نعجز اليوم عن غض الطرف عن الدور المهم الذي يضطلع به جيل الألفية من الشباب المسلم، خصوصاً أنه يشكل أكبر عدد من السكان في العالم العربي. ولا بد من التوقف عند مواقف هذا الجيل، تحديداً من الدين وعلمائه، لا سيما أنّها تختلف من دولة عربية إلى أخرى.
تحت عنوان "مواقف جيل الشباب المسلم من الدين وعلمائه"، أعدت ونشرت مبادرة الدراسات المستقبلية في مؤسسة طابة، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، بالتعاون مع مؤسسة زغبي للخدمات البحثية، تقريراً تضمّن استطلاعات رأي أجرتها مع 5374 مسلماً، تراوحت أعمارهم بين 15 و34 عاماً، خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2015. شمل التقرير الذي نُشر الشهر الجاري: المغرب، مصر، الأردن، الإمارات، الكويت، البحرين، المملكة العربية السعودية. والهدف: مواقف جيل الشباب المسلم من الهوية الدينية والعلماء، وعلاقة الدين والسياسة والتديّن والإصلاح والتطرف الديني.
قد يكون أبرز ما توصّل إليه التقرير، التزام جيل الألفية من الشباب المسلم بإيمانهم واعترافهم بالحاجة إلى تجديد الخطاب الإسلامي، بالإضافة إلى إيمانهم بأن الدين يضطلع بدور مهم في مستقبل أوطانهم، من دون أن ننسى رفضهم للمجموعات المتطرفة، التي اعتبروها انحرافاً لعقيدتهم.
الهوية العربية طغت على الدينية
انتماء عربي تقدّم على الانتماء الوطني والديني، أو حتى على الانتماء إلى العائلة أو المنطقة في معظم الدول العربية التي شملها الاستطلاع. فـ"كوني عربي" كان الخيار الأول في الإمارات مع 66% والأردن مع 56%، والمملكة العربية السعودية مع 38%.
في حين أن الشباب الكويتي اختار على حد سواء الانتماء العربي والانتماء إلى البلد بنسبة 35%، على غرار الشباب المصري بنسبة 17%. وشكّل الدين المصدر الأساسي للهوية في مصر والبحرين، مع نسبة وصلت إلى 49% في البلد الأول، و42% في الثاني. ويشار إلى أن الهوية على أساس المنطقة حصدت النسبة الأقل في جميع البلدان.
وعلى الرغم من أن الهوية الدينية لم تطغَ على بقية الهويات في الاستطلاع، فإن غالبية المستجيبين اعتبروا أنه من المهم أن يعرف الجميع أنهم مسلمون. فكانت النسبة 98% في الإمارات، تليها مصر مع 95%، والمغرب مع 92%، والكويت مع 91%. بالإضافة إلى نسبة كبيرة في فلسطين والسعودية (83%) والأردن (68%). وحدها البحرين شهدت انقساماً متقارباً في الآراء مع 52% اعتبروا أن الأمر مهم و48% غير مهم.
علاقة روحية لا مجرد أحكام
"الدين أقرب أن يكون علاقة روحية خاصة"، حصل على شبه إجماع من الشباب المسلم. فجاءت النسبة 99% في مصر، و98% في المغرب، و88% في البحرين، و84% في السعودية. واعتبر الشباب في معظم الدول تقريباً أن الجانب الأهم من الدين هو "العيش وفق الأخلاق والمعايير الإسلامية خصوصاً في مصر (47%)، والإمارات (39%) والأردن (23%)، إضافة إلى الأهمية التي اتّسمت بها "القضايا السياسية التي تواجه المسلمين"، بالنسبة إلى شباب الكويت (36%)، وفلسطين (31%)، والسعودية (28%)، والبحرين (23%).
وعلى الرغم من العلاقة الروحية التي أرادها معظم الشباب المسلم، فإن غالبيتهم في البحرين (96%) وفلسطين (92%) ومصر (90%)، والإمارات (84%) والمغرب (77%)، لم يترددوا في الاعتراف بأنهم يؤمنون بدين الإسلام لأنهم تربّوا وترعرعوا عليه، رأي جاء بنسبة أقل في السعودية (52%) والأردن (40%) والكويت (29%).
نعم لضبط الخطاب الديني
حتى لو اعتبرت غالبية الشباب أن الدولة قادرة على التدخل في مختلف الشؤون الدينية (باستثناء المعارضة الشديدة في البحرين)، يبقى أنهم جميعاً اتّفقوا على أن الدولة يجب أن تضمن عدم استغلال الخطاب الديني في الترويج للعنف والتحريض والكراهية، إذ رأى عدد كبير منهم ضرورة هذا التدخل، أكان في ضبط خطب الجمعة والمحاضرات العامة والبرامج التلفزيونية الدينية.
لا للتطرف الديني
الجماعات والحركات الشبيهة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ليست إلا انحرافاً عن تعاليم الإسلام بالنسبة إلى غالبية الشباب. وصفٌ حصد نسبة 93% في المغرب، 92% في الإمارات، و83% في مصر وجاءت النسبة الأدنى في الكويت مع 45%. وفي هذا البلد، اعتبر 39% من الشباب أن هذه الجماعات "غالباً على خطأ، لكنها تثير أحياناً قضايا أوافق عليها"، على غرار 28% في السعودية و21% في البحرين.
الشباب المسلم ما زال متعلقاً بغالبيته بهويته الإسلامية، رافضاً اعتبار الدين سبباً في تدهور العالم العربي
"حكومات فاسدة قمعية لا تمثّل الشعب". هو السبب الأبرز الذي آل إلى انضمام شباب وشابات إلى جماعات متطرفة بالنسبة إلى شباب الإمارات (69%)، والمغرب (50%)، والأردن (37%)، والسعودية (36%) والبحرين (34%). ومن الأسباب الأخرى، نجد الخطب والتعاليم الدينية المتطرفة، والقناعة بأن هذه الجماعات تمثّل الحق ومستويات التعليم المتدنية.
دورٌ فاعل أكبر للمرأة
رأت غالبية واسعة من شباب الدول الثماني أن الدين يحترم المرأة ويمكّنها. فأكد على ذلك 93% من الإماراتيين، 92% في الأردن، 86% في المغرب، 84% في السعودية و82% في مصر، بالإضافة إلى 74% في فلسطين، و73% في الكويت، و66% في البحرين.
كما اتّفقت الغالبية في الدول الثماني على الحاجة إلى مزيد من عالمات الدين والداعيات، اللواتي يمنحن الفرصة للدعوة على نطاق أوسع. تأييد واسع في البحرين (95%) وفلسطين (88%)، والمغرب (87%) والأردن (85%).
إصلاح خجول إنما مطلوب
رفضت خمس من الدول الثماني التي شملها الاستطلاع، أن يكون الدين كما يُعلّم ويُمارس اليوم، متعارضاً مع العالم الحديث ويحتاج إلى إصلاح. وجاء الرفض قوياً في الإمارات (97%) والأردن (71%)، فالكويت (70%) والسعودية (69%). إلا أن فلسطين (71%) والمغرب (62%)، والبحرين (55%)، اعتبرت أن الدين يحتاج إلى إصلاح ليتماشى مع عصرنا.
وعلى الرغم من أن الغالبية لا تعتبر الدين متعارضاً مع عالمنا الحديث، فقد رأت أنه من المهم تجديد اللغة التي يتحدث بها العلماء والدعاة عن الإسلام في خطب الجمعة والمنابر العامة. كما يوجد اتفاق على ضرورة تحديث المواضيع والقضايا التي يتناولها العلماء والدعاة لتلائم الناس اليوم.
يبدو أن جيل الألفية الثالثة من الشباب المسلم ما زال متعلقاً بغالبيته بهويته الإسلامية والعربية، رافضاً اعتبار الدين سبباً في تدهور العالم العربي، في المدة الأخيرة، في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وأجمع على أن الدين، بعيداً عن التطرف، يضطلع بدور مهم في مستقبل أوطانه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 30 دقيقةكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 3 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...