لطالما أثارت القضايا والقوانين التي تتعلق بالمرأة في البحرين لغطاً وجدلاً، كما في بقية الدول التي تحكمها أنظمة اجتماعية ذكورية محافظة. لذلك طرح قانون للأحوال الشخصية يعنى بأمور الزواج والطلاق والحضانة والعلاقات الأسرية، واجه هجمة حادة من رجال الدين الشيعة عام 2005، ما بيّت القانون في أدراج البرلمان، ومنع صدور الشق الجعفري منه، بينما صدر الشق السني.
أما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو، فوقعت عليها المملكة عام 2002، وهي سارية المفعول ما عدا المواد التي تحفظت عليها، والمتعلقة بحرية المرأة في الزواج من دون ولي أمر، ومنحها أبناءها جنسيتها البحرينية، وفي الإرث والقوامة والحضانة وغيرها، فإن قرارات رجال الدين هي التي تسود، وليس قانون يساوي بين الرجل والمرأة.
أخيراً طرح مرسوم بقانون لتعديل هذه التحفظات، ورفع بعضها كما جاء في توصيات المجلس الأعلى للمرأة. ويوضحها مدير الشؤون الإدارية والإعلامية في المجلس عز الدين المؤيد: "لم نطالب برفع التحفظات أو سحبها، إنما إعادة صياغة بعضها لتكون الصياغة بشكل إيجابي، فما زالت البحرين تتحفظ على نص المادة 9 الفقرة 2 من الاتفاقية الخاصة بمنح المرأة حق مساوٍ لحق الرجل في إعطاء الجنسية لأطفالها، ولن يسحب هذا التحفظ قبل تعديل قانون الجنسية البحريني. كما أن البحرين ما زالت متمسكة بالتحفظ على المادة 29 الفقرة 1، الخاصة باللجوء إلى التحكيم الدولي لتسوية أي خلاف ينشأ بين دولتين أو أكثر من طرف واحد، باعتبار التحفظ يمس سيادة الدولة".
كما لم تسحب تحفظها على المادة 15 الفقرة 4 التي تنص على منح الدول الأطراف الرجل والمرأة الحقوق نفسها، في ما يتعلق بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكنهم وإقامتهم. وأعيد هذا التحفظ لتطبق المادة من دون الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، باعتبار أن حق المرأة في التنقل والسكن مكفول طبقاً لما ورد في ميثاق العمل الوطني، ووفقاً لما نص عليه الدستور في الفقرة ب من المادة 19.
كذلك لم ترفع المملكة التحفظ على المواد 2 و16، بل أعيدت صياغتها بصورة إيجابية: "جاءت هذه التعديلات بعد دراسات مستفيضة، ومقارنة بين موقف البحرين والعديد من الدول الإسلامية، لتلتزم المملكة بتنفيذ هاتين المادتين مع الإبقاء على الضابط الشرعي، والمتمثل في ربط التنفيذ بعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية. فالتحفظ على هاتين المادتين في الأصل، يقتصر بشكل صريح على وضع المرأة بالنسبة إلى الأسرة والأحوال الشخصية، ما تم الالتزام به أيضاً في التعديل الجديد"، كما أوضح المؤيد.
اشتعلت المنابر الدينية، وخطب الجمعة، وراح رجال الدين يقذفون الاتفاقية بأنها تشطب آيات من القرآن الكريم. وقال الشيخ محمد الصنقور في خطبة الجمعة، في مارس الماضي: "أما من السنة الشريفة فحدث ولا حرج". وأضاف أن الاتفاقية ستسمح للنساء بأن يرتدين ما يردن كما الرجال، وهو تعد على العفة والحشمة.
كما اتهم صنقور الاتفاقية بالتعدي بشكل صارخ على معتقدات الناس وعاداتهم وعفتهم وقوام دينهم، وقال إن على البحرين ليس الإبقاء على التحفظات إنما الانسحاب من الاتفاقية.
بينما قال الشيخ محمد حمزة في حديثه عن السيداو: "الفلسفة التي قامت عليها الاتفاقية، فلسفة خاطئة بمنطق الشرع ومنطق الفطرة والدين والعقل". الأمر الذي دافع عنه النائب في البرلمان البحريني جلال كاظم المحفوظ بقوله: "مست الشارع بعض المغالطات من تحريف في الاتفاقية وخلطها بين المرسوم والاتفاقية، فأنا من الموافقين على هذا المرسوم بتعديل بعض المواد مثل ما جاء في مرسوم جلالة الملك لحقوق المرأة وعدم التمييز بينها وبين الرجال. المرسوم يثبت أن في البحرين، ومنذ التوقيع على الاتفاقية، والمرأة تمارس حقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في ميادين المملكة، كما أنها سباقة قبل دول الخليج في منح المرأة حقوقها وتقليدها المناصب، فمعظم التحفظات ما زالت موجودة، إنما تم تعديل بعض الصيغ القانونية في بعض المواد بما لا يخالف الشريعة الإسلامية".
ويقول المؤيد: "انضمت البحرين إلى الاتفاقية مراعية مبادىء ميثاق العمل الوطني، والنصوص الدستورية بتثبيت حقوق المرأة البحرينية، والمملكة كبقية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تترتب عليها التزامات دولية لا بد من الوفاء بها، منها الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية". وأضاف: "لكنها في الوقت نفسه تراعي توافقها مع ميثاق العمل الوطني والنصوص الدستورية، ولكن يبق التحفظ قائماً على أي تحفظات في أي اتفاقية دولية تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فجاءت إعادة صياغة التحفظات، لتنفيذ التزاماتها الدولية، ورغبة في التقليل من ملاحظات الجهات الدولية بشأن أوضاع المرأة، مع الالتزام التام بعدم الإخلال بأحكام الشريعة، وعدم المساس بسيادة الدولة".
وأشارت عضو مجلس الشورى سوسن تقوي إلى أن المرسوم بقانون "يؤكد الرؤية الحضارية البحرينية العصرية، ويؤكد على عدم الإخلال بأحكام الشريعة، وعدم الموافقة عليه سيطلق مفهوماً خاطئاَ ومسيئاً للإسلام، أنه يحارب المرأة. لكن البعض استغل المرسوم للمزايدة السياسية، ونؤكد أنه لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية".
عضو مجلس إدارة الاتحاد النسائي البحريني إيمان شويطر رأت أن "الموافقة على مرسوم تقليص التحفظات، خطوة إيجابية واستجابة تتوافق ومطالبات الاتحاد النسائي البحريني والجمعيات النسائية برفع جميع التحفظات عن مواد الاتفاقية. ولا تدعو الاتفاقية لخروج المجتمع عن عاداته وتقاليده، كما حاول البعض تحميل الموضوع أكبر من حجمه".
لا يقتصر طموح المجلس الأعلى للمرأة على الاتفاقية كما يقول عز الدين المؤيد: "طموح المجلس أكبر من تنفيذ أي اتفاقيات، ويتجسد في متابعة تطبيق السياسة العامة والخطط والبرامج التي وضعتها البحرين، ولا تبتعد كثيراً عن أفضل الممارسات الدولية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...