"أعيش على تويتر. أنا مستقلة، لا أعمل لأي مؤسسة صحافية، تويتر مكّنني أن أكون مستقلة وفعّالة. عملي يتعدّى العالم العربي حتماً، أنا معنية بشأن المرأة في كل العالم. الأسبوع الماضي، حاضرت في كل من كلية امهرست Amherst وجامعة برين ماور Bryn Mawr. أنا اليوم "ماركة" Brand متّصلة بمناصرة حقوق المرأة، أضع حياتي تحت المجهر كي أعطي المئتين وسبعة آلاف مغرد الذين يتابعونني، نظرة عن كيفية عيشي. أنا، بكل تواضع، أريد أن أربط الحياة اليومية للمصري والمصرية مع مطالبة المجتمع بالحرية. لا يمكن أن أطالب بنصف حرّية. إذا تحرّرنا من الحاكم المستبدّ، نريد الحرية في البيت أيضاً. لا يوجد نصف حرّية، لا رمادي في هذا المجال".
استقبلتني منى بهذا التصريح دقائق بعد مصافحتها في مقهى كورنر سوشال Corner Social في هارلم، نيويورك. وصلت دقيقة واحدة قبل الموعد المحدد. بدت أصغر سناً مما تبدو عليه في الفيديوهات وفي مشاركاتها التلفزيونية. كانت قد نبهتني إلى أنها الآن حمراء الشعر. تتمتع بكاريزما ظاهرة للعيان وبقدرة على فهم رأي جليسها قبل حتى أن يتحدث، فعملها يرتبط بقدرتها على كسب ثقة كل شخص تلتقيه.
استعرضت منى في مقالها هذا حياة المرأة في المجتمعات العربية، وتحديداً في مصر. روت كيف تُلجم المرأة وتعيش تحت سيطرة الرجل، مستندةً إلى ممارسات مختلفة مثل الختان، وفحوص العذرية، وتعنيف الزوج لزوجته بهدف تهذيبها، شرط أن لا يترك ذلك آثاراً على وجهها، كما كل الانتهاكات المتعلقة بالزواج والحق في السفر أو في القيادة.
عالجت منى أيضاً معاملة الرجل للمرأة جنسياً على الصعيد اليومي، وهو ما شكّل الجزء الأقوى من مقالها.
لاقى المقال ضجّة كبيرة، واستنكر الكثيرون ما فسّروه على أنه “نشر غسيل”، كما تقول منى.
الموقف الثاني كان محاضرة ألقتها في منتدى Wired في بريطانيا بعد أشهر قليلة، أدخلتها إلى قلوب الناس. عرضت منى تجربتها، وربطت عبر سيرتها الشخصية ومعاناتها في مصر أول أيام الثورة، المرأة بالسلطة والعنف الذي تواجهه يومياً من كل من حولها، فهي قد أُوقفت وعنّفت قبل أن يتحرّش بها العساكر جنسياً، وتُكسر ذراعها.
النسوية Feminism هي المحرّك الدافع لمنى كصحفية، ومهمّتها الكتابة عن كل ما يؤلم المرأة العربية. تضطر لأن تكون جارحة أحياناً، لكن المهم بالنسبة لها هو إيصال الرسالة.
تتحدث منى عن ختان البنات في مصر. نسبة المصريات اللواتي عانين من الختان وصلت إلى 91%، وحتى بعد منع هذه الممارسة الهمجية، ما زلنا نجد اليوم 75% من البنات ما بين سن الـ15 والـ25 قد تعرّضن إلى الختان. تقول منى هنا إن "للمرأة الحقّ في إعطاء الموافقة على كل ما يعنيها"، فيبدو عنوان مقالها “لماذا يكرهوننا؟” صائباً. العنف ضد المرأة، الزواج المبكّر، الزواج الإلزامي، اغتصاب الرجال لزوجاتهم، كلّ هذه المواضيع تمكّنت منها منى بفعل خبرتها، أكان من الناحية القانونية، الشرعية، أو الاجتماعية. أصبحت مخضرمة في هذا المجال وقادرة على أن تواجه خصمها بالرأي، مهما كانت درجة مرجعيته.
رجوعاً إلى الثورة المصرية التي وضعتها تحت الأضواء، تشير منى إلى أن لا أحد يعلم من هي المصرية التي سحلها رجال الأمن شبه عارية في الشارع، وتداول صورها العديد من الوسائل الإعلامية. تُعرف هذه الفتاة بـ"ست البنات" في مصر اليوم، لكنها لم تخرج وتطالب بالعدالة بعد ما تعرضت له، لأن عائلتها أسكتتها وأسكتت بالتالي رمزاً للثورة.
الثورة لم تنته إذن، برأي منى. لا شيء تغير لأن النظام والرجال ما زالوا يعتبرون أن لا دور للمرأة. "ستّ البنات" بنظر منى هي الجندي المجهول، هي تلك المرأة "الفاسقة" التي لبست "عباية بكباسين"، دون أن تضع شلحة تحتها ودون أن تحسب الحساب لاعتداء رجلٍ عليها، قد ينفر إذا ما عرف أنها ترتدي صدرية زرقاء، فيعتبرها ساقطة. هكذا هو وضع المرأة في مصر. وضع المرأة مرتبط بالسياسة حتماً.
ترى منى أن مرسي والسيسي ليسا إلا وجهين لعملة واحدة. حكم الإخوان المسلمين، كما حكم العسكر، عملة واحدة غير صالحة للتداول. الإخوان والعسكر مؤسستان معاديتان للنساء، كونهما مؤسستين أبويتين واستبداديتين.
في مقابلة لها، تبدّد منى أي اعتقاد سائد في أنها مع طرف ما سياسياً ضد آخر. منى تطالب بالتغيير الجذري دون مساندة خارجية، وهي قد هاجمت مراراً السياسة الأميركية في المنطقة التي، برأيها، ساهمت في كبت المصريين، كما تهاجم “المحللين السياسيين” الأجانب الذين خلقوا نموذجاً زائفاً عما هم العرب.
منى قريبة من القلب في حديثها، وتتكلم من دون تعجرف. عملها يعتمد على الحوار، وهي تقوم به بجرأة وثقة ناجمتين عن تمكّنها من مواضيعها.
أنوثتها حاضرة دوماً، حتى عندما تهاجم "أعداء النساء". تكرّر مراراً في حديثها أنها من الطبقة الوسطى، وهذا ما يقربها من الشارع العربي ويمكّنها من تبنّي قضايا المرأة المصرية.
ولدت منى الطحاوي في مصر وانتقلت في السابعة من عمرها إلى إنكلترا، حيث كان والداها ينهيان دراستهما الطبية. انتقلت إلى السعودية في سن الـ15 ومن ثم عادت إلى مصر لتنهي دراستها الجامعية وتمتهن الصحافة. عملت في القاهرة والقدس كمراسلة لرويترز لمدة ست سنوات، قبل أن تنتقل إلى الولايات المتحدة حيث أمضت حوالى 10 سنوات.
تعيش منى اليوم في مصر، حيث تعمل على مساندة مجموعة من النساء المهتمات بالحراك والمطالبة بحقوق المرأة. انتهت الآن من العمل على كتاب لها سيصدر في الربيع المقبل تستعرض فيه المساواة بين الجنسين في العالم العربي. لم تفصح أكثر عن محتوى كتابها.
تُرى هل ستبحث في دور الثورة الجنسية في إعادة مجتمعاتنا العربية إلى حلقة الحداثة؟ فمع اندحار شعارات العروبة من الآفاق ومع دخول الإسلام السياسي والإرهاب الداعشي على الساحة العربية، تبدو الفرصة ذهبية للحداثة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون