شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
تعلّم لغة الفقراء من دون معلّم!

تعلّم لغة الفقراء من دون معلّم!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 25 يوليو 201611:49 ص
بعد ملايين السنين من الأعمار الجيولوجية، ارتأت الطبيعة أن تعطي للبنان الترتيب الحالي لتضاريسه: شريط ساحلي رفيع، جبل، وادي، جبل ثم سوريا. البحر من الجهة الأخرى وفلسطين (هل من يذكرها هذه الأيام؟) من الجهة التي لا يقوم بشار الأسد حاليًا بتنظيفها من شعبه. لبنان ليس فقط صغير الحجم. المساحة القابلة للسكن فيه ضيّقة للغاية. من الصعب بناء مدن ذات تخطيط منطقي في مثل هذه الطوبوغرافيا من دون خلق فوضى عارمة، والفوضى العارمة هي بقية الاسم الثلاثي للبنان. ولكن من محاسن (؟) ضيق المساحة هذه هو صعوبة الفصل التام بين الأغنياء والفقراء. لا بل أنه يمكن ملاحظة كيف تتجاور أبراج تبلغ قيمة شقة بحجم علبة الكبريت فيها بضعة ملايين من الدولارات، مع عشوائيات من الصفيح تسكن في غرفة منها بضعة عائلات. لا يستطيع ابن الطبقة المتوسطة وما فوقها احتساء كوب من اللاتيه سعره عشرة دولار بسلام، من دون أن يعكّر صفوه متسوّل أو لاجئ أو طفل يتضوّر جوعًا هذه الأيام. لا بل أنه حتى عندما تنهار البنية التحتية والخدمات الأساسية بين الحين والآخر (أحم، يوميًا) - من كهرباء وشبكات صرف صحي وجمع نفايات وأمن - يتساوى الأثرياء والمعدمون في التأثر بذلك. لا يستطيع الميسور في لبنان الاختباء من الفقير مهما فعل. دولته ستعمل حثيثًا على جعله يعيش في ذات مستوى البؤس حرصًا على العدالة. مع ذلك، لا يبدو أن غير الفقراء يكترثون بالفقراء. لسبب ما، درّبنا أنفسنا على تجاهلهم على الرغم من أنّهم بيننا ونحن بينهم. بؤسهم لا يحرّك شيئًا فينا، بل أن أكثرنا تعوّد أن ينهرهم، ويمعن في إذلالهم. النزعة الأنانية فينا ربما هي من نتاج عقلية الحرب الأهلية (فلينجو كل بنفسه). ربما هي نتاج عصر النيوليبرالية حيث الجميع، بما في ذلك الفقراء، يسعى للاغتناء عوضًا عن تحقيق المساواة. غياب حسّ التعاضد مع الآخرين والفشل الأخلاقي الهائل على هذا المستوى، هو ظاهرة عالميّة لا لبنانية. ولكنني أذهب أبعد من ذلك لأزعم أن غير الفقراء والفقراء يتكلّمون لغتين مختلفتين. قد تبدو بعض العبارات متشابهة لفظًا. قد نبدو أننا شعبٌ واحدٌ ذو طبقات مختلفة. ولكننا لا نتكلّم اللغة ذاتها قطعًا: اذن نحن قبيلتان مختلفتان تسكنان حيّزًا جغرافيًّا واحدًا، ولكن في عالمين منفصلين. نظام الأبارتهيد هذا هو داخل عقولنا نفسها. نختلط بالفقراء يوميًّا، ولكن لا نسمع صوتهم تمامًا، لأننا لم نزعج أنفسنا بأن نتعلّم لغتهم. ربما علينا أن نجترح معجمًا لتسهيل الترجمة والفهم المتبادل، وربما يومًا ما، قد نظهر بعض الاكتراث وفهمًا للامتيازات التي نتمتع بها. وربما سيفسّر هذا المعجم لماذا تفشل حركات مثل "بيروت مدينتي" في انتزاع أصوات الفقراء خارج فقاعة "حمراء - بدارو - مار مخايل"، لأن الفقراء لا يفهمون لغة البورجوازية (قيمة صوت الفقير حاليًّا تساوي قيمة صوت الميسور، ولكن قد يقوم الليبراليون بتغيير ذلك قريبًا حماية للديمقراطيّة من "الرعاع"). لا أدري كيف قد يبدو هكذا معجم ولكن قد يكون الجدول التالي نموذجًا: Table-LanguagesTable-Languages

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image