برموش مستعارة تشير إلى تراث من التغني بالعيون الكحيلة، ورأس يخشى الارتفاع كثيراً، وعنق يميل قليلاً، بينما الظهر ذو الجنبات والثنايا الخفيفة مشدود، ومهيأ لاستعراض استدارة تبدأ وتنتهي على جانبي الخصر الناحل، لتصنع “السوّة"، تقف عارضة مصرية، في محاولة أولى ومتواضعة للإثارة، على البوستر الترويجي على أغلفة الملابس الداخلية النسائية "الحريمي" المنزلية والمثيرة. هذا الغلاف الترويجي، الذي لم يظهر الجسد المصري منذ أن عرفت تلك الصناعة ترويج منتجها بطرق مختلفة.
قبل عصر التسويق، الدلّالة
احتلت العارضات الأوروبية مختلف ملصقات ومعروضات سوق الملابس الداخلية، بنوعيها الرجالي والنسائي، على اختلاف المراحل الترويجية، إلى أن نافسه الجسد التركي، وهدد سطوتهما، المصري المكتنز. أما "الدلّالة"، فهي امرأة من زمن القميص أبو سفرة تفترش الأرض بينما الأم الأربعينية جالسة على الأريكة، وحولها البنات العرائس، البكرية المعقود قرانها دون الزفاف المنتظر، وأخواتها المنتظرات القطار نفسه. اجتمعن لاختيار تشكيلة من حمالات الصدر والكيلوتات "والقميص أبو سفرة". بينما تلتقط الصغيرات من حقائب الست الدلّالة "أم فلان"، وبؤجة (رابطة) الألوان والحرائر والشيفون والأقطان الخفيفة، ما يناسب أعمارهن من ملابس نوم وملابس داخلية. كان ذلك قبل أن تعرف بـ”الأندروير” Underwear و"الهوم ويير” Homewear، كما الآن في المناطق الشعبية، التي طالما اعتمد أهلها على الدلّالة في تجهيز البنت قبل ذهابها إلى بيت الزوج. حافظت الدلّالة على مكانتها ومكانها في السوق، وفي كل بيوت المنطقة التي تغطيها، وتبسط نفوذاً فيها، حتى نهاية الثمانينيات. حينها حسمت المنافسة بينها وبين متاجر الملابس المنتشرة في القاهرة الخديوية. كما المنافسة الشرسة مع "الفَرْشَة" في الأسواق الشهيرة كالموسكي والغورية في القاهرة الفاطمية، حيث ترفرف قمصان النوم والصدريات ومختلف أشكال البانتي، على حوامل وشماعات بائعي "الدلع"، أو تصطف على أقفاص وطاولات خشبية، ترفرف حاملة روائح الأعشاب والبخور المنبعثة من دكان العطار المجاور، كأنها مقدمة تصويرية لنداءات الباعة الملحنة "حنوك وأنا غايب يا بلح... من بعد نوم العلالي تنام في مشنات يا بلح”. في التسعينيات، تلألأت العشوائيات باللاميه والدانتيل مع أفول عصر الدلّالة، وحضورها المتواضع في أحياء القاهرة التي تزخر شوارعها بالأسواق، وفي الكثير من القرى، التي بات أهلها يتبضعون من المراكز والمدن المجاورة. في تلك السنوات بدأت الملابس الداخلية بالظهور المجسم على مانيكانات مصنوعة حسب مقاييس الجمال الأوروبي، وأخرى دون رأس وساق، لتحريم البعض إياها واعتبارها من المجسمات والأصنام "التي يلبسها الشيطان".على أغلفة الأندروير: عارضات بأجسام مصرية ممتلئة ووجوه أجنبية مجهولة خشيةً من المجتمع
عالم عارضات سوق الملابس الداخلية في مصر يشبه، إلى حد ما، عالم فتيات الليل، في جو من السرية والتكتمعلى هذه الحال ظلت تلك المرحلة من عمر السوق، حتى بدأ مستوردو اللانجيري، يأتون بالبيبي دول أو الكورسيه، المغلف في علبة كرتونية تحمل تصميماً جذاباً ومثيراً: الإيطاليات والتركيات والروسيات، بالجسد الممشوق والبطن المشدود والقد النحيل الرشيق، والصدر النافر الصغير. إلى أن وصلت الدعاية في السنوات العشر الأخيرة، إلى مرحلة جديدة تم فيها الاعتماد على الغلاف البلاستيكي الشفاف، تتصدره صورة للموديل الأجنبية، في أوضاع جامحة، تمارس الغواية تحت نيون الفترينات.
باعة الدلع، شعراء أيضاً
بحثنا عن الموديل المصري، الذي بدأ يفرض مواصفاته على مقاييس الترويج في الأسواق، ومحلات اللانجيري، منذ 4 سنوات، على مراحل مختلفة. فلكل منطقة قصتها مع ذلك السوق، من حي الهرم وشارع فيصل المزدحم في محافظة الجيزة، حتى مناطق الألف مسكن وعين شمس في القاهرة، مروراً بمنطقة وسط البلد "القاهرة الخديوية"، وأسواق الموسكي والغورية إلى جوار جامع الأزهر. التقينا حينها ببائعي الدلع، منهم المتحفظ والخجول والمحترف. وقادتنا الصدفة إلى محل يديره أحد الشعراء في مصر، "المُزة دي جسمها هو اللي بيبيع الشغل... انظر إلى الصدر… البرا ده صيني... مستحيل تلاقي صدر قد ده في الصين". هكذا أشار أحد بائعي الدلع إلى بعض الأغلفة، التي تتوسطها عارضة بصدر مكتنز وبطن متدلٍ، وفخذين ممتلئتين، لكنها غير مصرية. سألناه، فأوضح أن الجسد لبنت مصرية بينما الوجه لموديل أجنبية، فغالبية العارضات المصريات يشترطن أن يقوم المصمم بتغيير وجههن، ويستبدله بآخر أجنبي. يقول البائع: "بدأنا نشعر مع الوقت أن النساء لا يمكنهن تخيل أنفسهن يرتدين المعروض من أنواع اللانجيري المختلفة، خصوصاً المثير منه، إذا كانت الموديل خشباً أو عارضة أجنبية، لذلك اتجه الصناع والتجار للاستعانة بالموديل المصرية، من دون وجهها". لم يكن مستر محمد، هكذا تناديه اللواتي يعملن لديه من فتيات المنطقة العشوائية، يوضح أسباب ظهور الموديل المصري. إذ يقول إن المنتج نفسه حين طرحه المصنع في بداية الموسم، وتصدرت المانيكان الخشبية صورة الغلاف الخاص به، لم يلفت الأنظار. أما مع تلك العارضة، يشير إلى إحداهن، فأصبح يحقق رواجاً. ويوضح هدهد، الذي يعمل تاجر جملة وتجزئة، سبب اتجاه السوق، مصنعين ومستوردين وتجاراً، إلى الموديل المصرية: "أحياناً تنصح إحداهن بناتها، بحتمية امتلاء أجسادهن بعد الزواج، وعمل حساب لذلك، وأخرى تقول لصديقتها: حلو عشان على المانيكان مش علي". وأضاف: "إرضاء الشك في تناسب الملابس مع أجساد الزبائن، تفوّق على الخجل من التعامل مع صور مثيرة تماثل أجسادهن، حتى أن ذلك يريح بعض السيدات ممن ينكرن أحجامهن".نجاح من اللحظة الأولى في سوق الهوم ويير
النجاح الملحوظ الذي حققه "الموديل المصري" في سوق الهوم ويير، جذب الكثيرات ممن يعرضن الفساتين السواريه، بينما يرفضن عرض المايوه والأندروير. محاولة الحديث إلى الصحافة، كانت مخيفة إلى حد ما. إحداهن رفضت المقابلة ولكن اقترحت على التاجر أن نسألها من خلاله. قالت إنها تتقاضي 500 جنيه (56$) عن الصورة الواحدة، وفي أحيان أخرى لا يتعدّى سعر الصورة 150 جنيهاً (17$)، حين يكون السوق "نايم" على حد قولها. ملكة جمال السودان السابقة فاطمة علي، التي تعمل عارضة للأزياء العادية كفساتين السهرات ومختلف أنواع الملابس، قالت لرصيف22 إنها لم تتلق عرضاً لترويج الملابس الداخلية، وتسمع أن هناك مصورين يعتمدون على الموديل المصري، لكنها لا تعرف شيئاً عنهم. وبينما تتألق فاطمة التي نالت شيئاً من الشهرة لإعجاب الكثيرين بجلسات التصوير، التي تظهر فيها مزهوة وواثقة من سمرتها الساحرة، تقف موديل اللانجيري خجولة في تجربة أولى لمهمة الإثارة بالجسد المكتنز. وبينما تنال فاطمة والعارضات في ذلك المجال تقديراً من شرائح رفيعة من المجتمع، لا تزال عارضة اللانجري تشكك في إمكانية قبول المجتمع لها، من دون أن يضعها في دائرة فتيات الليل.معوقات في طريق العارضة المصرية
يبدو أن إقبال الجمهور على المنتجات التي تروجها العارضات المصريات، لا يعني أن هذا الجمهور أصبح يتعاطى بشكل طبيعي مع وجود عارضة مصرية على غلاف الأندروير أو الهوم ويير. حتى أن عالم عارضات هذا السوق يشبه، إلى حد ما، عالم فتيات الليل وبائعات الهوى، في جو من السرية والتكتم. فالكثيرات منهن لم يخبرن الأقرباء، حتى أن إحداهن وهي ممن يشترطن تغيير الوجه، لا يعرف زوجها شيئاً عن ذلك العمل، وهي نموذج لكثيرات يعملن في مهن ووظائف مختلفة دون الإفصاح عنها. يوضح أحد التجار أن السبب في ذلك يرجع إلى أن العارضات لا يستطعن ذلك، لأن العارضة تأتي إلى جلسة تصوير وتقف شبه عارية، متوسطةً خمسة رجال على الأقل، أحدهم الماكيير. قليلات من يفعلن ذلك من دون اكتراث. مرت الشهور الأولى من العام الجاري، من دون أن يقوم الموزعون بنشر التصميمات الجديدة، وترتب على ذلك تراكم المصنوعات، بسبب حادثة جعلت العارضات يتخوفن من العمل. فقد دعاهن أحد أصحاب المكاتب الموزعة للانجيري، عبر غروب على Whatsapp، قائلاً إن هناك موديلات جديدة ويحتاجون إلى أكثر من عارضة، مشترطاً إرسال صور عارية لمعاينة الجسم. رفضت الفتيات ما عدا ثلاثاً منهن، وقعن ضحية للابتزاز والتهديد بالصور. إلى أن لجأت إحداهن إلى أحد معارفها في الشرطة، لينقذ الموقف. هكذا تروى الحكاية في سوق اللانجري، بتفاصيل مختلفة، ولكن الغاية أن العارضات عدن للعمل بعد فترة من الوقت. ولمصلحة السوق، يرى أصحاب "الكار" أن السيطرة المحتملة "للجسم المصري" على أغلفة اللانجيري أياً كانت الجنسية التي تحمل الأوصاف المطلوبة، ستدفع بالسوق إلى الأمام، على مستوى التجارة والتصنيع، دون اللجوء للاستيراد من الخارج.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع