تحمل عروستها، تحادثها... وتكبران. يدخل والدها غرفتها ليفاتحها بمستقبلها، فارس الأحلام قد وصل. أو تستجمع هي قواها لتخبره عن حبٍّ طرق أبواب قلبها، ويودّ طرق باب منزلها لتغادر معه إلى منزله. تلبس الأبيض، تبتسم للمهنّئين، ترقص في عرسها، تحمل فستانها معها، بدلةً رسميةً تكرّس فيها دخولها "القفص الذّهبي".
تُقتل امرأة شهرياً في لبنان بسبب العنف الأسري. الرّقم ليس بحاجةٍ لمقدّماتٍ تجميلية، فخلف الأبواب المغلقة، والنوافذ الموصدة، نساءٌ يضربن ويُعنّفن من وحوشٍ ظنّت أنها بزواجها اشترت عبدة أو جارية. بعض القضاء يغطّي نظام العبودية هذا. ما يُسمى بجريمة "الشرف" أُلغي كعذرٍ للمجرمين في القانون اللبناني، إلا أن بعض القضاء آثر أن يُبدل مطرقته بسكّين يزرعها في جثث النساء المعنّفات، غير آبهٍ بقانون العنف الأسري الصادر في أبريل 2014، ففي القانون دائماً ثغرات، و"التاجر شاطر".
تحوّل ألبوم الصور من مجلّدٍ إلى مجلّدات، إمرأةٌ مبتسمة، أخرى مع أولادها في صورة عائلية، زوجٌ يعانق زوجته وعلى وجهها إبتسامة صفراء، كمن يحضنها الوحش، فتخاف حضنه وتخاف تركه في الوقت ذاته. قتلها بالنسبة له سهل، و"الشرف" غالٍ، أغلى من الروح الإنسانية، بورصة أسعاره متأرجحة بين رصاصةٍ و"مشط رصاص"، بين سكّينٍ وساطورٍ أو أداة مطبخ، بين نرجيلةٍ وحزامٍ أو قبضة وحشية، والنتيجةٍ واحدة: جثةٌ أُثخنت بالجراح، وقاتلٌ يجلس أمام الضحية بدمٍ بارد. يُنهي سيجارته، يستحم، يغير ثيابه ويسلّم نفسه للقضاء، ليقضي سنتين أو ثلاثاً في السجن، قبل أن يخرج مجدداً ليرفع عدّاد الضحايا من النساء، أو يحافظ على معدّل الضحية شهرياً الذي كان قد سجّله هو وزملاؤه من القتلة بالدرجة الأولى، ومن يتساهل معهم ومع "فورات غضبهم" من القضاء والأمنيين والمشترعين البرلمانيين المشوّهين لاقتراحات القوانين التي تحمي النّساء والأطفال، ويفرغونها من مضمونها، أو بالأحرى، يفتحون فيها الثّغرات.
بينما نحيا في خريف القضاء، تتساقط الأوراق واحدةً تلو الأخرى: بغداد عيسى، صونيا ياغي، رلى يعقوب، كريستال بو شقرا، رقية منذر، منال عاصي، مارغريت طنّوس وميمونة أحمد أبو العائلة وكُثرٌ غيرهن. بدل نشر شجرة الموت واقتلاعها، تُترك لتنمو وتتساقط أوراقها من النساء، من ضحية الأب والأخ، لضحيةٍ على يد الزوج، جمعهن الموت كما جمع المحرّضين على المواد التي تشجّع على القانون المدني، بحجّة انتقاص هذه المواد من السلطات الروحية الشرعية للمحاكم الدينية. المحاكم الشرعية الدينية التي تسعى لتوسيع نفوذها ومكتسباتها من حيث حق التدخل بالأسر إلى المنفعة المادية، على حساب القانون المدني وأرواح الضحايا على حدٍّ سواء.
حكم القضاء على محمد النحيلي بـ3 سنوات و9 أشهر، مع احتساب المدّة الزمنية حسب السنة السجنية. محمد كأمين بو جودة، وزوج بثينة الأمين، كما محمد الطحش قاتل زوجته ميمونة أحمد أبو العائلة، قتلةٌ سُجنوا وحُكموا، وبحكم القضاء، هم مساجين سابقون أدّوا محكوميتهم، بينما أدّت عائلات الضحايا من النساء ولا تزال، حكمها المُؤبّد في الساحات والمقابر، مطالبات بحقوق بناتها، من رجال دينٍ وقانون أصابهم الصمم، لم تخترق آذانهم الصرخات ولا الاستغاثات، إذ كما يقول المثل، "للبيوت أسرار".
قد تكون دعوة النساء لاستخدام العنف المضاد انفصالاً عن الواقع، نظراً للفرق بين المرأة والرّجل بالقدرة الجسدية، لكن الدّعوة تبقى قائمة، ولو أن العنف ليس حلاً. فالحلول جميعها غائبة، لا سُبُل قانونية ولا طُرُق مجتمعية كفيلة بحماية المرأة. الوحش قد يقتلها وهي حاملٌ بجنينها، كما فعل محمد منذر مع زوجته رقية، أو قد يقتلها لاعتقاده بأنها خانته، أو ربما قد يكون تحت تأثير الكحول أو المخدرات، الأعذار كثيرة، والشريك في الجريمة حاضر، يجاهر علناً بشراكته مع الجناة، هو القاضي الذي يتساهل مع جرائم كهذه ويشرّعها، وبدل احتراف القانون، يحترف الرقص على جثث النساء بين القبور وفي المقابر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين