"أكبر التزام بتقديم مساعدة عسكرية ثنائية في تاريخ الولايات المتحدة". هكذا وصفت وزارة الخارجية الأمريكية الاتفاق الإطار الذي وقعته الولايات المتحدة وإسرائيل، يوم الأربعاء الماضي، والذي حصلت بموجبه الأخيرة على مساعدات عسكرية قياسية بقيمة 38 مليار دولار لفترة عشر سنوات، أي بزيادة قدرها 8 مليارات دولار عن الاتفاق الحالي، الذي تنتهي مفاعيله في العام 2018.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احتفى بالاتفاق، واصفاً إياه بـ"التاريخي"، لا سيما أنه يتضمن "توفير مساعدات أمنية غير مسبوقة لإسرائيل"، ويشمل "أكبر حزمة مساعدات عسكرية قدمتها الولايات المتحدة لأي دولة في أي فترة من الفترات".
بالطبع، لم يفت نتنياهو التذكير بأن الاتفاق التاريخي قد أتى في ظل وجود "اختلافات في الرأي بين الحين والآخر" بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكنه، أكد في المقابل، على وصفها بأنها "اختلافات داخل العائلة... ولا تؤثر نهائياً على الصداقة الكبيرة" بين الحليفين التاريخيين.
ويبدو أن حرص نتنياهو على التقليل من أهمية الخلافات التي سادت بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما، والتي تدور أساساً حول مسألتين جوهريتين هما الموقف الإسرائيلي من الاتفاق النووي الإيراني والاندفاعة الاستيطانية الاستفزازية في الضفة الغربية المحتلة، قد وجد من يسوّقه في الأوساط الأمريكية بشكل أكثر وضوحاً، كمدير برنامج عملية السلام في الشرق الأوسط في "معهد دراسات سياسات الشرق الأدنى" ديفيد ماكوفسكي، الذي أشار إلى أن الاتفاق "رسالة مهمة للجميع بعدم إساءة تفسير الاختلافات حول قضايا مثل العلاقة مع إيران والملف الفلسطيني"، مشدّداً على أنه "في العمق، ما زالت الولايات المتحدة ملتزمة جداً بأمن إسرائيل على الأمد البعيد."
ومع ذلك، فإن رصداً للمسار التفاوضي الطويل والمعقد الذي سلكه اتفاق الإطار بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لا يعكس في الواقع تلك الصورة الوردية التي سعت تل أبيب ومؤيدوها في الولايات المتحدة إلى تظهيرها، لا بل أن البعض في إسرائيل يرى أن الاتفاق يشكل انتكاسة لنتنياهو، سواء في أرقامه، أو في ما قدّمته الدولة العبرية من "تنازلات".
اتفاق قياسي... شكلياً
في الظاهر، يبدو ما تعهدت واشنطن بتقديمه من مساعدات عسكرية لتل أبيب رقماً غير مسبوق، وهو 38 مليار دولار للفترة الممتدة بين العامين 2018 و2028، أي بمعدّل 3.8 مليارات دولار سنوياً، في حين أن الاتفاق الساري حالياً، والذي تنتهي مفاعيله في العام 2018، يعتمد رقم 3.1 مليارات دولار سنوياً. مع العلم بأن إسرائيل تحصل فعلياً على مساعدات سنوية بقيمة 3.5 مليارات بفعل إضافات كان الكونغرس يقرّرها دورياً تحت عنوان دعم تطوير مشاريع عسكرية خاصة، منها منظومات الاعتراض الصاروخي. لكن مراجعة سجل العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل يظهر أن الأخيرة تلقت من حليفتها الأم، في مراحل معيّنة، مساعدات أكثر سخاءً. وثمة اتفاق في الرأي على أن الاتفاق الأخير يضفي مزيداً من الاستقرار على "اتفاق التعاون الإستراتيجي" الذي تم التوصل إليه في نهاية عهد الرئيس السابق جورج بوش، وشكل نقلة نوعية في التعاون الثنائي، بعدما صارت إسرائيل تتلقى المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة في إطار اتفاق عشري، وليس على شكل مساعدات خارجية سنوية. وللتوضيح أكثر، يبدو مفيداً استرجاع بعض المعطيات المرتبطة بتاريخ الدعم الأمريكي لإسرائيل، فخلال السنوات الأولى لقيام الكيان الصهيوني، كانت المساعدات الأمريكية لإسرائيل رمزية بعض الشيء، إذ كانت تدور حول الرقم 100 مليون دولار، عبارة عن قرض عاجل وميسّر من إدارة الرئيس هاري ترومان بناء على طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون في العام 1949. وخلال تلك الفترة، كانت المساعدات مخصصة لأمور أساسية مثل شراء المواد الغذائية واستيعاب المهاجرين اليهود. لكن المساعدات الأمريكية لإسرائيل أخذت في التصاعد عاماً بعد عام، فتوسعت منذ العام 1959، لتشمل الجانب العسكري، ثم راحت تسجل أرقاماً كبيرة بعد "حرب أكتوبر" في العام 1973. وسجلت سبعينيات القرن الماضي أعلى مستوى للمساعدات الأمريكية، ولا سيما بين "حرب اكتوبر" واتفاقية كامب ديفيد. وخلال "حرب اكتوبر" (1973) قدّمت الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدة عاجلة بلغت نحو مليار دولار. وفي السنة التالية (1974)، منحت الإدارة الأمريكية إسرائيل مساعدات بقيمة 2.6 مليار دولار (12.5 مليار دولار بأسعار الصرف الحالية)، وذلك بغرض "ترميم قوة الردع الإسرائيلية"، فيما تلقت إسرائيل من الولايات المتحدة في العام 1976 مساعدة بقيمة 2.3 مليار دولار (9.6 مليارات بحسب أسعار الصرف الحالية). وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد (1979)، خصصت الولايات المتحدة مساعدات مالية هائلة لإسرائيل، بلغت في حينه 4.7 مليارات دولار في سنة واحدة (15.7 مليار دولار بحسب أسعار الصرف الحالية). ومنذ ذلك الحين، حددت قيمة المساعدات الأمريكية بثلاثة مليارات دولار، تتوزع بين 1.8 مليار دولار مساعدات عسكرية، و 1.2 مليار مساعدات مدنية. في حين قاد نتنياهو، خلال توليه منصب رئيس الوزراء (1996-1999) حملة لإلغاء المساعدات المدنية وتحويل قيمتها إلى المجال العسكري بواقع 2.5-3 مليارات دولار سنوياً، وهو ما تحقق بالفعل حتى صارت كل المساعدات ذات طابع عسكري ابتداءاً من العام 2008."انتكاسة" لإسرائيل!
لتلك الأسباب، وغيرها، فإن هناك في إسرائيل من يعتقد بأن الاتفاق الأخير هو انتكاسة للدولة العبرية، خصوصاً أن تقارير صحافية ذكرت أن نتنياهو كان قد طلب من واشنطن مساعدات عسكرية بقيمة 45 مليار دولار. وفي ضوء ذلك، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، خلفه نتنياهو بتعريض أمن إسرائيل القومي للخطر، والتسبب بتقليص المساعدات العسكرية الأمريكية، بسبب "انعدام المسؤولية" في علاقاته مع إدارة أوباما. وبالطبع، فإن التراجع الذي يتحدث عنه باراك لا يقتصر على فارق السبعة مليار دولار، بين ما كان يطمح إليه نتنياهو، وما استقرت عليه المفاوضات، وانما بعض "التنازلات" التي تضمنها الاتفاق الأخير، وأبرزها:- شمول حزمة المساعدات 500 مليون دولار سنوياً لتمويل برنامج الدفاع الصاروخي التي كانت تقرّ في السابق من قبل الكونغرس خارج إطار الحزمة الأساسية.
- إلغاء تدريجي لترتيب خاص سمح لإسرائيل على مدى عقود باستخدام ربع المساعدات الأمريكية للإنفاق على صناعتها الدفاعية، بدلاً من شراء أسلحة أمريكية الصنع، ما من شأنه إلحاق خسائر بالصناعات العسكرية الإسرائيلية تقدر بنحو مليار دولار سنوياً.
- حذف بند قائم منذ وقت طويل سمح لإسرائيل باستخدام جزء من المساعدات الأمريكية لشراء وقود للاستخدامات العسكرية.
- التزام إسرائيل بعدم ممارسة أيّ ضغط داخل الكونغرس للحصول على أموال إضافيّة.
هدية سخية... لكلينتون؟
يبدو الاتفاق الأمريكي ـ الإسرائيلي بمثابة هدية سخية من باراك أوباما للحليف الإسرائيلي. ومن الواضح أن أوباما يريد مغادرة البيت الأبيض وفي سجله ما يؤكد أنه قدم لإسرائيل ما لم تقدّمه إدارة أمريكية أخرى، وهو أمر تزداد أهميته قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية. ما يعني في الواقع أن حزمة المساعدات الأمريكية ليست هدية سخية من الرئيس الأمريكي لبنيامين نتنياهو، بقدر ما هي لمرشحة الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون، التي يمكنها الاستفادة من الاتفاق في السباق الى البيت الأبيض، أمام ضربات تحت الحزام يوجهها إليها غريمها الجمهوري دونالد ترامب، على خلفية المقاربة الأوبامية للحرب على الإرهاب. ويبدو أن أوباما، من خلال هذا الاتفاق، قد أراد سحب البساط من تحت قدمي دونالد ترامب الذي يتضمن خطابه الانتخابي في جانبه الإسرائيلي خمس نقاط أساسية، رصدها الإعلام العبري قبل فترة، وهي دعم بناء المستوطنات، واستئناف مفاوضات السلام من منطلق الشروط الإسرائيلية، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وإعادة بلورة الاتفاق النووي مع ايران، وضمان "أمن إسرائيل". على هذا الأساس، فإن أوباما سيستطيع أن يجادل اللوبي الصهويني داخل الولايات المتحدة، بأن الديموقراطيين هم الضمانة الأولى لـ"التفوق النوعي لإسرائيل" في الشرق الأوسط، وأن يتجاوز بالتالي الانتقادات التي وجهت إليه، في هذا الخصوص، على خلفية توقيعه الاتفاق النووي مع إيران، وأن يؤكد بالتالي بأن الديموقراطيين هم الأكثر حرصاً على إسرائيل، بعيداً عن مغامرات ترامب ونتنياهو.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع