في ظل ارتفاع أسعار السلع في معظم الدول العربيّة، لم يعد باستطاعة الكثيرين تأمين حاجاتهم الأساسية، خصوصاً إذا كانوا يتقاضون الحد الأدنى للأجور. فماذا يمكن أن تشتري أسرة مكوّنة من أربعة أفراد، إذا كان معيلُها يتقاضى الحد الأدنى، سواء في الأردن أو مصر أو لبنان. وما يمكن أن تكون الفاتورة الأضخم التي ندفعها؟
"حتى طبق الفول لم يُستثنَ. أسعار السلع في ارتفاع ورواتبنا على حالها"، هذا ما يقوله المواطن المصري، وما يؤكّده البنك المركزي للإحصاء، الذي أشار إلى أن معدل التضخم الأساسي ارتفع على أساس سنوي إلى 12.9% في مايو الماضي، وإلى 13.97 في يونيو. وأوضح البنك أن سبب ارتفاع معدل التضخم يعود إلى ارتفاع أسعار الحبوب والخبز والأرز بنسبة 8.4%، واللحوم والدواجن بنسبة 3.8%، والخضراوات بنسبة 3.8%، والفاكهة 5.2%، والوجبات الجاهزة 4%، والرعاية الصحية 15.1%.
بالنسبة إلى الأردنيين، فإن الحال ليس أفضل، لا سيما أن المحللين الاقتصاديين يرون أن الوضع ذاهب إلى الأسوأ. وفي ظل هذه الأوضاع يبدو من السخرية أن نسأل عن فاتورة الترفيه في الدول العربية. ففي لبنان مثلاً تزيد فاتورة زيارة عائلة مؤلفة من 4 أفراد إلى مسبح، على الـ100$، أي نحو 22% من الحد الأدنى للأجور.
في لبنان، تتجاوز الفواتير 570$ والحد الأدنى 450$
عندما تسأل مواطناً لبنانياً عن الحد الأدنى للأجور، يجيب بلا تردد أنه لا يكفي لتأمين الحاجات الأساسية حتى منتصف الشهر، فالأجر اليومي لا يتجاوز العشرين دولاراً، أي 450$ شهرياً. وفي عملية حسابية صغيرة يستطيع كل لبناني التأكد من الأمر. إذا بدأنا من السكن، يصعب على أي أسرة إيجاد منزل يقلّ بدل إيجاره عن الـ200$، إذا لم نضف إلى هذه القيمة فاتورة الكهرباء التي لا تقلّ عن 20$ حداً وسطاً، وفاتورة الاشتراك بالمولد الكهربائي التي لا تقل عن 50$.في لبنان، تتجاوز الفواتير 570$ والحد الأدنى 450$، أما في مصر، فـ60% من راتب المصري يذهب على المأكل والملبس
ماذا يمكن أن تشتري أسرة مكوّنة من أربعة أفراد بالحد الأدنى للأجور في مصر، الأردن ولبنان؟بعد المنزل يأتي دور الطعام. لا يمكن في لبنان لأسرة صغيرة أن تؤمن ثلاث وجبات من الطعام يومياً بمبلغ يقل متوسّطه عن الـ 10$. إذا حسبنا سعر اللحمة والأرز والخضر والزيت والخبز والغاز، أي ما يعادل 300$ شهرياً. إذا جمعنا هذه المصاريف، نجد أن عائلة مكونة من 4 أفراد بحاجة إلى 570$ كحد أدنى شهرياً للعيش. علماً أننا لم نحسب بعد نفقات التنقل، ولا المدارس، أو الطبابة أو حتى أي جانب ترفيهي. فكيف يمكن لعائلة أن تعيش بالحد الأدنى الفعلي في لبنان الذي لا يتخطى 450$؟ يقول الخبير الاقتصادي رامي كيوان إن النقاش في لبنان يجب أن يتحول من موضوع زيادة الحد الأدنى للأجور، إلى موضوع القدرة الشرائية. فما النفع من زيادة الحد الأدنى للأجور إذا بقيت القدرة الشرائية ضعيفة؟ ولفت إلى أن اقتصاد لبنان يفتقر إلى التنافسية، لأن عدداً صغيراً من الشركات يسيطر على معظم القطاعات، مذكراً أن قانون التنافسية لا يزال في الأدراج منذ عام 2006.
من جهة أخرى، أوضح كيوان أن هناك مشكلة أساسية في موضوع الرواتب، وهو فصل البدلات عن الراتب، ما يؤثر على نهاية الخدمة.
60% من راتب المصري يذهب على المأكل والملبس
تتجاوز نسبة المصريين الذين يعيشون دون خط الفقر الـ27%، ويبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر 1200 جنيه، أي ما يساوي تقريباً 110$. وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن متوسط الدخل السنوي للأسرة المصرية بلغ 44.2 ألف جنيه، ما يعادل $5000 عام 2015. وفي هذا الإطار، أوضح أستاذ التمويل والاستثمار في جامعة القاهرة الدكتور هشام إبراهيم، أن القسم الأكبر من دخل المواطن المصري يُصرف على المأكل والملبس، ثم على التعليم. ويبيّن إبراهيم أن نسبة الإنفاق على المأكل والملبس تصل إلى 60% من الدخل، لا سيما في ظل التضخم الذي تشهده البلاد، ونسبته 14%، ويطال مختلف القطاعات. هذا الأمر يؤثر على أسعار السلع الأساسية، التي لا يمكن أن يستغني عنها، حتى الفقراء، أو من هم تحت خط الفقر.
ضعف جودة التعليم الرسمي يدفع معظم العائلات إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية، فتخصص بعض العائلات 25% من دخلها لهذه الدروس، بحسب ابراهيم. وفي ما خص السكن، يشير إبراهيم إلى أن النفقات الأكبر تبقى على مستلزمات السكن، لأن التملك هو الغالب.
ويقول إن المصري يصرف 10% تقريباً من راتبه على فاتورة الكهرباء والغاز والماء. وبعملية حسابية، يمكننا الاستنتاج أن الحد الأدنى لا يكفي للحاجات الرئيسة. وإذا وزّع بالنسب المذكورة سابقاً، والتي تعتبر الحد الأدنى، لا يبقى للمواطن أي خيارات للترفيه أو شراء أي شيء إضافي، أو حتى الذهاب إلى الطبيب. ويؤكد أن معظم العائلات الفقيرة لا تنفق على الصحة، وإذا مرضت لا تقصد الطبيب إلا في الحالات الخطرة.
في الأردن: الحد الأدنى لا يخولك دفع سوى فاتورة السكن
يُنفق المواطن الأردني أكثر من 70% من الحد الأدنى للأجور على السكن. يحدّد الحد الأدنى للأجور بنحو 270 دولاراً في الشهر، وهو مبلغ لا يكفي الحد الأدنى للحاجات الأساسية.
يقول المحلل الاقتصادي الأردني مازن إرشيد إن معدل أجور السكن الشهرية في الأردن يبلغ 200 دولار تقريياً، بينما تراوح فاتورة نفقات الخدمات الأساسية الأخرى بين 40 و60 دولاراً كمعدل وسطي.
وأضاف إرشيد أن هذا الأمر يعني أن الكثيرين ممن يتقاضون أجوراً تعادل الحد الأدنى، عاجزون في معظم الأحيان عن تلبية حاجاتهم من المواد الاستهلاكية الضرورية. علماً أن هناك 13% من العاملين في الأردن يتقاضون 280$ أو أقل، بحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.
ويؤكد إرشيد أن الواقع الحالي في الأردن أصبح في منتهى الصعوبة، مقارنةً بفترات سابقة كان الاقتصاد يمر فيها بظروف حرِجة، خصوصاً أن مديونية الدولة بلغت أعلى مستوياتها التاريخية. كما أن عجز الموازنة لا يزال يسجل مستويات مرتفعة، برغم تراجع تكلفة الفاتورة النفطية في بلد يستورد 98% من حاجاته من الطاقة من الخارج.
ويرى إرشيد أن الوضع سيزداد سوءاً مطلع العام المقبل بسبب الاتفاق الأخير بين الأردن ومؤسسة النقد الدولي، والذي من خلاله ستزيد الحكومة الضرائب على بعض السلع والخدمات، بالإضافة إلى رفع فاتورة الكهرباء والمياه، شارحاً أن هذا الأمر يعني بطبيعة الحال زيادة على أسعار الكثير من السلع والخدمات.
انطلاقاً مما تقدم، يصبح المواطن الأردني شبه عاجز عن تأمين حتى حاجاته من المواد الأساسية، خصوصاً أن القوة الشرائية للدينار الأردني تآكلت بشكل كبير خلال السنوات الخمس الأخيرة، بالإضافة إلى توقع ارتفاع معدل التضخم بالتزامن مع ارتفاع أسعار الكهرباء والمياه، مطلع العام المقبل، يضاف إليهما ارتفاع محتمل لأسعار النفط.
وختم أرشيد أنه لا يمكن أهمية إغفال التأثير السلبي لإغلاق الحدود مع سوريا والعراق على التجارة والصناعة الأردنية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...