يتضح أن اعتماد اللغة العربية من طرف الموقعين الرسميين لفريقي ريال مدريد وافسي برشلونة الإسبانيين لم يكن اعتباطياً، بل يعزى إلى الصيت العالمي لعملاقي الكرة الإسبانية، الذي وصل إلى المنطقة العربية كذلك. ويُعد المغاربة من بين الشعوب العربية الأكثر إعجاباً بالفريقين الملكي والكتالاني، لذلك انقسم المجتمع الكروي المغربي إلى قسمين، واحد يشجع البارسا والثاني يساند النادي الملكي. هذا الحب "الجارف" دفع بالمغاربة إلى تأسيس جمعيات التشجيع، خصوصاً في مدن الشمال ومدينة الدار البيضاء.
بداية العشق مع النادي الملكي
إذا كان لقاء الكلاسيكو بين الغريمين الريال والبارسا يقام فوق أرضية الكامبنو أو البيرنابيو، فإن مقاهي عديدة في مدن مغربية تتحول إلى "ملعب كبير"، يعج بالجمهور لمتابعة هذا الموعد التاريخي، كأن الفريقين ينتميان إلى المغرب. فما سبب هذا العشق "المجنون" للريال والبارسا؟ يوضح أنس الصوردو، نائب رئيس جمعية أصدقاء وأنصار ريال مدريد في تطوان "ريماطي"، أن قصة عشق المغاربة للكرة الإسبانية ليست وليدة اليوم، مبيناً أن بداية الحكاية انطلقت من مدينة تطوان (شمال المغرب)، عقب استضافة ملعبها "سانية الرمل" سنة 1920 لمباراة ودية بين قطبي العاصمة الإسبانية مدريد الريال والأتلتيكو. وأضاف أن هذه المواجهة التي انتهت بالتعادل، شكّلت بداية اهتمام المغاربة، خصوصاً سكان المناطق الشمالية، بالكرة الاسبانية. وأشار إلى أن عاملي القرب الجغرافي، وتحدث عدد كبير من مواطني المدن الشمالية لغة الأندلس، شجع على ولادة أنصار جدد للكرة الإسبانية من خارج شبه الجزيرة الأيبيرية. وحسب أنس الصوردو، فإن إعجاب الجمهور المغربي توجّه في البداية صوب النادي الملكي، مبرراً ذلك بكون السبب يعود إلى طريقة لعب الريال، وتوفره على ترسانة من النجوم الكبار من طينة اللاعب الأسطوري ألفريدو دي ستيفانو، وخينتو، وريمون كوبا (زيدان زمانه) وفيرينك بوشكاش وإميليو بوتراغينيو والمكسيكي الظاهرة هوغو سانشيز الذي اعتبر، في ذلك الوقت، الهداف التاريخي للبطولة الإسبانية. وما زال الأمر سارياً بفضل قائمة النجوم التي يتضمنها الفريق، وفي مقدمهم البرتغالي "رونالدو". وقال الإعلامي المغربي محمد البوعناني إن العلاقة نسجت اعتباراً لعدة أسباب منها وجود بعض الأسماء المتحدرة من المدينة في النادي الملكي، مثل "خوسي لويس بينادو"، وعبد الرزاق العلام الذي دافع بنجاح عن ألوان النادي الأبيض في صنف الكرة الطائرة. وبالرغم من أن هذا الإعجاب يعود لسنوات خلت، فإن أول جمعية لأنصار ومحبي ريال مدريد، رأت النور عام 2004 في الدار البيضاء، وبعدها بسنة واحدة شهدت مدينة تطوان ميلاد فرع لهذه الجمعية. ويتواجد محبو النادي الملكي في الرباط وفاس ومراكش. ويربطهم قاسم مشترك هو مشاهدة المباريات معاً وتنظيم رحلات إلى قلعة نادي ريال مدريد (سانتياغو بيرنابيو)، فضلاً عن تنظيم مجموعة من الأنشطة الاجتماعية، تستهدف الفئات الهشة.العشق البارساوي
على الرغم من أن نادي إف. سي. برشلونة تأسس عام 1899، أي قبل ثلاث سنوات من إنشاء غريمه التقليدي الريال، فإنه لم يحظَ بشعبية كبيرة في الأوساط المغربية إلا في أواخر القرن الماضي. وكان لإحرازه عدداً كبيراً من الألقاب محليا وقاريًا وعالمياً، وجلبه لأسماء عالمية الدافع الكبير في إثارة انتباه جزء كبير من الجمهور المغربي. وقال عصام بنجلون، المكلف بالعلاقات العامة في جمعية محبي البلاوغرانا في الدار البيضاء، إن المغرب يضمّ رسمياً على 8 روابط و4 أخرى في طور الإنشاء. وأوضح في اتصال هاتفي مع رصيف22، أن مسألة إحداث رابطة لأنصار الفريق الكتالاني ليست بالأمر السهل، مبيناً أن هناك لجنة خاصة بالمشجعين في العالم داخل نادي البارسا تجتمع مرتين في السنة، تتلقى الطلبات وتتابع نشاط الرابطة، وبعدها تتم المصادقة أو رفض الطلب. وأشار بنجلون إلى أن مدينة طنجة (شمال) عرفت ميلاد أول رابطة لمشجعي الفريق الكتالاني، مضيفاً أنه حسب علمه تم حل هذه الرابطة. وتابع: "تبقى مدينة تطوان المدينة الثانية التي عرفت تأسيس رابطة للمحبين، ثم تلتها مدينة الدار البيضاء ومدن أخرى". وبناءً على آراء عدد من محبي الفريق البارساوي، فإن تأخر انتشار جماهير البارسا في المغرب مرده إلى كون الألقاب القارية، البالغ عددها 17، تم إحراز غالبيتها منذ أواخر الثمانينيات إلى اليوم. إضافة إلى أن فوز البلاوغرانا ببطولة إسبانيا بشكل مسترسل في السنوات العشر الأخيرة، ساهم هو الآخر في توسيع دائرة محبي أصدقاء ميسي. ويضيف عصام: بالرغم من أن المغرب تضم 8 روابط، فإن التراس البيضاء، تبقى من الأنشط في المملكة، موضحاً أن ذلك تم بشهادة لجنة المشجعين التابعة للمكتب التنفيذي لنادي اف.سي. برشلونة. وبحسب بو بكر أسراو السوسي، الكاتب العام لجمعية أنصار البارسا بمدينة فاس، فإن ميلاد هذه الجمعية لا يهدف فقط إلى مساندة الفريق الكتالاني بل تشجيع المواهب الشابة وتنمية قدراتها الرياضية، بل أيضاً الاهتمام بالمجال البيئي. وتابع: "الشراكة مع نادي برشلونة ستعمل على تطوير الجمعية، من خلال الإشراف على أكاديمية لكرة القدم تابعة لنادي كتالونيا في فاس، وعن طريق تأسيس مركز خاص بالعمل الاجتماعي". من جهته، قال عز الدين بريجة، المسؤول في إحدى شركات بيع السيارات في المغرب وعضو التراس البارسا في البيضاء، إنه غير نادم على اختياره تشجيع الفريق الكتالاني بفضل "الطريقة الفرجوية التي يلعب بها فريق البلاوغرانا، وضمه لنجوم عالميين، دافع أساسي لمواصلة عشقه لهذا النادي". وتابع: "حبي للفريق حفزني للسفر مرتين إلى الكامبنو لمتابعة الكلاسيكو". يشار إلى أن روابط مشجعي الفريق توجد أيضاً في مراكش والقنيطرة والناضور (شمال شرق).من التشجيع إلى التأطير
تطور نشاط الروابط المحبة لفريقي الريال والبارسا من التشجيع والاحتفال بقدوم الفريق إلى المغرب، إلى التأسيس لثقافة جديدة وهي تشييد مدارس وأكاديميات بشراكة مع الناديين، يكون لها هدفان؛ الأول تأطير المواهب وتطوير مؤهلاتها في مجال الممارسة الكروية بألوان الفريقين الكتالاني أو المدريدي، والثاني إشاعة روح العمل الاجتماعي والتضامني. وشهد عام 2015 ميلاد 4 مدارس لكرة القدم في مراكش وبنجرير وطنجة والدار البيضاء. وأكد الإعلامي الرياضي المغربي ابراهيم التريعي (المقيم في مدريد) أن الأجواء التي عاشها الفريق الملكي في المغرب خلال مشاركته في كأس العالم للأندية، التي توج بها للمرة الأولى في تاريخه، دفعت برئيس الفريق الملكي بيريز مباشرة قرار افتتاح المدارس الأربع. وحضر رئيس ريال مدريد العام الماضي إلى المغرب، وأشرف على توقيع اتفاقية شراكة وتعاون مع مؤسسة فاطمة وشركة "سامير" لتكرير البترول، لمشروع انطلاق مدارس الفريق الملكي في المغرب. وترمي الاتفاقية إلى خلق مدرسة سوسيو- رياضية في المحمدية، جهة الدار البيضاء الكبرى، لتكون نموذجاً لمدارس نادي ريال مدريد كما هي موجودة في عدد من دول العالم. وتقرر أن تستقبل المدرسة عشية الأربعاء والسبت من كل أسبوع، يافعين وشباباً تراوح أعمارهم بين 9 و17 سنة، مع إعطاء الأولوية للمتحدرين من أوساط هشة أو الأحياء المهمشة. الغريم التقليدي للريال باشر أيضاً في السنة نفسها إجراءات تأسيس أول أكاديمية للبلاورغانا في الدار البيضاء، وهي أول مدرسة في المغرب والمنطقة المغاربية تابعة لنادي اف.سي. برشلونة. ويقول هشام كديرة، مدير المدرسة، إن المؤسسة مفتوحة للذكور والإناث، الذين تراوح أعمارهم بين 4 و16 سنة. وأوضح لرصيف22 أن المدرسة تعتمد منهجيات وطرق التدريب المتبعة في نادي برشلونة، مضيفاً أن المدرسة تضم كوادر ومدربين إسباناً حاصلين على شهادات من الجامعة الإسبانية والنادي. ومنذ تأسيس المدرسة في فبراير الماضي، تم تسجيل نحو 400 طفل، وإخضاع نحو 1000 طفل من مختلف أنحاء المغرب للاختبار. وأشار هشام إلى أن مسؤولي النادي الكتالاني ينتظرون تقييم حصيلة المدرسة في نهاية العام الجاري، للنظر في طلبات افتتاح مدارس أخرى في المدن المغربية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...