين حاليين من المؤمنيين بفكرة الدولة المدنية وفصل الدين عن السياسة، بيد أن أياً من هؤلاء لم ينص صراحة على هذا المطلب في برنامجه الانتخابي، ما يجعل "معاً" القائمة الأكثر جرأة في طرح فكرة الدولة المدنية". لكن يبقى السؤال هل تتمكن القائمة ببرنامجها الانتخابي من إحداث اختراق والوصول إلى البرلمان في مجتمع تميل غالبيته إلى التدين؟بعيداً عن العاصمة عمان
بعيداً عن العاصمة عمان، يبدو أن فكرة القوائم بقانون الانتخاب غير مستحبة بعد. ففي بلد تسيطر عليه العشائرية وغالباً ما كان يقوم سكانه باختيار مرشحيهم في البرلمان على أسس العشائرية وصلة القرابة، يصعب أن تلقى فكرة انتخاب قائمة متكاملة قبولاً شعبياً. عند زيارة المحافظات، فإن اليافطات غالباً ما تحمل اسم صورة مرشح واحد وبخط صغير اسم القائمة التي ينتمي إليها، وفي الحالات الأفضل، ابراز صورة مرشح واحد بحجم كبير وباقي المرشحين بحجم أصغر. ليس هذا فحسب بل لجأ العديد من المرشحين إلى تشكيل قوائم شكلية تضم ما عرف بالـ"الحشوات" أي عدد المرشحين الكافي لتشكيل قائمة لكن باتفاق على اختيار مرشح واحد من القائمة.غياب صور المرشحات ومنع الاختلاط
اللافت أيضاً في المحافظات غياب صور المرشحات النساء واستبدالها بصور الزهور أو صورة حصان بدل صورة إحدى المرشحات! فيما ظهرت مرشحات أخريات بالنقاب، وحرصت بعض القوائم على الحفاظ على مسافة بين صورة المرشحين الذكور وصورة المرشحات النساء، منعاً للاختلاط؛ وهي سياسة اتبعتها بعض القوائم في مقارّها الانتخابية التي خصصت قاعات منفصلة للرجال والنساء أو أوقاتاً منفصلة لحضور المؤازرين من الجنسين.دغدغة المشاعر الدينية
رغم سياسة حزب جبهة العمل الإسلامي وهو الحزب الأكثر شعبية في الأردن، نلاحظ الابتعاد عن الخطابات والشعارات الدينية. لكن انتخابات 2016 شهدت وجود العديد من المرشحين من خلفيات إسلامية غير منتمية للحزب؛ أبرز تلك الشخصيات وزير الأوقاف والمقدسات الإسلامية الأسبق محمد نوح القضاة. إلى جانب توليه وزارة الأوقاف، فإن القضاة داعية إسلامي مشهور، يمتلك عدداً من المشاريع كالجمعيات والمدارس الإسلامية فضلاً عن قناة إذاعية اسمها يقين. اختار القضاة الترشح عن محافظة الزرقاء رغم أنها ليست دائرته الانتخابية؛ اختياره للترشح في الزرقاء برره القضاة بأنه أراد "تقفي أثر الرسول الذي أمضى ليلة واحدة في السخنة (بلدة تابعة لمحافظة الزرقاء)". تصريحات القضاة أثارت جدلاً مجتمعياً كبيراً، ورد المؤرخ الأردني أحمد عويدي العبادي بأن من نام في السخنة هو أبو لهب وليس الرسول. أما عضو مجلس النواب السابق ممدوح العبادي فقال إن السيد المسيح نام تحت شجرة في منطقة راس العين في عمان كما نام الرسول في السخنة؛ عبارة العبادي جاءت دون توضيح ما جعل الغالبية يعتقدون أنها أتت ضمن إطار التهكم على القضاة. في مقالة له حول الانتخابات والدين يقول المحلل السياسي والكاتب محمد أبو رمان "برزت الظاهرة الدينية في الانتخابات من خلال اللحية والخمار والشعارات الدينية واستحضار القضية الفلسطينية بكثافة، من خلال قوائم وشخصيات أخرى (غير جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الاسلامي)، وفي بعض معطياته وتفصيلاته أكثر حدةً من ذلك الذي تقدمه "الجماعة"، ما يكشف أنّ التيار المحافظ دينياً تجاوز الجماعة وأصبح حالة منتشرة متنامية، لها جذورها وحضورها الواسع”. يقول أبو رمان "أصبح التيار المحافظ مجتمعياً كبيراً ونافذاً، وإن كان لا ينطلق من أيديولوجيا "الإسلام السياسي" التقليدية، فمن الصعوبة لاحقاً التمييز بين الاثنين في ضوء متغيرين رئيسين. الأول تخلي "الإخوان" تدريجياً بصورة واضحة في الحملة الحالية عن الشعارات التقليدية المعروفة، ما يجعلها أقرب إلى الحزب السياسي المحترف. والثاني تحت قبة البرلمان لاحقاً، عندما يتبنى "القضايا الدينية" النواب المحافظون من داخل الجماعة ومن خارجها، في مواجهة هواجس بدأت تنمو لدى هذا التيار (ليست دقيقة بالضرورة) ترى أن الهوية الإسلامية مستهدفة، ولا تشعر بالارتياح للسياسات الجديدة".غرائب الدعاية الانتخابية
بعيداً عن البرامج السياسية الجادة، يجد الأردنيون في الدعاية الانتخابية وسيلة للضحك والسخرية. فأحد المرشحين في عمان اختار شعار "حدثني عن حلمك وسنجعله حقيقة"، تحولت العبارة إلى مصدر سخرية بين الأردنيين على مواقع التواصل الاجتماعي وتساءل الأردنيون فيما إذا كانت هناك أي علاقة تربط بين المرشح ومذيع قناة mbc ومقدم برنامج مسابقات "حلم" مصطفى الأغا. واختار مرشح آخر أن يعرف بنفسه على أنه مطهر أبناء منطقة الوحدات لمدة 30 عاماً، وخلت اللوحة الإعلانية من أي معلومة سوى أن المرشح عمل مطهراً. في حين أن مرشحاً آخر لم يجد أي حرج في أن يعلن أنه ترشح في قائمة تضم "حشوات" فقط لأنه يعلم أن ناخبيه سيختارونه فقط، ما دفع "الحشوات" إلى الانسحاب لاحقاً. ويبقى "الفوتوشوب" السمة الأبرز، كما سيطرت ظاهرة ابتسامة هوليوود على صور المرشحين، ما دفع للسؤال هل يتقدم المرشحون في السن أم لا؟ مرشحون آخرون الى جانب اهتمامهم بجمال الصورة حرصوا على توزيع بروشوراتهم على أطباق الحمص والفول في المطاعم الشعبية، فيما بقي المنسف الأردني الوسيلة الأهم والأكثر هيبة للحصول على دعم الناخبين.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...