في اليوم الذي توفي فيه الرئيس السوري حافظ الأسد، اجتمع "مجلس الشعب" السوري وأقرّ تعديل المادة 83 من الدستور، مخفضاً الحدّ الأدنى لسنّ رئيس الجمهورية من 40 إلى 34 سنة. تم ذلك لغرض إزالة العائق الدستوري أمام خلافة بشار لوالده. استلم بشار الأسد الحكم وبعد 7 سنوات أعيد انتخابه.
بدايات حكم الرئيس الشاب شهدت حديثاً عن إصلاحات للنظام السوري ينوي الرئيس "الإصلاحي" إقرارها. لم يلمس السوريون أيّة نتيجة عملية سوى تمكين بعض أصحاب رؤوس الأموال من زيادة ثرواتهم. في 18 مارس 2011 ضاق ذرع السوريين من النظام الاستبدادي الذي يحكمهم وكان ما كان. الآن يُطرح السؤال التالي: كيف ستكون نهاية بشار الأسد؟ في الحقيقة لا يمكن التنبؤ بمستقبله استناداً إلى المعطيات المتوفرة راهناً، لذلك سنلجأ إلى استعراض بعض السيناريوهات الممكنة وتحليلها.
رئيسنا إلى الأبد؟
هل يستمر بشار الأسد في الحكم، فيعيد سيطرة نظامه على كامل الأراضي السورية ويقضي على الثورة المسلّحة؟ لا يمكن تخيّل هكذا سيناريو لأسباب عدّة، على رأسها انخراط دول عدّة في مساعدة الكتائب المسلّحة التي تحارب النظام. ما انكسر بين النظام السوري ومعظم دول العالم لم يعد ممكناً ترميمه. لا يمكن للنظام السوري أن يحيا بشكل طبيعي مكتفياً بعلاقات مع دول لم تناصبه العداء العلني ولا يتعدّى عددها عدد أصابع اليدين. لن يستطيع المجتمع الدولي تحمّل الكلفة الأخلاقية لترميم العلاقات مع المسؤول الأول عن قتل أكثر من مئة ألف سوري وتشريد عشرة ملايين شخص وتدمير ثلث البلد.
بشار هرب!
عندما فرّ الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى خارج البلاد، صاح أحد الثوار: "بن علي هرب". فهل تتناهى إلى مسامعنا صيحة مماثلة من الداخل السوري؟ سوريا ليست تونس. لا يمكن لبشار الأسد أن يترك بلاده ويهرب فتنتهي بفراره الأزمة السورية. في سوريا يتواجه حالياً جيش النظام مع ألوية وكتائب المعارضة المسلّحة. النهاية لن تكون بمخرج في شكل السلطة، فموازين القوّة في سوريا حالياً يحدّدها الميدان، لا ظاهر المؤسسات السياسية. لا وجود لمؤسسة قمعية محايدة تضمن هكذا تغيير. بشار الآن مسؤول عن مصير طائفة كاملة، مهما تفاوتت الآراء عن مدى تماسك هذه الطائفة به.
بشار في السجن؟
لذات الأسباب يتعذّر الحديث عن تكرار السيناريو المصري في سوريا. توسّع الانقسام السوري دفع آلاف القيادات السياسية والعسكرية والشعبية من الطائفة العلوية ومن مؤيدين ينتمون إلى طوائف أخرى إلى الانخراط في الحرب دفاعاً عن النظام. نهاية خاتمتها المحاسبة ستعني جرّ عشرات الآلاف إلى السجون. ثم أن طبيعة الانقسام في الداخل السوري تحول دون إمكانية إلقاء القبض على بشار الأسد. جيش النظام السوري الذي تكبّد خسائر باهظة منذ بداية الثورة إلى الآن، أثبت أن "عدوى" الجيش المصري لا يمكن أن تصيبه.
الرعب الليبي؟
هل ينتهي الرئيس السوري إلى خاتمة تشبه ما حصل مع الرئيس الليبي السابق معمّر القذافي؟ لا يمكن لعملية خاطفة وسريعة أن تجعل بشار الأسد يسقط في أيدي بعض الثوار. طبيعة انتشار القوى العسكرية المتقاتلة تحول دون تحقّق هذه الإمكانية. فعلى الرغم من مرور أكثر من سنتين لم يستطع المعارضون محاصرة الرئيس والمقربين منه، بل أن الوقائع الميدانية تؤكد أن النظام السوري هو الطرف الأقوى. ومع إعلان عدد كبير من الكتائب والألوية المقاتلة استقلالها عن كلّ من الجيش السوري الحر والائتلاف الوطني السوري، سيقف العالم الغربي في موقع المتفرّج لفترة طويلة قبل أن يحدّد طبيعة الأطراف التي يمكن له أن يتعاون معها على الأرض، وأن يمدّها بسلاح يمكن أن يغيّر الواقع الميداني.
هل تحلّ لعنة البعث عليه؟
لن يشهد بشار الأسد خاتمة شبيهة بتلك التي انتهى إليها قطب البعث العربي الآخر، الرئيس العراقي صدّام حسين. لن يُعثر عليه بالصدفة مختبئاً. الأبعاد الاجتماعية ـ الطائفية للأزمة السورية والاستقطاب الحاد الحاصل يحولان دون ترك بشار الأسد وحيداً بلا بيئة تحضنه اجتماعياً وأمنياً. بعد توقف الحديث عن ضربة غربية للنظام (وهي أساساً لم تضع إسقاط بشار الأسد ضمن حساباتها) تدنّت كثيراً احتمالات تشابه نهاية البعثَيْن العراقي والسوري. والآن بعد الاتفاق الروسي الأميركي على تدمير ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيميائية، استطاع النظام إطالة عمره حتى نهاية هذه العملية المعقّدة التي ستستمر لسنة من الزمن على أقل تقدير. لن يخاطر الغرب بوقوع مخازن الأسلحة الكيميائية تحت سيطرة مقاتلين إسلاميين غير مضموني الولاء.
السيناريو اللبناني
الأحاديث عن سيناريوهات نهاية بشار الأسد تتناسى أحد السيناريوهات الهامة لنهاية الأزمات. إنه السيناريو اللبناني ومفاده: "لنجلس سويةً ونتشارك السلطة وعفى الله عمّا مضى"! في لبنان انتهت الحرب باتفاق سمح لقادة الميليشيات بتقاسم السلطة في البلاد دون أيّة محاسبة على ما جنته أيديهم من دمار وقتل. ولكن في لبنان هناك مجموعات طائفية شبه متوازنة في العدد، وفي الأراضي التي تنتشر فيها. في سوريا المسألة مختلفة. هناك أكثرية سنّية وأقلية علوية. طبيعة الديموغرافيا السورية لن تسمح بولادة نظام مركزي تشارك فيه جميع الطوائف في السلطة بنسبة شبه متعادلة.
سيناريو مركّب
كيف يمكن أن يكون إخراج نهاية الحرب السورية؟ للاقتراب من الخاتمة الأكثر ترجيحاً، يجب الالتفات إلى حقيقة هامة تهملها التحليلات السائدة: بشار الأسد ليس حاكم سوريا!
من يحكم سوريا الآن؟ لا أحد يعرف فعلياً. المعروف أن التوازنات الصعبة بين أقطاب السلطة الفعلية هي التي ساهمت في خلافة بشار الأسد لأبيه. أراد نافذو الظلّ شخصاً من خارجهم لكي لا يصطدم بعضهم ببعض.
خلال فترة صعوده في السياسة السورية عمل الرئيس السابق حافظ الأسد على بناء سرايا الدفاع وسلّمها إلى أخيه رفعت الأسد. وحين ترأس الجمهورية السورية، وازن بين الجيش السوري وسرايا الدفاع بشكل سمح له بالتحكّم في قرارات الطرفين. المجموعة الصغيرة الحاكمة، أي السلطة الفعلية في سوريا، استمرت خاضعة للأسد الأب إلى حين محاولة أخيه رفعت الانقلاب عليه عام 1984.
دعم الجيش حافظاً في مواجهة أخيه، وتم حلّ سرايا الدفاع التي وصل عدد أعضائها إلى خمسة وخمسين ألفاً. فقدَ حافظ الأسد قدرته على إدارة السلطة الفعلية بشكل شبه منفرد وتشاركها مع رئيس الأمن العسكري علي دوبا والجنرالين علي حيدر وابراهيم صافي وآخرين. بنى الأسد جيشه الخاص، الحرس الجمهوري، وحاول التعويض عن بعض ما فقده ولكن بعد العام 1984، لم تعد ممكنة معرفة مفاصل هذه السلطة خاصةً وأن هذه الأسماء صارت من التاريخ.
بشار الأسد ليس حاكماً فعلياً لسوريا. لسوريا حكام عسكريون خفيّون. هؤلاء لن يكونوا خارج الحلّ السياسي الذي ستنتهي إليه الحرب السورية والذي يمكن أن يسفر عنه مؤتمر جنيف الرابع أو الخامس. قوّتهم تنبع من كونهم سيتحدثون باسم طائفة سورية لن يسمح النظام العالمي بسحقها وذلك لأسباب إنسانية ولأسباب سياسية تنطلق من حقيقة تفضيل الإبقاء على مواقع قوّة مختلفة في دولة سوريا المستقبلية.
حين يحين وقت الحلّ السياسي الفعلي سيخرج وجهٌ مفاوض يمثل مصالح النظام الفعلي ومصالح الطائفة العلوية وعلى ضوء ذلك سيتحدّد مصير بشار الأسد. ربما تصادف صياغة مبادئ الحلّ موعد إنهائه ولايته الرئاسية (والأرجح أن يتم تمديدها)، وربما يذهب في إجازة طويلة إلى روسيا وفق إخراج يشبه إخراج إنهاء الأزمة اليمنية... أشكال الإخراج التي يمكن تصوّرها كثيرة ولكن النتيجة واحدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون