قبل الخامس من أكتوبر، موعد انطلاق بطولة العالم للملاكمة في الدوحة القطرية، لم يكن إسم محمد ربيعي معروفاً لدى عامة المغاربة وباقي متتبّعي هذا الفن على الصعيد العالمي. ولكن مع توالي أيام البطولة، تساءل كثيرون حول هذا الشاب، ليجيبهم مساء الخميس 15 الشهر الجاري بتغلبه على حامل اللقب الكازاخستاني "دانيار وليسينوف"Daniyar Yeleussinov وبتتويجه بلقب بطل العالم في وزن 69 كلغ. ووصف هذا الإنجاز بأنه غير مسبوق، لكون أفضل إنجاز للملاكمة المغربية في هذه البطولة كان عند محطة نصف النهاية سنة 1995 في برلين الألمانية، عندما فاز الملاكمان "حميد بالرحيلي" و"محمد المصباحي" بالميداليتين البرونزيتين.
من هو ربيعي؟
قبل تتويجه باللقب العالمي، كانت الألعاب الأولمبية المحطات الوحيدة التي تألقت فيها الملاكمة المغربية بنيل ثلاث ميداليات برونزية في دورات 1988، 1992 و2000، باستثناء اللقب العالمي لبطولة الشبان عام 2007 التي فاز بها الملاكم المغربي المهدي وثين.
وبعد مرور عامٍ على دورة برشلونة الأولمبية 1992، التي منحت المغرب الميدالية البرونزية الثانية بفضل الملاكم "عبد الحق عشيق"، سيعرف حي "الصافي"، في منطقة البرنوصي (الدار البيضاء) الطفل محمد ربيعي. ومحمد الذي ترعرع في كنف أسرة متواضعة جداً، وفي حي شعبي، زاول رياضة الصغر بالأحياء وهي كرة القدم، واختار في سن الثامنة ممارسة الملاكمة. وكان الوالد الذي يشتغل في سلك الأمن العمومي يرافقه إلى مقر النادي لخوض التدريب. حمل الربيعي القفاز تحت إشراف الملاكم السابق "الحرفي الغزواني"، بدون أن يعي أنه سيكون في يوم من الأيام بطلاً للعالم.
بطل منذ الصغر
صفة الهدوء التي تميّز ربيعي دفعت ببعض رفاقه في هذه الرياضة للجزم بأنّه لن يواصل مشواره الرياضي الذي يتطلب، بحسب البعض منهم، الشراسة. غير أن بطل العالم في وزن 69 كلغ دحض كلام أصدقائه مؤكداً أنّ الهدوء سره الأساسي لهزم خصومه.
في سن 15 عاماً (عام 2008)، توّج ربيعي بأول لقب في مشواره وأصبح بطل المغرب لفئة الفتيان. حافظ على اللقب في السنة التالية ليحصل على لقب المغرب لفئة الشبان عام 2009 ويحتكر بعدها لقب فئة الكبار.
أما على المستوى الإفريقي، دشن صعوده إلى منصة التتويج سنة 2010 في الكامرون بالفوز بالميدالية الفضية لبطولة إفريقيا للشباب. وانطلق برحلة الذهب الدولي والإفريقي من الجزائر، عندما فاز بذهبية الدوري الدولي سنة 2009، لينال بعدها بسنتين ذهبية دوري تونس الدولي للشباب، ثم الذهبية الإفريقية عن الفئة نفسها عام 2011. سيواصل ربيعي نجاحه في الدوريات العالمية، ليهدي إلى المغرب لقباً إفريقياً عندما نال ذهبية بطولة إفريقيا للكبار.
ويقول "هشام محفوط"، ملاكم سابق وعضو لجنة التواصل والإعلام في جامعة الملاكمة المغربية، إن محمد ربيعي بدأ يثير انتباه المتتبعين والمسؤولين المغاربة منذ 2011 لدى فوزه بلقب البطولة الإفريقية للشباب التي نظّمت بعاصمة المغرب الرباط. وأضاف محفوظ لـرصيف22: "شخصية ربيعي المهذبة والعصامية جعلت الإدارة التقنية للمنتخبات الوطنية تتنبأ لهذا البطل الواعد بمستقبل زاهر"، موضحاً أنّ "فوزه بلقب البطولة الإفريقية صيف السنة الجارية بأكادير أرسل إشارات واضحة على أننا ننتظر بطلاً عالمياً في القريب العاجل".
وقال الحرفي الغزواني، مدرب فريق الرشاد البرنوصي للملاكمة، إن سمة الهدوء التي كانت تميّز شخصية ربيعي مكّنته من التفاعل بسرعة مع هذه الرياضة التي تعتمد تمارين قاسية. وأضاف مدرّبه الأول لـرصيف22 أنه لم يفاجأ لما حقّقه البطل ربيعي مشيراً إلى أنّه كان يتوقّع له تحقيق أحد الألقاب، سواء في الألعاب الأولمبية أو في بطولة العالم.
وتابع الحرفي: "ربيعي كان يتجاوب بسرعة مع برامج التدريب كما كان، عندما ينهي حصص التدريب، يتابع عبر الانترنت مبارزات لملاكمين عالميين. وكان قدوته الملاكم الكوبي "إغليسياس ستالونغو" Iglesias Sotolongo، إذ كان يكرّر مشاهدة نزالاته عبر النت. وشاءت المصادفات أن ألتقاه في منافسات دوري دولي سنة 2011 نُظّم بالمغرب، وكانت الغلبة لإغليسياس".
حلم أولمبي
لكي يتحقق حلم الملاكم ربيعي بالصعود إلى منصة التتويج العالمي، كان لا بدّ له من تقديم مجموعة من التضحيات، أولاها، يقول محمد ربيعي: "الانقطاع عن الحياة العادية والانخراط في برامج تدريبية صارمة". ويضيف ربيعي لرصيف22، مباشرة بعد وصوله إلى مطار محمد الخامس في الدارالبيضاء، إنّ فوزه بلقب بطل إفريقيا جعله يفكّر بشكل جدي في هدفين، أولهما الذهاب بعيداً في بطولة العالم بالدوحة، والثاني التتويج بذهبية أولمبياد ريو دي جنيرو في البرازيل، صيف السنة المقبلة. وأضاف البطل العالمي، أنه اليوم حقّق نصف حلمه في انتظار إتمامه في دورة الألعاب الأولمبية، مشدداً على أنّه يرغب في نيل الذهبية، لأن هناك ملاكمين مغاربة سبقوه إلى إحراز الميداليات البرونزية.
وفي سبيل تحقيق ذلك، أكّد ربيعي أنّه ضحّى بتوقيف مشواره الدراسي عند مستوى البكالوريا، حتى يتسنّى له التفرغ إلى ممارسة هذه الرياضة بكل احترافية.
وبالعودة إلى أجواء النسخة الـ18 من بطولة العالم للملاكمة، قال ربيعي إنه عاش لحظات لا تنسى، مبرزاَ أنه خاض تمارين شاقة وصارمة في الدوحة إضافة إلى أنّه لم يتناول أي طعام يوم النهائي وذلك نظراً للضغط الذي كان يشعر به باعتباره ممثل العرب الوحيد في هذه المحطة النهائية. وأضاف أنّه ما زال يعجز عن وصف الفرحة التي شعر بها قبل أن يرفع حكم المباراة يده اليمنى معلناً دخوله الملاكمة العالمية من أبوابها الواسعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...