"قيل لي: ماذا الذي تودين فعله. في نهاية المطاف ستتزوجين، وعليكِ أن تهتمي بالطبخ والتهيؤ لرعاية الزوج والأطفال. لكنني لم أخلق لتدور حياتي فقط حول انتظار زوج، لديّ روح حرة وينبغي لي عمل الكثير. أحب كرة القدم، وحياتي تدور حولها". هذا الحديث لسلمى الماجدي، أول امرأة في أفريقيا والعالم العربي تشغل منصب مدربة كرة قدم للرجال.
ولدت سلمى الماجدي في أم درمان، المدينة التي تعشق هذه الرياضة، وينتمي لها أكبر ناديين في السودان، هما الهلال والمريخ.
تقول سلمى: "بدأت رحلتي مع كرة القدم في مدرسة نادي الهلال بأم درمان، كنت في الثالثة عشرة من عمري. أذهب مع شقيقي، فهو كان لاعباً في الفريق، حتى عندما يغيب عن أداء التدريبات، أكون حاضرة".
تضيف الماجدي (26 عاماً): "شغفي بالتدريب كان كبيراً، فأنا كنت أتابع أداءهم للتمارين، وخطط المدربين. حين أعود إلى البيت كنت أفكر في الأمر كثيراً، وأضع خططاً لفريق أتخيله. ثم صارحت والديّ برغبتي في الاتجاه إلى كرة القدم، ومع إصراري الشديد وافقا وشجعاني، وبعدها انطلقت".
سرعان ما بدأت الماجدي مسيرتها التدريبية مع شباب نادي الهلال ورابطته لفرق الناشئين، ثم مساعدة لمدرب نادي الموردة الأم درماني، قبل أن تحصل على رخصة التدريب الإفريقية C. بعد ذلك، طلب نادي النصر، أحد أندية الدرجة الثالثة خدماتها، وكان يتذيل الترتيب، لكنها نجحت في قيادته لانتصارات متتالية، الأمر الذي أمنّ له الاستمرار في الدوري.
"في مجتمع ذكوري يصعب عليه استيعاب قدرة المرأة على النجاح في العديد من المجالات، استطاعت سلمى أن تكسر حاجز احتكار الرجل السوداني للتدريب، وأقنعت المجتمع، أنه ليس حكراً على الرجال"، تقول الصحافية الرياضية ياسمين أحمد لرصيف22. وتضيف: "تجربة الماجدي رائدة لأنها خرجت من مجال تدريب البنات إلى تدريب الرجال. وخلقت حالة من الرضا في جزء من المجتمع، الذي لا يعتبر أنها تجاوزت الخطوط الحمراء".
تعتبر سلمى أنها لا تفعل شيئاً خاطئاً، فهذه كانت قناعتها دائماً. تقول: "كنت أسمع بعض الانتقادات لكنني لم أولها اهتماماً. واجهت تساؤلات كثيرة، أرد على كل شيء يتصل بعملي، أركز عليه أكثر من أي شيء آخر، لو كنت انشغلت بآراء المجتمع المحافظ حول نوع عملي ومدى تلاؤمه مع مزاجهم لمنيت بالفشل".
تحظى الماجدي بإعجاب الكثيرين، بينهم خبير التدريب في الاتحاد الإفريقي (CAF) والمدير الفني الأسبق للمنتخب السوداني، أحمد بابكر. تؤكد سلمى أنها تستمع إلى نصائحه كثيراً، وهو سعيد جداً بتجربتها. أما الداعم والمشجع المهم في حياة سلمى فهو والدتها. تقول: "أمي عائشة الطيب، تشجعني باستمرار، قطعت 260 كلم جنوب الخرطوم لتصل إلى مدينة ربك، حيث أقود فريقي الجديد النهضة ممثلاً ولاية النيل الأبيض في منافسة الدوري التأهيلي المؤهل للدوري الممتاز. حضرت لنا مباراتين كان الفوز من نصيبنا في الأولى، وتعادلنا في الثانية. كان وجودنا معاً لافتاً للنظر. أنا من على الخط أوجه لاعبيّ، وهي تجلس على المقصورة تشاهد كل شيء، حتى انفعالاتي".
وتضيف سلمى: "اللاعبون وأنا عازمون على الصعود للدوري الممتاز، نحن على مسافة 9 مباريات منه، 4 منها في المرحلة المقبلة. قلت للاعبين إننا في مرحلة مفصلية، يتوجب علينا أن نضحي بأكثر ما يمكن حتى نجد لأنفسنا مكاناً في المنافسة الأولى لكرة القدم في السودان".
وعن العلاقة بينها وبين الفريق، تقول: "علاقتي به يسودها الاحترام، لكنني لا أجامل قط في العمل. لقد أجلست في مقاعد البدلاء أبرز لاعبي الفريق، لأنه كان لا يلتزم بأوامري، وسط استغراب إدارة الفريق وجمهوره. لم يتدخلوا في الأمر، لكنني أوضحت لهم لاحقاً، أن جزءاً من فلسفتي التدريبية يقوم على الانضباط. تفهموا الأمر في النهاية".
عام 2015 اختارت الـBBC المدربة سلمى الماجدي، بين أكثر 100 امرأة تأثيراً في العالم، الأمر الذي قالت إنه منحها دفعة كبيرة، في رحلتها لإثبات ذاتها. وتؤكد أنها ستتمكن في يوم ما من قيادة أندية القمة والمنتخب السوداني، وأنها لن تعود للوراء أبداً، بعدما رأت نفسها تعيش داخل حلمها.
وعن الانتقال إلى تدريب النساء، تشير إلى أن كرة القدم النسائية في السودان بعيدة جداً من الظهور إلى السطح في ظل الظروف الحالية، رغم وجود منتخب التحدي، الذي حاز إحدى البطولات في ماليزيا عام 2010، ووصوله إلى نهائي بطولة الشرق الأوسط وإفريقيا. لكن الأمر أكبر من ذلك، فهو يحتاج إلى تأسيس منافسة وإلى قبول كبير من المجتمع، ودعم ورعاية من الحكومة.
وتلفت الماجدي إلى أن فتيات كثيرات تشجعن وأبدين اهتماماً بكرة القدم، ويطرحن عليها دائماً أسئلة عن إمكانية أن يصبحن مدربات مثلها. تقول: "أرى أن الأمر يحتاج إلى شخصية قوية ورغبة حقيقية، واستعداد للتضحية والتفاني. أنا واجهت مواقف كثيرة صعبة، لكن من الأشياء الإيجابية التي رأيتها الاحترام الكبير الذي بت أقابل به، فوجودي أجبر بعض الجمهور المتهور، على نسيان ألفاظه، فهم يشعرون بالحرج بوجودي".
تشرح الماجدي أجواء المنافسة الصعبة، وتقول إنها أحياناً تعاني من عدم السيطرة على انفعالاتها أثناء المباريات. رغم ذلك، تملك سجلاً نظيفاً، إذ لم يوجه لها الحكام من قبل أي إنذار، ودائماً توضح للاعبيها أن قرارات أصحاب الياقات السوداء نهائية. لذا تحثهم على أن يتفرغوا لركل الكرة فقط. وتشدد على ذلك في المحاضرة التي تلقيها على اللاعبين قبل بداية كل مباراة.
حين دخلت إلى مقر اتحاد كرة القدم في الخرطوم ورحت أنتظرها، ناديتها: "كوتش سلمى"، كانت تلك المرة الأولى التي أنادي فيها امرأة تحمل هذا اللقب. قبل مجيئها بقليل، قمت بتحية المدرب أحمد بابكر، بـ"يا كوتش" أيضاً، بيد أنني شعرت بأن للكلمة وقعاً مختلفاً في المرة الثانية.
تختم سلمى: "حلمي لا يتوقف على العمل داخل بلدي، آمل في المستقبل أن أنتقل لخوض تجربة خارجية كبيرة. تلقيت عرضاً من إحدى الدول العربية، لتدريب أحد فرق الناشئين. سأبقى مع فريقي النهضة ربك حتى أرى ما ستسفر عنه تجربتي الحالية. كما أنني أستعد للجلوس في سبتمبر المقبل لامتحان الرخصة الإفريقية B".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...