يواصل يونس ظاهر بيرو، الشخصية الغجرية البارزة في إقليم كردستان العراق، جهوده لتحسين أوضاع الغجر على مختلف الصعد. فهو يحلم ببناء جيل من الغجر يتمتعون بحياة طبيعية بعيدة عن المعاناة التي عاشها أجدادهم.
هنالك أكثر من 50 ألف غجري في إقليم كردستان، يطلق عليهم اسم "القرج" أو"دوم". ويعرفون بممارستهم مهناً وحِرفاً يدوية كصناعة الغرابيل والسلال، والحدادة والأواني الخشبية، وبعض الآلات الموسيقية، فضلاً عن أدائهم الفني المتميز في الحفلات والمناسبات.
ويركز بيرو جهوده على نشر التعليم والتوعية الصحية والثقافية والاجتماعية في المجتمع الغجري، خصوصاً في مجال تحسين أوضاع المرأة لإبعادها عن الاستغلال. كما يعمل على تحسين التواصل بين هذا المجتمع والفئات الأخرى في كردستان، لفك العزلة التي يعيشها.
يقول بيرو: "الأوضاع في كردستان تساعد الغجر في تحسين ظروفهم على عكس المناطق العراقية الأخرى، خصوصاً أن الغجر يتعرضون للطرد والتضييق عليهم في غالبية المحافظات".
وقد شهد المجتمع الغجري في الإقليم تطوراً بارزاً، كان بيرو وراءه عندما أسس مركزاً ثقافياً للغجر في دهوك، وأقنع المسؤولين ببناء مساكن خاصة بهم جنوب مركز المحافظة، تؤوي نحو 260 أسرة، وإعطائهم دروساً لمحو الأمية، وتعليمهم كيفية استخدام الكومبيوتر.
يرى بيرو أن "بناء مجمّع سكني خاص في دهوك ساهم بشكل كبير في استقرار الغجر وتراجع أسلوب حياة الترحال، ما سمح للكثيرين بمواصلة دراستهم في المدارس والكليات والمعاهد". وأوضح أن "هناك أكثر من 20 طالباً وطالبة جامعية، ونحو 90 طالباً وطالبة في مرحلة الإعدادية يواصلون دراستهم".
ويشير بيرو إلى أنه يحاول تغيير نظرة المجتمع المحلي تجاه الغجر من خلال الندوات والأنشطة الثقافية والاجتماعية التي يقيمها. ويرى أن "نظرة المجتمع السلبية تجاه الغجر ساهمت في عزلتهم في السابق". وهو يحبذ تسمية الفرد الغجري بـ"هوستا"، التي تعني بالكردية "الصانع" أو "المحترف"، ويقول: "غالبية الغجر يحترفون مهناً صناعية، ويعملون في الفن والموسيقى، وتربية الطيور البرية والصيد، وقد ساهمنا في صنع الفرح والبهجة، لذلك من حقنا أن نتمتع بلقب الصانع".
كلمة غجر في الأصل تركية، بحسب ما يؤكد بيرو، وتعني القراج، أي بيت الشَعر، وهي الخيمة السوداء المصنوعة من شَعر الماعز التي كان الغجر يستخدمونها عند استقرارهم في أي مكان. ويقول الغجري، قادر جانكير (47 سنة)، الذي يعمل سائق سيارة أجرة: "الظروف الحالية وتعقيدات الحياة وزيادة الاحتياجات أجبرتنا على التخلي عن حياتنا التقليدية البسيطة". لافتاً إلى أن الغجري ما زال يواجه صعوبات في التعامل مع الآخرين وفي الحصول على فرصة عمل ملائمة مثل بقية المواطنين، كون نظرة المجتمع للغجر ما زالت دونية.
مقالات أخرى
يأتون إلى العراق للسياحة الدينية ويبقون عمالاً غير شرعيين
الرجال في كردستان يشكون من عنف النساء
ويؤكد بيرو أن المركز الثقافي الخاص بالغجر، تم تأسيسه بمساهمة مجموعة من الشبان، وهو ينشط في مجالات تأهيل الشباب في المجالات المهنية واللغات والتكنولوجيا. ويضيف أنه "يهتم أيضاً بتأهيل المرأة من خلال نشر الوعي الاجتماعي والصحي، وفتح دورات تعليمية ومهنية، لإبعادها عن التسول"، مبيناً أن "ظاهرة التسول بين النساء الغجريات في محافظة دهوك تراجعت بنسبة 85%، بسبب نشر الوعي وضمّ النساء إلى برامج الرعاية الاجتماعية بإشراف حكومة الإقليم".
وتقول الفتاة الغجرية كولي ميرو (19 سنة): "تعلمت القراءة والكتابة من خلال الدورات الخاصة التي افتتحت لتعليم الكبار، وطوّرت قدراتي"، موضحةً أنها تحاول حالياً إكمال المرحلة المتوسطة من دراستها. وتضيف أنها استغنت عن التسول الذي كانت تمارسه لكسب العيش. وتشير زهرة حسو (41 سنة) إلى أن المرأة الغجرية تعاني بسبب نظرة المجتمع السلبية تجاهها، موضحةً أن البعض يتعامل معهن كأنهن بائعات هوى.
من جهته، يقول الباحث الاجتماعي بيار بافي إن "التغييرات الاقتصادية والتطورات التكنولوجية أثّرت في تغيير نمط حياة شريحة الغجر، وهذا ما اضطر الكثير منهم إلى ممارسة مهن أخرى". وأوضح أن "هذه العملية ستؤدي إلى اندثار خصوصية هذه الشريحة، والاندماج في المجتمع مستقبلاً". وختم بافي أنه بالرغم من التطور الذي شهده المجتمع الغجري في محافظة دهوك وغيرها من مناطق الإقليم، فلا يزال أفراد هذه الشريحة يعانون من أمراض نفسية بسبب ماضيهم ومعاناتهم السابقة، مؤكداً أنهم "في حاجة إلى فترة زمنية وجيل جديد يعمل لمعالجة تلك العقدة والتخلّص منها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...