شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الإيزيديون... خوف من المسلمين وعلاقة ملتبسة بالأكراد

الإيزيديون... خوف من المسلمين وعلاقة ملتبسة بالأكراد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 9 يونيو 201703:41 م

"حين تستمع إلى صوت الأذان ترتجف خوفاً". هكذا وصف ناشط إيزيدي حالة شابة إيزيدية اغتصبها عنصر في تنظيم داعش قبل تمكنّها من الفرار إلى إقليم كردستان العراق.

هذه الشابة صارت تخاف من الأذان بعد ما ارتكبه داعش بحقها وبحق آلاف الإيزيديين باسم الدين. هي ليست حالة شاذة. معظم الإيزيديين يظنّون حالياً أنه لم يعد لهم مكان بين المسلمين. 

وقال الناشط ورجل الدين الإيزيدي والمشرف التربوي حسن صالح مراد لرصيف22: "بعد تأسيس العراق، وإبان الحكم الوطني، كانت علاقتنا بجميع العشائر جيدة بشكل ما". لكنه لفت إلى أن "انهيار الدولة العراقية عام 2003 أدى إلى إشاعة الفوضى وانتشار فرق الموت وتنامي والأفكار المتطرفة بين فرق إسلامية مختلفة كالقاعدة وداعش وغيرهما، فتجددت الكراهية وعاد الحال إلى ما كان عليه في ظل الدولة العثمانية، ومجدداً صار المسلمون يعتبرون الإيزيدي عدواً ويكفّرونه".

ورأى أن "ما حدث في الثالث من أغسطس 2014 (غزو داعش لقضاء سنجار) هو نتيجة تراكمات منذ عام 2003، وانتشار الأفكار التي تروّج لتكفير الإيزيديين". وأكّد أن هنالك خطراً كبيراً على وجود الإيزيديين، ويعود سبب ذلك، برأيه، إلى "انتشار أفكار التطرّف بين المسلمين جميعاً، سنّة وشيعة، فالشيعة أيضاً أصبحوا متطرفين لتشيّعهم".

وروى مراد: "كنّا نعيش بسلام مع أجداد وآباء المسلمين. ولكنّ الجيل الحالي لم يعد يتقبّل الإيزيديين في وطنهم ونخشى ألا تزول هذه الأفكار قبل عشرات السنين"، مستنتجاً أنه "لا مستقبل لنا في ظل تنامي وتصاعد الأفكار المتطرّفة في هذه البلاد".

Yezidi-Woman_James-Gordon_FlickrYezidi-Woman_James-Gordon_Flickr

مَن هم الإيزيديون؟

تُسمى بالديانة الإيزيدية وتعني "عبدة الخالق" و"الأزدايية" بمعنى التوحيدية. ولا علاقة لها بأي شخص اسمه يزيد، بعكس ما جاء في بعض روايات المؤرخين العرب القدامى. 

"ازدا"، و"خودا"، و"يزدان" هي أسماء الله لدى الإيزيديين وكلها تعني الخالق. يؤمنون بالخالق العظيم الواحد الأحد وبوجود سبعة ملائكة كبرى.

كُتب الكثير عن شخصية "طاووس ملك" ومكانتها في الديانة الإيزيدية. ولكن معظم ما كُتب غير صحيح. فـ"طاووس ملك" أو "الملك تاووس" هو رئيس الملائكة، بحسب العقيدة الإيزيدية، واسمه يعني "نور الله".

وعندما طلب الملائكة من الله أن يروه، خلق "طاووس ملك" من نوره وقال: إن رأيتموه كأنكم رأيتموني، فهو مخلوق من نوري وهو الرسول بيني وبينكم. وبهذا أصبح "طاووس ملك" أقرب الملائكة إلى الخالق، وقد اختاره الله ليساعده في خلق الأرض والسماوات. 

ولا علاقة لـ"طاووس ملك" بقصة الأديان الإبراهيمية التي تدور حول طاعة وعصيان الملائكة لله، ولا علاقة له بالشيطان، بل لا توجد كلمة شيطان في عقيدة الإيزيديين. ففي عقيدتهم، بحسب ما عرضتها لرصيف22 "مجموعة البيت الإيزيدي الثقافي"، إنه لا توجد قوى شر في العالم، إنما مصدر الخير والشر هو الإنسان وهو الذي يختار طريقه في البحث عن الخير ولا علاقة له بملاك شر. ويؤمنون بأن الله هو الواحد الأحد ولا يمكن لملاك شر أن يتحدّاه ولا يمكن وجود قوى شر مع الله القادر على كل شيء.

وإذا أخطأ الإنسان، يجب أن لا يحاول القول إن هنالك ملاك شر حاول إغراءه، إنما يجب عليه أن يعترف بأنه هو المخطئ، فالله أعطاه العقل ليفكر ويعمل لأجل الخير. ولهذا يعتبرون أنهم إذا لفظوا كلمة الشيطان فإنهم يشركون بالله الخير الواحد الأحد.

ونتج التخبّط في الحديث عن الإيزيديين من واقع انغلاق مجتمعهم وخوفهم من الأجانب والغرباء، نتيجة الحروب والاضطهاد، الأمر الذي جعلهم يُحيطون ديانتهم بهالة من السرية والغموض.

ويضاف إلى كل ما سبق عدم وجود أسس مكتوبة لهذه الديانة بسبب ضياع كتبهم الدينية نتيجة ظلم أبناء الديانات الأخرى، فأدى ذلك إلى أن يحتفظ رجال الدين الإيزيديون بأصولهم الدينية بالحفظ الشفهي، وبالتالي فإن العلم الديني عندهم محفوظ في الصدور لا على الورق. وقد أنشأ رجال الدين الإيزيديون مجلساً روحانياً لكي لا تضيع النصوص ولكي لا يتلاعب أحد بها.

ويقول الإيزيديون إن مجدد ديانتهم هو الشيخ عدي بن مسافر، من مواليد بعلبك في لبنان، ويتداولون أنه من قرية اسمها "بيت الفار". ولكن لا وجود لقرية بهذا الإسم في لبنان لا في الحاضر ولا في الماضي.

كان عدي بن مسافر متصوفاً روحانياً ويعتقد الإيزيديون أن"طاووس ملك" تجسد على هيئته، وأنه كان يملك الكثير من أسرار الكون التي يعرفها "طاووس ملك" المقرّب من الخالق.

نشأة الديانة الإيزيدية

يتّخذ الإيزيديون الشمس قبلةً للصلاة، لأنها تمدّ الإنسان بالنور والحياة. والديانة الإيزيدية قديمة جداً، بحسب معتنقيها، ويقولون إنهم كانوا يحدّدون مواعيد الصلاة عن طريق متابعة حركة الشمس. 

يختلف الباحثون حول منشأ الديانة الإيزيدية، وقد ظهرت نظريات وآراء كثيرة حول هذه المسألة. وبرأي الإيزيديين يعود سبب ذلك لعوامل عدةٍ أولها أن ما كُتب عنهم قديماً كان بأقلام غير الملمّين بأحوالهم ومعتقداتهم. فقد اعتمد هؤلاء الكتّاب على المرويات والاستماع إلى الناس الذين يتناقلون الأساطير عن الإيزيديين. 

وبحسب نظريات متداولة، يقول البعض إن الإيزيدية مشتقة من الديانات الفارسية القديمة كالزرادشتية وغيرها. ويعتقد آخرون أن الأركان الأساسية للديانة الإيزيدية مستمدّة من المعتقدات الدينية لشعوب بلاد ما بين النهرين. 

ويربط الإيزيديون ديانتهم بالديانة التي كانت تبجّل الإله نابو البابلي الذي كان يُعبد في مدينة بورسيبا (برس نمرود) حيث يقع معبده الرئيسي المسمى "إيزيدا". ويعتقدون أن اسمهم اقتُبس من اسم هذا المعبد.

وتعود عبادة الإله نابو إلى قرابة سنة 1800 قبل الميلاد على أقل تقدير. وقد انتشرت في بلاد آشور التي كانت تشمل المناطق التي ينتشر فيها الإيزيديون اليوم.

وقد أقيمت لنابو التماثيل في المعابد، وفي نهاية القرن التاسع قبل الميلاد، بلغت هذه العبادة أوجها. ولنابو معبد في كالح (النمرود)، وهي مدينة آشورية قديمه لا تزال آثارها قائمة. وهنالك مذبح مكرس له في قرية "شدوه" التابعة لمدينة سنجار (أبرز معاقل الإيزيدين في الوقت الحاضر).

وإذا كان بعض الباحثين يقول إن الناس في تلك الفترة كانوا يعبدون الشمس، استناداً إلى بعض الرموز والآثار التي تمثّل أشخاصاً يقفون أمام الشمس، فإن الإيزيديين يقولون إنهم كانوا يتّخذون الشمس قبلة للصلاة.

ويقول الإيزيديون إن ديانتهم تختلف عن الديانة البابلية لأنها تعترف بخالق وسبعة ملائكة كالأديان السماوية. كما يشيرون إلى أن أدعيتهم تشبه أدعية الأديان الإبراهيمية إلا أن طقوسهم وقبلتهم تشبهان ما كان سائداً في الديانات العراقية القديمة. 

ومع سقوط بابل على يد الجيوش الأخمينية بقيادة قورش الكبير، تعرّض شعب إيزيدا للاضطهاد والقمع واضطر للفرار إلى المناطق النائية في شمال العراق الحالي لينجو بدينه من الأجانب الغزاة، وذلك بحسب روايتهم. 

ولكن الإيزيديين لا يُجمعون على رواية موحّدة عن نشأة ديانتهم. ما يُجمعون عليه هو أن ديانتهم قديمة جداً. ويدعمون فكرتهم هذه بالقول إن معبد لالش الذي هو أبرز معابدهم من أقدم المعابد في العراق.

Lalish-Temple_Mikael-FLalish-Temple_Mikael-F

أبرز مقامات الإيزيديين

يشير الباحث الإيزيدي داود مراد الختاري إلى أن أبرز مقامات الإيزيديين هو معبد لالش النوراني، الذي يبعد 53 كم جنوب شرق دهوك و11 كم شمال عين سفني، مركز قضاء شيخان. وفيه ست قباب ترمز كل منها إلى أحد شيوخ الإيزيديين الكبار وهم: الشيخ عدي بن مسافر، الشيخ حسن ابن شقيق الشيخ عدي، الشيخ عدي الثاني ابن الشيخ حسن، الشيخ مشلح، كانيا سبي، والشيخ شمس. 

وهناك العديد من المقامات في أكثر القرى الإيزيدية أبزرها مقام شرف الدين بن الشيخ حسن الاداني ويقع في جبل شنكال (سنجار)، ومقام مهما رشان الواقع في جبل مقلوب.

التاريخ القاسي

في حديث لرصيف22، أحصى الباحث الإيزيدي داود مراد الختاري، صاحب كتاب "الحملات والفتاوى على الإيزيديين في العهد العثماني" الصادر عن دار سبيريز للنشر في دهوك عام 2010، 15 فتوى تدعو إلى قتل الإيزيديين عبر التاريخ الإسلامي.

وأكّد الأستاذ عيدو بابا شيخ، ابن الأب الروحي للإيزيديين في العراق والعالم، أن "الإيزيديين واجهوا عبر تاريخهم، وبحسب موروثهم، 72 حملة، أشرسها حسبما يذكر التاريخ حملة الأمير محمد باشا الراوندوزي عام 1832 وحملة حافظ باشا عام 1838 وحملة الفريق العثماني عمر وهبي باشا عام 1892".

وينقل حسن صالح مراد عن كتاب "مهزلة العقل البشري" للباحث العراقي على الوردي أن محمد باشا الراوندوزي المعروف بـ"ميري كور" قام في حملته بجمع مئة ألف رأس في موقع ثم قام بالأذان فوقها.

وينقل عيدو بابا شيخ عن كتاب "اليزيدية" (1949) للكاتب العراقي صديق الدملوجي أن الإيزيديين فقدوا خلال 800 أو 900 عام أكثر من مليوني نسمة، ومع هذا صمدوا ما يقدّم دليلاً على تمسكهم بمعتقداتهم.

أعداد الإيزيديين ومناطق انتشارهم

بحسب عيدو بابا شيخ، كان عدد الإيزيديين في العراق قبل غزو داعش يبلغ قرابة 700 ألف. "وهذا عدد تقديري لعدم وجود إحصاء دقيق لأكثر من عقدين من السنين"، كما قال. 

وأشار إلى أن إيزيديي العراق يتوزّعون على أقضية سنجار والشيخان وتلكيف وناحية بعشيقة في محافظة نينوى، وفي قضاءي سميل وزاخو في محافظة دهوك. "أما الآن، وبسبب النزوح، فقد تبعثروا في مختلف المدن والقصبات في إقليم كردستان العراق وأغلبهم يقيم في المخيمات"، على حد قوله.

Yazidism_Bestoun94-Yazidism_Bestoun94-

إضافة إلى العراق، هنالك مجموعة من الإيزيديين في سوريا يقدّر عدد أفرادها بنحو 15 ألفاً، ومجموعة أخرى في تركيا تكاد تزول ولم يبقَ منها إلا أقل من ألف شخص لأن غالبيتها الساحقة هاجرت إلى ألمانيا. 

أيضاً، هنالك مجموعة في إيران لا يُعرف عددها بدقة ولكنها كبيرة بحسب ما يقول الإيزيديون. كما أن هنالك بضع عشرات الآلاف من الإيزيديين في جورجيا وأرمينيا وروسيا.

هل الإيزيديون أكراد؟

يقول الإيزيديون إن بعض جدران معبد لالش تحوي كتابات بلغات أخرى، ويعتقدون أنها اللغة الإيزيدية القديمة التي انمحت تماماً بسبب الظلم والاضطهاد اللغوي، جراء حملات الإبادات والتكريد والتعريب. 

وقال حسن صالح مراد إن "الحملات المتكررة على الإيزيديين والتي شنّتها الدولتان الصفوية والعثمانية دفعت الكثيرين منهم إلى الاستسلام للأكراد خوفاً أو نتيجة لسبي نسائهم وقتل أطفالهم، فأصبح الجزء الأكبر منهم كردياً".

ولكنّه أكّد أن "الإيزيديين لا يزالون ينفرون من تسميتهم كرداً. فالإيزيدية ديانة قديمة تعود إلى زمن السومريين. وإن كانوا يعتبرون الأكراد أقاربهم، لا يقبلون أن يُرَدّ الأصل إلى الفرع. يقولون إن الفرع منّا ولسنا منهم". 

وروى أنه "في بعض الأزمنة، تزعّم أبشع الحملات ضد الإيزيديين أمراء أكراد (مثل حملتي الأمير محمد الراوندوزي وحملة عمر وهبي باشا وهما كرديان). وكان الأكراد ألدّ أعداء الإيزيديين في زمن ما". 

وتابع أنه "بعد ثورة البارزاني هبّ الإيزيديون معه لأن تاريخاً مشركاً وأرضاً مشتركة يجمعانهم، وقد قاموا لإثبات ذاتهم وللحصول على بعض المكاسب". 

Yezidi_woman_in_a_village_near_the_Sinjar_Mountain_Range_James-Gordon-Yezidi_woman_in_a_village_near_the_Sinjar_Mountain_Range_James-Gordon-

الحديث عن العلاقة الملتبسة بين الإيزيديين والأكراد أُثير بقوّة مع انتشار آراء تقول إن قوات البيشمركة انسحبت عمداً من قضاء سنجار لكي يحصل ما حصل ولكي تستثمر قيادة أكراد العراق مأساتهم لكسب الدعم الدولي.

وروى شاب إيزيدي فضّل عدم الكشف عن اسمه أن الإيزيديين اللاجئين حالياً في إقليم كردستان العراق يخافون من التعبير عن رأيهم ومن القول إن البيشمركة انسحبت من سنجار وتركتهم بلا حماية ليسيطر عليهم تنظيم داعش. واعتبر أن الأكراد العراقيين يستغلون مأساة الإيزيديين لتحقيق مكاسب على حسابهم "ويسحبون منهم الفيتامينات التي يحتاجونها ويضعونها في أجسادهم". 

وأشار إلى أن الأكراد الأتراك والسوريين أكثر علمانية من الأكراد العراقيين ولكنهم هم أيضاً يعملون لمصلحتهم. وتحدّث عن اعتقال إيزيديين في كردستان العراق لأنهم انضموا إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني أثناء دفاع مجموعات منه عن جبال سنجار، بعد غزو داعش. 

كما تحدث عن استغلال الإيزيديات من خلال إجبارهنّ على رواية قصص مختلقة للصحافة الأجنبية ودفعهنّ إلى مؤتمرات ليقلن: أعطوا السلاح للبيشمركة.

(هذا الموضوع أعدّ بمساعدة مشكورة من عضو مجلس إدارة المنظمة الإيزيدية للتوثيق خيري علي إبراهيم).


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image