تعدّ النكات المتداولة بين العرب والإسرائيليين داخل الخط الأخضر مرآة للواقع الذي يعيشونه، وتكشف تصوّرات كل طرف عن الآخر، كيف يراه، وكيف يتعامل معه.
وتعبّر تلك النكات عن جوانب من رؤية الإسرائيليين للعرب كانتهازيين ورؤية الجانب العربي للإسرائيليين كعنصريين ومتطرفين.
ومن النكات المتداولة: "ذات يوم، ذهبت أسرة عربية إلى حاخام يهودي لتطلب منه الدخول في الديانة اليهودية، فقال لهم الحاخام: إذا أردتم ذلك، فعليكم أن تعبروا هذا النهر سباحةً. أسرع الأب وقفز في النهر وعبره، ثم قفزت الأم وعبرت النهر أيضاً. وحين جاء دور الابن الصغير، قفز إلى النهر وسبح حتى منتصفه ولكنه لم يستطع أن يكمل المسافة وبدأ يغرق. أخذت الأم تصرخ: ابني ابني، فقال لها الزوج متعجباً: لماذا تصرخين هكذا؟ إنه عربي".
لهذه النكتة نسخة أخرى أبطالها أب وأم فلسطينيان وطفلهما وحاخام يطلب منهما عبور حقل ألغام لكي يتحولا إلى اليهودية. يعبر الوالدان ولكن ينفجر لغم بالطفل فأخذ الأب يصرخ فجذبته زوجته من يده وقالت له: "هذا جيد، عدد العرب نقص واحد".
وقال الدكتور أحمد فؤاد، أستاذ الدراسات الصهيونية في جامعة الإسكندرية ومؤلف كتاب "الأدب العبري الساخر"، لرصيف22 إن "النكتة استعملت منذ البداية للتحقير من شأن الآخر، وأحياناً للسخرية من واقع سياسي أو من عدو". وضرب مثلاً عن نكتة فيها لعب على كلمة "بارليف".
ففي الستينيات من القرن الماضي ظهر خط عبري Font اسمه "بارليف"، أي أن له نفس اسم خط بارليف الشهير الذي بنته إسرائيل بعد احتلالها سيناء بعد حرب 1967 لمنع عبور القوات المصرية إلى الضفة الشرقية من قناة السويس. خط بارليف لم يعد يستخدم في الكتابة بعد فترة وتقول النكتة: "لماذا لم يعد هناك خط بارليف؟ لأن المصريين دمّروه".
عنصرية ضد العرب
وكانت الحروب التي خاضها الإسرائيليون ضد العرب محفّزاً على صناعة نكات. ومنها هذه: "كيف انتصر اليهود على العرب في حرب 67؟ رسم اليهود خطة رائعة. كان أحد الجنود الإسرائيليين ينادي يا أحمد، فيخرج كل مَن يُدعون أحمد من مخابئهم، فيقتلهم الإسرائيليون. وعندما أدرك العرب الخطة، قرروا أن ينفذوها ضد اليهود، فخرج أحد الجنود من مخبأه، وأخذ ينادي، "موشيه، يا موشيه"، فرد عليه موشيه من داخل مخبأه "من يناديني؟" فأجاب العربي "أحمد "فصوّب الإسرائيلي إليه البندقية وقتله".
وعلّق خبير الشؤون الإسرائيلية عمرو زكريا على هذه النكتة بقوله "إن المجتمع الإسرائيلي لديه نكات غالباً ما يتم تسخيرها لتحقير الآخر وقدراته، كما هو الحال في النكتة السابقة".
وأضاف لرصيف22 "إن الأمر يمتد إلى اليهود أيضاً، فمثلاً هنالك نكتة تسخر من اليهود الشرقيين وهي: لماذا يكسب اليهود الشرقيون في مسابقات القمامة؟ والإجابة لأنهم يلعبون على أرضهم. وهنالك نكتة تقول: ماذا تلد المرأة الإثيوبية (في إشارة إلى يهود الفلاشا السود)؟، والإجابة: إنها تلد قالباً من الشوكولا".
ولفت زكريا أيضاً إلى أن النكتة الإسرائيلية تعبّر أيضاً عن النظرة العنصرية ضد ذوي الأصول الأوروبية الشرقية، فهنالك نكتة تقول: "لماذا لم يوجد جورجيون (مواطنون من دولة جورجيا) في قوات المظلات؟ والإجابة: لأن اتفاقات جنيف لا تسمح برمي القمامة من الطائرة"، وأخرى تقول: "لماذا في الجنة بولندية واحدة فقط؟ والإجابة: لأن الثانية هي جهنم".
وتصوّر النكات الإسرائيلية العربي غبياً يفشل في كل شيء، وتضعه في مرتبة أقل من اليهودي الإسرائيلي في التحصيل العلمي أو غيره من المجالات. ومنها نكتة تقول: "تقدم عربي للعمل في مكتب كبير للمحاماة، فقال للمدير إنه حاصل على الدكتوراه من جامعة هارفرد، فقال له المدير: لقد تم قبولك، هذا المكتب لك، هذه السكرتيرة الجميلة أيضاً لك، والسيارة الجاغوار المتوقفة أسفل العمارة أيضاً لك، فقال العربي للمدير: أنت تمزح معي؟ فرد عليه المدير: أنت من بدأت أولاً".
الطفل اليهودي والطفل العربي
وتقلل النكات أيضاً من قدرات الطفل العربي مقارنةً بنظيره اليهودي. وهذا يتضح من النكتة التالية: "اختطف بعض المجانين طفلاً يهودياً إلى أحد المعامل، وقاموا بقطع نصف مخه، وطلبوا منه أن يعد من واحد إلى عشرة، فقال الطفل: اخد، شنيم، شلوش، حتى عشرة بالعبرية. ثم أزالوا ربعاً آخر من مخه، وطلبوا منه أن يعد من واحد إلى عشره، ففعل، فقام أحدهم بإزالة كل مخه، وطلب منه أن يعد من واحد إلى عشرة، فقال الطفل: واحد، اتنين، ثلاثة، حتى عشرة بالعربية".
وأكّد رئيس قسم اللغات الشرقية في جامعة حلوان، وأستاذ الأدب العبري الدكتور أحمد الراوي لرصيف22 أن "استهداف الأطفال في النكات أمر مقصود، ولا يختلف كثيراً عن الاستراتيجية الإسرائيلية المتّبعة في كتابات أدب الطفل، لأن الطفل في صغره يكون مادة ليّنة يسهل تشكيلها وغرس الأفكار فيها، وتلك الأفكار هي التي ستحدد هوية تكوينه الثقافي عندما يكبر، والدليل أن الجنود الإسرائيليين غالباً ما يتحدثون عن القيم الأخلاقية العالمية، لكن هذه القيم تتلاشى عندما يصل الأمر إلى التعامل مع الآخر العربي، وكأنه ليس جزءاً من هذا العالم الكبير".
وقال الخبير الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية، محمد شاهين لرصيف22 إن "النكتة لدى اليهود تكشف عن جوانب الحياة وضمنها المواجهة مع الفلسطيني، وهي أداة ذكية جداً للتعبير عن فكرة معينة وتساعد على انتشارها بشكل واسع وسريع. وصارت النكتة تعبر عن مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية. فعلى خلفية عمليات الدهس التي تستهدف الإسرائيليين ظهرت نكتة تقول: "ما الفرق بين دهس القطة ودهس العربي؟ والإجابة هي أنه قبل دهس القطة عادة ما تكون هناك آثار للفرملة".
السياسة والنكتة
يعتبر الراوي أن النكتة في إسرائيل هي إحدى أدوات نقد الحكومة وأدائها وبرامجها، وأداة من أدوات الاعتراض على الواقع الحياتي والسياسي الذي يعيشه الإسرائيليون، "وبما أن الإسرائيليين بمختلف طوائفهم، لديهم خط موحد تجاه الآخر العربي، وإن اختلف في حدته، صارت النكتة الإسرائيلية جزءاً من أدوات التعامل السياسي مع الآخر، ترمي إلى خدمة أهداف سياسية، لا سيما تلك التي تتحدث عن وحشية العربي أو غبائه".
وهنالك العديد من النكات السياسية القصيرة التي تعبّر عن جوانب من التجربة السياسية بين العرب والإسرائيليين. فحالة عدم الثقة تعبر عنها نكتة تقول: "لا تؤمّن للعربي إذا مات إلا بعد 40 عاماً". وفي ما يتعلق بالجملة الشهيرة "سنلقي باليهود في البحر" يتم تداول نكتة تقول: "ماذا يمثل العربي في البحر؟ تلوث. وماذا يمثل كل العرب في البحر؟ حلّ".
وفي ما يتعلق بالاعتقالات التي تشنها قوات الأمن الإسرائيلية على الفلسطينيين، تقول نكتة: "ما الفرق بين السجن ودماغ العربي؟ في السجن توجد خلايا أكثر".
وتقول نكتة: "وقع فرنسي وإسرائيلي وإنجليزي في قبضة آكلي لحوم البشر في إحدى الغابات، وقبل أن يلقي بهم الطاهي في وعاء الطهو، قال لهم "يمكن لكل واحد منكم أن يطلب آخر طلب له في الدنيا"، فقال الإنجليزي "أريد خمراً جيدة"، فأحضروا له الخمر، وقال الفرنسي "أريد جبناً" فأحضروا له ما يريد، وجاء دور الإسرائيلي فقال للطاهي "اضربني بقوة"، فتعجب الطاهي، ولكن أمام إصرار الإسرائيلي ضربه الطاهي فطار بعيداً ثم أخرج مسدساً من جيبه وقتل الطاهي وآكلي لحوم البشر. فقال الفرنسي والإنجليزي "أنت مجنون؟ ما دام لديك مسدس لماذا لم تستخدمه منذ البداية"، فرد الإسرائيلي "حتى لا يقولوا أنني أطلقت النار بدون استفزاز".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...