على بعد 57 كم عن العاصمة العراقية بغداد، تقع محافظة ديالى ذات التنوع الديني والقومي والطائفي. المحافظة التي تشتهر بأجود أنواع البُرتقال لم تعد شهرتها تتوقّف على ذلك. أصبحت من أشهر الُمحافظات التي تشهد صراعات سياسية تترافق مع محاولات لتغيير ديموغرافيتها.
وكأنها العراق الصغير. تدير حكومتها المحلية ثلاث كتل سياسية رئيسية (شيعية وسُنية عربية وكردية)، وهذا ما يحصل في العراق عموماً، حيث رئيس الجمهورية من المكون الكردي، ورئيس الحكومة من المكون الشيعي، ورئيس مجلس النواب من المكون السُنّي. وتشهد المحافظة وجوداً للأقليات، وهو مما لا تراعيه الكتل الكبيرة.
العُنف الطائفي، وخفّت عمليات القتل والتهجير. لكن الصراعات السياسية فيها استمرّت. وحالياً، يُسيطر الشيعة على الحكومة المحلية، ويُنافسهم عليها السُنّة.
وبعد أن سيطر تنظيم داعش في العاشر من يونيو 2014 على مدينة الموصل، شمالي العراق، تمدّد نحو ديالى. شهدت المحافظة عمليات عسكرية واسعة، وكانت من أولى المحافظات التي حررتها القوات الأمنية العراقية وقوات الحشد الشعبي الشيعية.
خلال عمليات التحرير، اتهم نواب سُنّة قوات الحشد الشعبي بـ"ارتكاب انتهاكات ضد مدنيين وتفجير مساكن ودور عبادة في ديالى، من أجل إفراغها من السُكان السُنّة". وفي 22 أغسطس، شهدت المحافظة أبرز حادثة قتل جماعي في جامع مصعب بن عُمير، عندما قامت جماعات مُسلحة، قيل إنها "موالية للحكومة العراقية"، بقتل 73 شخصاً في هجوم على مسجد غربي ناحية السعدية، شمال شرق العاصمة بغداد.
ومن التفجيرات الكبيرة التي تشهدها ديالى، تفجير انتحاري نفسه في 29 فبراير 2016، داخل مجلس عزاء في منطقة برشتة شرقي قضاء المقدادية، وقتله 34 شخصاً وأصابته 43 آخرين، أغلبهم من الشيعة.
قبل داعش وبعده
بعد عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين، تزايد نفوذ تنظيم القاعدة على المحافظة، وبشكل خاص عام 2006، لتُصبح من أكثر مناطق العراق الساخنة ولتشهد عمليات قتل وتهجير بين السنّة والشيعة. المسافرون من بغداد وجنوب العراق باتجاه إقليم كردستان كانوا يمرّون بمحافظة ديالى، وأعداد كبيرة منهم لم تكن تسلم من الكمائن التي كان ينصبها تنظيم القاعدة هنالك بين عامي 2006 و2007. وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة، عاشت ديالى أوضاعاً شبه مستقرة. عاد إليها المهجّرون منها، وقلّاتهامات "ديموغرافية"
الحديث يدور داخل الأوساط السياسية السُنّية عن سعي إلى إحداث "تغيير ديموغرافي" في محافظة ديالى تقوم به "جهات موالية لإيران". في المقابل تُرشق الأطراف السُنية بتهم موالاة دول مثل السعودية وقطر، وبدعم تنظيم داعش. ولم يكن التغيير الديموغرافي وحده حاضراً في ديالى القريبة من إيران. فهنالك مناطق مُتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية في بغداد، وحكومة إقليم كردستان العراق في أربيل، وما زالت هذه المشاكل قائمة. وتحدث النائب السُنّي عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، عن وجود "تغيير ديموغرافي مستمر في المحافظة، تُنفّذه جهات موالية للحكومة الإيرانية، وهذا أمر أصبح واقعاً وليس حديثاً عابراً". وقال لرصيف22 إن "جهات تعمل لمصلحة إيران تعمل على إحداث تغيير ديموغرافي في محافظة ديالى، إذ تقوم بقتل السكان السُنّة وتهجيرهم من هنالك، بينما تأخذ الحكومة العراقية دور المتفرج على ما يحدث". وبحسب تقارير صحافية، فإن العرب السنّة يمثلون النسبة الأكبر من سكّان المحافظة، ويتركّزون في بعقوبة، عاصمة المحافظة، والمدن الشمالية والشمالية الشرقية. فيما يتركّز الأكراد والتركمان في أمرلي وبلد روز وخانقين وقزانية. ويقيم الشيعة في بلدات خرنابات والهويدر وكنعان والخالص وخان بني سعد، واتسعت رقعة وجودهم أخيراً لتشمل بعقوبة وأبو صيدا وسنسل. رئيس تحالف ديالى، النائب عن المحافظة رعد الماس، لم يكن رأيه مؤيداً لما تحدث به زميله الدهلكي، ونفى وجود أيّ "تغيير ديموغرافي، أو عمليات قتل لمكون معين". وقال الماس، وهو عضو التحالف الوطني (الشيعي)، لرصيف22 إن "ما يحدث في ديالى لم يكن من أيّة جهة موالية للحكومة أو الحشد الشعبي أو أيّة قوة عراقية أخرى، وإنما أعمال إرهابية يقوم بها تنظيم داعش لخلق فتنة طائفية". وأضاف أن "الحديث غير المسند بدليل وذا الأبعاد الطائفية لا يخدم سوى التنظيمات الإرهابية، ولا يعزّز السلم المجتمعي بين العراقيين، وهذا مؤشر خطير قد يؤثر على العلاقة بين السكان في المحافظة".ولاءات لغير العراق
وقال فراس سعدون، الصحافي والأكاديمي العراقي المطّلع على ما يحدث في ديالى منذ سنوات، لرصيف22 إن "التغيير الديموغرافي حصل في مناطق وأحياء دون أخرى من ديالى حتى تحقق شبه فرز طائفي فيها، فيما بقيت مناطق وأحياء أخرى مختلطة، وهي نادرة، عرضة للاعتداءات المتبادلة كلما وجدت مَن يريد الضغط على الزناد أو زر التفجير". وأضاف أن "لا فئة بعينها تسيطر في ديالى، ولن تسيطر في وقت قريب، كما أن تجارب العودة إلى التعايش السلمي بعد التناحر نجحت في أكثر من منطقة، ولعلّ أبرزها ما شهدته ناحية هبهب السنّية التابعة لقضاء الخالص ذي الغالبية الشيعية، إذ حوّلها أهلها إلى ممر آمن بعد أن كانت محطة موت، وفي محيطها قُتل أبو مصعب الزرقاوي". وتابع سعدون أن "رموز الحكومة العراقية في ديالى مستقطبون طائفياً وتعاملهم مع الأحداث مرهون بإرادات نافذين مرتبطين بأجندات دول، ولا يبدو أن أحداً قادر في الوقت الحالي على الحد من نفوذهم، وإن استطاع فستكون ديالى مستقرة إلى حد كبير، برغم أن إيران تقع في شرقها وصلاح الدين والأنبار في غربها وبغداد جنوبها وكركوك وكردستان شمالها". حتى الآن لم تهدأ الصراعات السياسية ولا الأمنية ولا الديموغرافية في ديالى التي تتنازع عليها الأحزاب الشيعية والسنّية العربية والكردية، فهي نموذج عن العراق الصغير الذي قد يطول الصراع حوله.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...