منح وزير العدل المصري أخيراً صفة مأمور الضبطية القضائية لستة من أعضاء مجلس نقابة المهن التمثيلية، فأتاح ذلك صلاحيات لهؤلاء النقابيين تقضي بدخول موقع تصوير أي عمل وتفتيشه للتأكد أن كل من فيه تنطبق عليه معايير القانون.
فرقة تفتيش
وقد أعلن أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، أن "حق الضبطية" سيكون وسيلته لتطهير الوسط الفني من الدخلاء عليه. فاز زكي بمنصبه في انتخابات يونيو الماضي، وسبق أن شغل هذا المنصب لدورتين سابقتين، منذ عام 2005 حتى عام 2011، بعد إعلان حلّ جميع مجالس النقابات المصرية. خلال الدورة الأولى أصدر زكي عام 2008، قراراً يمنع إصدار تصاريح العمل لغير النقابيين، وحظر تمثيل غير المصريين إلا في عمل واحد كل عام. وبعد أربع سنوات، يعود زكي ويمنح سلطة الضبط، بشكل يجعل ستة من مجلس نقابي ينفذون القانون بأنفسهم. فأصبح الفنانون أمام فرقة يقودها زكي تفتش مواقع التصوير في مصر، وقد ترى أن الفنان مجرم لأنه لا يحمل تصريحاً.
كذلك سيمّكن حق الضبط رجال النقابة الستة من تفعيل القانون الرقم 35 لسنة 1978، في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، وتجمع النقابات الفنية الثلاث نصاً مؤسساً واحداً، يعبر عن رؤية الدولة للفن في مجالاته المختلفة. وحسب هذا القانون سيتم ضبط أي ممثل لم يتخرج في أكاديمية الفنون، المؤسسة التعليمية التابعة لوزارة الثقافة، لتصبح هذه الأكاديمية البوابة الوحيدة والحصرية للفن، لأن "الفنان" هو كل من يحمل شهادة من أحد المعاهد أو من إحدى الكليات الفنية المتخصصة المصرية منها أو الأجنبية، مع ضوابط أخرى معتادة داخل النقابات والجمعيات، مثل التمتع بالأهلية المدنية الكاملة، وأن لا يكون قد سبق الحكم على الممثل بعقوبة جنائية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة.
مقالات أخرى
الرقص عند المصريين، احتفال وعبادة
هذا التعريف كان معطلاً لإنتاج العديد من الأعمال الفنية، فعادةً يحتاج العمل الفني لممثل من خارج جدول النقابة، لهذا كانت مسألة العمل بالتصاريح المؤقتة سبباً لجدل واسع دام طويلاً. إذ إن قانون النقابة ينص على منح تصاريح بصفة مؤقتة لعمل واحد، أو لمدة قابلة للتجديد، لأن ذلك كان دائماً مشروطاً بأسباب مثل ظروف الإنتاج المشترك، أو تشجيع التبادل الثقافي بين مصر والبلاد العربية، أو بسبب الندرة وعدم وجود نظير من أعضاء النقابة. كما يُلزمْ حامل الترخيص بدفع نسبة كبيرة من أجره، تصل إلى 20%، لصندوق الإعانات والمعاشات في النقابة.
السينمائي لا يُخرِج للمسرح
ليست مشكلة الفنانين مع النقابة وقوانينها جديدة، فقبل أكثر من عشرين عاماً قام المخرج سمير سيف بإخراج مسرحية "الحب في التخشيبة" (1992)، لكنه دخل دوائر القضاء منذ بداية عرضها في القاهرة لمدة ثلاث سنوات. والسبب لا يرجع إلى محتوى المسرحية التي كتبها يوسف معاطي، إنما لكون مخرجها سينمائياً وليس مسرحياً. فرفع نقيب الممثلين حينذاك يوسف شعبان دعوى قضائية ضد المخرج، لعدم حصوله على ترخيص من مجلس نقابة المهن التمثيلية ليمارس مهنته على الخشبة. وكانت العقوبة المنتظرة لهذه "الجريمة" هي الحبس ثلاثة أشهر وغرامة مالية قد تصل إلى 20 ألف جنيه (نحو 2561 دولاراً).
لم يعاقب سيف، بل طعن بعدم دستورية هذا القانون، وفي يوليو 1995، صدر حكم للمحكمة الدستورية العليا ينص على عدم دستورية المادة الرقم 5 مكرر بالكامل، والفقرة الرابعة من المادة الرقم 5 من القانون، الخاصة بإلزام طالب التصريح بدفع رسم نسبي من أجره نتيجة حمله التصريح المؤقت.
عُدّلتْ المواد بصدور القانون الرقم 8 لسنة 2003 الخاص بتعديل بعض أحكام القانون الرقم 35 لسنة 1978، في شأن إنشاء نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية. تمّ حظر التعاقد أو التشغيل لمن ليس عضواً. كما باتت النقابة ملزمة بمتابعة تنفيذ العقد بين أي ممثل من غير الأعضاء، وتضمن حصوله على حقوقه من قِبل جهة التعاقد، شرط أن يحمل تصريحاً رسمياً منها، ويدفع طالب التصريح مقابل تنفيذ العقد مبلغاً من المال، لا يتجاوز العشرة آلاف جنيه (نحو 1280 دولاراً)، وإذا كان طالب التصريح غير مصري، يكون الحد الأقصى 20 ألفاً (نحو 2561 دولاراً).
صناديق التطهير الفني
يبدو التوجه الجديد للنقابة الفنية والقرارات "الأخلاقية والتطهرية"، كرسالة للناخب أن النقيب صاحب حق الضبط، الذي يحمي الأعضاء ويمنع كل من ليس "منهم" عن العمل. وإذا سمَح في المستقبل لأحد غيرهم بالتمثيل فسيكون ذلك من أجل ضخ الأموال للنقابة، أي لمصلحة الأعضاء.
على الرغم من أن "رسائل التطهير" ضد حرية الفن، وما يتطلبه من بحث عن مواهب جديدة لأسباب فنية وإبداعية لا علاقة لها بجداول تضم أسماء الأعضاء/ الناخبين، فإنها حققت أهدافها، إذ اتخذ المنتج الأبرز الآن أحمد السبكي قراراً بأن لا يتعامل مع أي فنان لا يحمل تصريحاً من مجلس نقابة المهن التمثيلية، وعلّق لافتة في مكتبه تلفت إلى هذا القرار.
[caption id="attachment_36923" align="alignnone" width="350"] نقيب الموسيقيين المصريين هاني شاكر[/caption]يأتي ذلك في وقت منع نقيب آخر، هو المطرب هاني شاكر، غناء الراقصات، كما تحدث عن ضوابط لملابس المطربات المنتسبات إلى نقابة الموسيقيين من دون أن يكون هناك ضوابط أو لائحة قانونية لما يخص ملابس أعضاء النقابة، ولم يتناول أي ضوابط في ما يخص أداء الذكور من المطربين مثلاً. بينما قرر أشرف زكي أن لا يكون هناك وجوه جديدة لمدة عام بأي من الأعمال المصرية، ليستمر العمل النقابي كمعركة شكلية حول الأخلاق أو الملابس أو الوطنية، في حين أنها تهدف إلى تأمين صندوق التأمينات، عن طريق المال، وصندوق الانتخابات عبر التصويت، ليكون السؤال الأنسب: لماذا لا يتوقف الحديث عن "التطهير"؟.
اللافت أن هذا التوجه الأخلاقي المحافظ، والنزوع التطهيري، يأتيان من جانب أبناء الوسط الفني أنفسهم، بعد عامين من هبّة الفنانين ضد حكم الإخوان المسلمين ومحاولاتهم المساس بالحريات وهوية مصر الفنية، بينما يقوم فنانان الآن، عبر منصبهما النقابي، بضبط ومنع الفنانين لأسباب تتنوع بين الأزياء والأخلاق والمؤهل الدراسي والجنسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...