عمل أحد الشبان اللبنانيين طوال حياته إما نادلاً أو ساقياً في بارات بيروت، كان في الخامسة عشرة عندما دخل المهنة وتعلّم أسرارها ومفاتيحها. كان قد اعتقد أنه فهم نظام "البقششة" جيداً، أي كيف تجعل الزبون يترك لك أكبر قدرٍ من المال كبقشيش.
حين ذهب إلى دمشق ليعمل ساقياً في أحد بارات باب توما، اكتشف أن الأمر يختلف بين المدينتين، رغم قربهما، وقرب ثقافة شعبيهما. فكيف إذاً تسير الأمور في مصر مثلاً؟ أو العراق؟ أو دول الخليج أو المغرب؟ قمنا في رصيف22 بجولة على ثقافة "البقششة" وإكرام العاملين في المجال السياحي في بعض دول العالم العربي.
مقالات أخرى
ضربة قاضية للسياحة المصرية؟
القصور الصحراوية في تطاوين التونسية حيث صُوّر فيلم Star Wars
انطلقت فكرة البقشيش في أواخر القرن التاسع عشر من بريطانيا، إذ كان شاربو الكحول في البارات يعطون النُدل مالاً إضافياً ليستعجلوا في إعداد مشروباتهم، ثم انتشر الأمر كثقافة اجتماعية عامة، وانتقل إلى أمريكا، حيث رفضها جزء كبير من الشعب رفضاً قاطعاً، حتى أن بعضهم ثار ضدها ونظم الاحتجاجات، لتعود وتصبح أخيراً أمراً إلزامياً فيها أكثر منه في أي مكان آخر من العالم.
مصر أم البقشيش
ينتشر البقشيش في بعض الدول العربية دون غيرها، وبطرائق مختلفة، ففي مصر يصبح جزءاً من اعتماد الدولة على قطاع السياحة. فرواتب العاملين في هذا المجال غالباً ما تكون قليلة جداً، لأنهم يعتمدون على جعل الزبون أو السائح يترك أكبر قدر ممكن من المال. ويعتبر متوسّط البقشيش في مصر 5 إلى 10% من قيمة الفاتورة النهائية في مطعم ما، وإلا يكن الزبون وقحاً، وإذا زاد عن ذلك يعتبر كريماً جداً. لكن الأمر في مصر يتطور عن قطاع السياحة كالمطاعم والفنادق والمعالم السياحية، فعليكم أن تكرموا سائق التاكسي لحمل حقائبكم، وعامل محطة البنزين، والأهم من ذلك صبي النرجيلة الذي يمدّكم بالفحم المشتعل طوال جلستكم في مقهى شعبي.
يقول شاب مصري عمل دليلاً سياحياً لرصيف22: "المصريون يحاولون دائماً كسب البقشيش الكبير، وهم مبدعون في ذلك". ويضيف: "قال أحد مالكي الجمال في منطقة الأهرامات لسائح أجنبي، إنه لا يريد أن يأخذ أجرة ركوب السائح على الجمل، لكنه يريد إكرامية على ذلك، وعندما أكرمه السائح وركب على الجمل، قال له، أحتاج لإكرامية لأنزلك عنه".
سوريا ولبنان
في سوريا ولبنان الأمر مختلف أيضاً. هناك مناطق لبنانية في الشمال مثلاً، تشبه سوريا أكثر من بيروت. إذ غالباً ما تقارب بيروت المفهوم الأمريكي عن البقشيش، أي أن 10 إلى 15% من قيمة الفاتورة هو الرقم الجيد، ويترك المال الإضافي بعد دفع الحساب على الطاولة، وتوزع الأموال الزائدة المتروكة شهرياً أو أسبوعياً أو حتى يومياً، بين صاحب المؤسسة لتعويض أضرار العمل، وبين الموظفين. وبالطبع هناك الكثير من التشابه مع مصر، في ما يخص عمال محطات البنزين وصبي النرجيلة، بالإضافة إلى مساعد مصفف الشعر في الصالون النسائي.
ما تختلف به سوريا في هذا المجال، هو أن على الزبون الجيد واللطيف أن يعطي النادل القائم على خدمته من ألف ليرة سورية وما فوق في يده. وهناك مصطلحات تخص الموضوع يستعملها الموظفون بينهم فيسأل أحد الموظفين زميله: "ناولك؟"، "كبسك ألف؟". وقد تتطور الأمور أحياناً بين الزبائن الأغنياء إلى منافسة، فيفوق البقشيش الـ10 آلاف ليرة من زبون واحد لنادل واحد إذا أحبه وأحب عمله.
لا بقشيش في الخليج
هناك ثقافة شبه عامة في الخليج تقضي بأن لا يعطي الزبون البقشيش للعاملين في هذا المجال. وينطلق ذلك من مفهوم أن "هذا عملهم وعليهم القيام به بغض النظر عن البقشيش". وعلى الرغم من أن السياح الخليجيين يدفعون الكثير من البقشيش في بلدان العالم العربي الأخرى، فإنهم لا يفعلون ذلك في بلدانهم، لأن ذلك ليس جزءاً من الكياسة العامة في جميع الأحوال، فلا يدفع أهل البحرين لحامل الحقائب في الفندق مثلاً، ولا يتركون أكثر من حسابهم في المقهى. كذلك يفعل القطريون، إلا لأغراضٍ أخرى، إذ يقول عامل في الاستقبال في أحد فنادق قطر لرصيف22 إن "أحداً لا يدفع لي بقشيشاً، إلا إذا أراد أن أدخله مع امرأة غير زوجته من دون أن أتأكد من هويته ودفتر العائلة، وهذا ضد القانون طبعاً".
تشبه العراق دول الخليج في هذا الموضوع، مع فارق أن السياح العراقيين في دول أخرى كلبنان وسوريا لا يدفعون الأموال الزائدة في غالب الأحوال، ويطالبون بإعادة البقية حتى لو كان مبلغاً قليلاً جداً، وهذا ليس متعلقاً بالبخل أو بالكرم، بقدر ما يتعلق بالثقافة العامة في البلد.
الإمارات غير
تختلف الإمارات عن بقية دول الخليج، وتحديداً دبي، وذلك لكثرة المقيمين من جنسيات مختلفة من العالم في هذه الإمارة. هناك خليط من الثقافات في مدينة طابعها الحداثة، لذا عليكم في الإمارات أن تدفعوا من 5 إلى 10% من قيمة الفاتورة. وعلى الرغم من أن الكثير من المنشآت السياحية تضمن بدل الخدمة في الفاتورة، فإن البقشيش يبقى محبباً ولطيفاً، ويُترك في غالب المطاعم والبارات صندوق لوضع البقشيش فيه بعد أن ينهي الزبون دفع الحساب.
المغرب
ليس هناك قواعد عامة في المغرب للبقشيش، فهو يختلف بحسب الزبون وكرمه. لكنه يكون قليلاً بعض الشيء، ففي أحسن أحواله يصل في المقاهي إلى دولار أو اثنين، أما في المطاعم ومحالّ السهر، فيمكن أن يبدأ بدولار وينتهي بثلاثين، بحسب كرم الزبون وطريقة سهره.
في النهاية، الأمر ليس قانوناً، ولن يعاقب الزبون الذي لا يترك بقشيشاً للموظفين، لكن سيكرهه العاملون. فالبقشيش في النهاية هو مجموعة من الأعراف الاجتماعية لتخفيف ثقل الخدمة عن العاملين في هذا المجال الصعب والشاق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ 20 ساعةتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ يومينلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 5 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه