فوجئ العالم أخيراً بخبر الإعلان عن نية طرح حصة صغيرة من شركة أرامكو للاكتتاب العام في خطوة لها الكثير من الدلالات الاقتصادية والسياسية وستلقي بظلالها على السعودية، لا سيما في هذا التوقيت الحرج من أسعار النفط المتدنية.
لمحة تاريخية عن أرامكو
أرامكو السعودية هي شركة سعودية حكومية تأممت عام 1988 وتتخصص بكل الأعمال المتعلقة بالنفط والغاز والبتروكيماويات وذلك بدءاً من التنقيب والبحث عن الحقول، والإنتاج المجدي، وتكرير النفط والحصول على منتجاته، والنقل، والتسويق وغيرها.
ما يميز هذه الشركة أنها تعد أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، لكن هذا اللقب يُعطى لآبل كونها شركة مطروحة في البورصة ونعرف قيمتها بدقة، أما أرامكو فالتقديرات الحديثة تشير إلى أن قيمتها يمكن أن تصل إلى 10 تريليون دولار وهو يساوي 35 مرة قيمة شركة إكسون موبيل أكبر شركة نفطية مطروحة للاكتتاب، و17 مرة قيمة شركة آبل التي تعتبر أكبر شركة يتم تداول أسهمها في البورصة.
يعود تأسيس أرامكو إلى ثلاثينيات القرن الماضي عندما بدأت شركة سوكال Standard Oil of California - الآن أصبحت شيفرون - المفاوضات مع الجانب السعودي للفوز بامتياز التنقيب عن النفط، وبعدها تأسست شركة كاسكو California Arabian Standard Oil التي فشلت في العثور على حقول نفطية، ما دفع شركة تكساس إلى شراء نصف الامتياز. استغرق الأمر أربع سنوات وفي 1938 تم اكشاف أول بئر نفط في مدينة الدمام. ثم توالت النجاحات حتى عام 1944 وجرى تغيير اسم الشركة إلى أرامكو Arabian American Oil.
الخصخصة الجزئية والطرح للاكتتاب العام
ذكرنا في البداية أن شركة أرامكو هي شركة حكومية بالكامل بعد تأميمها، وهذا يعني أن ملكيتها وعائداتها تستفيد منها الحكومة السعودية فقط. ما حصل أخيراً أن الشركة قررت طرح حصة صغيرة منها للبيع للقطاع الخاص، تقدر هذه الحصة بنحو 5 - 10 % حالياً حسب الأخبار المتداولة، وهذا يعني خصخصة جزئية للشركة، وستبقى الحكومة تملك حصة مسيطرة. وبهذا كانت السعودية تتميز عن الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا بأن قطاعها النفطي وحقولها تعمل فيه الشركة الحكومية وتملكه.
الطرح للاكتتاب العام هو عملية إتاحة شراء أسهم في الشركات عبر الأسواق المالية بحيث يمكن لأي فرد أو شركة أن يشتري أسهماً وفق سعر معين يتم تحديده لاحقاً بناءاً على دراسة مستفيضة من قبل بنوك الاستثمار.
وبما أن أرامكو تعمل في عدة قطاعات في صناعة النفط والغاز، وتضم تحت لوائها بضع شركات يمكنها أن تطرح جزءاً من إحدى تلك الشركات فقط، والتي تغطي نشاطاً واحداً من أنشطتها، وغالباً لن تكون في أنشطة سيادية في قطاع النفط. حقيقة الأمر أن التصريحات متضاربة حتى الآن ما بين أن الاكتتاب سيشمل أنشطة كالتنقيب والإنتاج، وهو ما يعتبره البعض خطاً سيادياً أحمر لا يسمح لرأس المال الخاص والأيدي بالاقتراب منه، ويجب أن تكتفي بأنشطة أخرى كالتكرير والبتروكيماويات وذلك عبر طرح المشاريع للاكتتاب. ومن المتوقع أن يكون الطرح في السوق السعودي ليستضيف بذلك أكبر شركة في العالم - وإن لم يتم إدراج أسهم الشركة الأم - ويستفيد من زخم النشاط العالي الذي سيرافقه.
أرامكو بالأرقام
يبلغ انتاج الشركة يومياً 10 مليون برميل من النفط الخام، أي أن الشركة وحدها مسؤولة عن أكثر من 10% من العرض العالمي من النفط، ولديها قدرة على رفع انتاجها حتى 12 مليون برميل يومياً. وتصل احتياطيات السعودية المؤكدة إلى 261 مليار برميل. يعمل لدى الشركة نحو 55 ألف موظف ما يجعلها أكبر شركة سعودية من حيث عدد العمال. ومع هبوط أسعار النفط إلى ما دون 30 دولاراً، وهو أدنى مستوى له منذ 12 سنة مقارنة بمستويات فوق 100 دولار، نعرف أن عائدات الشركة تراجعت 80% كونها لم تخفض من انتاجها اليومي.
لماذا الآن؟
منذ أن بدأت أسعار النفط بالهبوط إلى أسعار قياسية لم نشهدها منذ أكثر من عقد، لجأت المملكة السعودية وبقية الدول الخليجية التي تعتمد النفط كمصدر أساسي في دخلها، إلى عدة إجراءات غير اعتيادية لتعويض الانخفاض الكبير في الدخل.
ومع هبوط أسعار النفط إلى ما دون نقطة التعادل للسعودية أصبحت ميزانية الدولة في حالة عجز بعد سنوات من الفوائض. وما زاد الطين بلة ارتفاع الإنفاق العسكري خاصة أن المملكة تخوض حرباً لا تعرف متى وكيف توقفها. هذا كله يشكل ضغطاً أكبر على الميزانية اضطر الحكومة إلى زيادة الضرائب للتخفيف من آثار الضغوط، وإن لم تكن ستعوض كل هذه النفقات. والمواطن السعودي الذي لم يعتد الضرائب أصبح مطالباً بدفع ضرائب باهظة على الصرف الصحي والمشروبات الغازية والتبغ، والباب مفتوح للمزيد من الضرائب مستقبلاً وأيضاً لخفض أو حتى لإزالة الدعم عن منتجات مكلفة كالوقود وغيره.
تشير التحليلات إلى أن ما دفع السعودية إلى التفكير بالطرح للاكتتاب العام لحصة صغيرة من أرامكو هو خيار جيوسياسي أكثر منه اقتصادياً مالياً حقيقياً. ذلك أن السعودية رفضت مراراً خفض انتاجها من النفط لتحسينا الأسعار، وتشير أصابع الاتهام إلى أوبك أنها المتسبب في هذا الانخفاض نتيجة الإبقاء على إنتاجها دون تخفيض المعروض لرفع الأسعار، لكن السعودية ودول أوبك الأخرى تقول إن إنتاجها لا يشكل نسبة مسيطرة عالمياً لتصنع هذا التأثير المتوقع.
دفعت التغييرات السياسية الحاصلة في المنطقة والتقارب الأمريكي - الإيراني السعودية للتخوف من التخلي عنها في أي لحظة ممكنة لا سيما أن النفط الصخري الذي أصبحت تنتجه أمريكا بكثافة متسارعة يمكن أن يعوضها عن الواردات السعودية. هذا التخوف سيجعل السعودية تفتح المجال للمستثمرين الأجانب في الدخول إلى أرامكو عبر إحدى شركاتها أو مشاريعها وإن كانت في التكرير والبتروكيماويات، وهذا ما يساعد على تعويض الثقل الأمريكي حيث أنها ستعطيهم الفرصة للحفاظ على استقرار المملكة لتعويض الدور الأمريكي الذي كان مرسوماً لها دائماً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع