كان غشاء البكارة ولا يزال دليلاً على عفة الفتاة في مجتمعاتنا المحافظة. ويعد ذلك الغشاء الدليل الوحيد على عذرية الفتاة. لذلك، حين تفقده الفتاة قبل الزواج، ستسعى جاهدة لاسترجاعه حتى تستطيع إكمال حياتها بشكل طبيعي.
وهناك عمليات "ترميم غشاء البكارة" وهي جزء من طب النساء، إذ توضع قطعة جلدية وتخاط، ويدوم هذا الغشاء الجديد من يوم إلى ثلاثة أيام على الأكثر وبعدها ينفض. وتلجأ إليها الفتيات قبل الزواج بيوم أو يومين. إلا إن هذه العملية مجرّمة في مصر بعدة قوانين وتعارضها وزارة الصحة ونقابة الأطباء. ولكن برغم ذلك، يجريها عدد من الأطباء.
كذلك يُجرّم بيع غشاء البكارة في مصر، إلا أنه أصبح يُباع بكل سهولة حالياً لمساعدة الفتيات على ادعاء العذرية من دون إجراء عمليات أو الرجوع إلى أطباء، وصار تجارة رائجة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
رتق غشاء البكارة
وصلنا إلى الدكتور م. أ. المقيم في حي السيدة وتحديداً في شارع بور سعيد بالقرب من تقاطع مجلس الأمة، أمام مدرسة الخديوية الثانوية للبنين. اتصلنا به ولم تتجاوز مدّة المكالمة ثلاث دقائق وافق خلالها على إجراء فحص طبي لفتاة ادعت أنها عزباء وحامل. ولكنه رفض تحديد تكلفة عملية الإجهاض والترقيع التي تتم بعدها. لم يهتم حتى بالتحقق من هوية المتصلة. كل ما اهتم به هو ألا تخبر الفتاة الممرضة في عيادته بأي شيء.
اتجهت إلى عيادته التي كانت مكتظة بالمرضى السيدات. جلست أكثر من نصف ساعة ولكننّي انسحبت قبل مجيء دوري حتى لا ينكشف أمري.في العيادة المذكورة يمارس م. أ عمليات رتق غشاء البكارة متحدياً الرقابة. تأتي إليه الكثير من الفتيات لإجراء تلك العملية. هذا ما أكده عم محمد صالح، بوّاب العمارة حيث العيادة.
سهولة شراء أغشية البكارة
وبما أن شراء غشاء البكارة في مصر صار سهلاً جداً، قمنا ببحث خاطف قادنا إلى الحصول على رقم منتَج يحمل اسم "بيوتي فيرجن". هذا المنتج يعيد إلى الفتيات عذريتهنّ خلال خمس دقائق من دون أثار جانبية، كما تقول دعايته.
تواصلنا مع الشخص الذي يبع المنتج فأكد أن سعر العبوة، التي تحتوي على ثلاثة أغشية بكارة 1500 جنيه (191 دولار)، وأنها لا تتسبب بأي آثار جانبية. إنه هـ. أ.، وكيل المنتج في القاهرة. اتصلنا به فأخبرنا أن المنتج يتم إيصاله إلى المنزل ومن الممكن التأكد منه أثناء وجود المندوب، لافتاً إلى أنه مجرب وفعال وهناك إقبال عليه في عدد من محافظات مصر كالإسكندرية وأسوان والقاهرة.
سعي إلى ردع "العمليات المشبوهة"
نقابة الأطباء هي الجهة المسؤولة عن تنظيم العمل الطبي في مصر. وقد أكد الدكتور خيري عبد الدايم، نقيب الأطباء، لرصيف22 أن "عمليات الإجهاض غير مصرح بإجرائها إلا في بعض المستشفيات، وبموافقة طبيبين من النقابة، وذلك فقط في حالة وجود خطر على حياة الأم. أما غير ذلك فيعتبر قانونياً كالقتل ويعاقب القانون عليه". وأضاف: "عمليات الترقيع مجرّمة تماماً، ومن يتم التأكد من قيامه بها يُشطب من نقابة الأطباء، بناءً على نتائج تحقيقات لجنة آداب المهنة، ثم يحال على القضاء".
وتابع أنه "منذ سنوات، لم يتم الإبلاغ عن حالات إجهاض أو ترقيع، وهناك أطباء كثراً يتحايلون على الأمر، بدعوى أنها جراحة لتنظيف الرحم وليست إجهاضاً أو تركيباً لغشاء جديد".
وأكد لرصيف22 الدكتور صابر غنيم، وكيل وزارة الصحة، أن "عمليات ترقيع غشاء البكارة تتم بسرية تامة وبالتالي يصعب ضبطها"، ولفت إلى أن "إبلاغ الوزارة بمعلومات عن عمليات كهذه، تقود إلى مراقبتها للمكان حتى الإمساك بالطبيب وعرضه على النيابة".
وأوضح أن "وزارة الصحة لن تتوانى عن القيام بالإجراءات اللازمة لكل من تسوّل له نفسه أن يقوم بهذه العملية غير القانونية، والتي لا تشرّف مهنة الطب"، مشيراً إلى أن "مدة سجن المخالف تُراوح بين سنتين وخمس سنوات، كما تغلق العيادة التي جرت فيها العملية لمدة تحددها العدالة، والفتاة التي تجري عملية الإجهاض بطريقة غير شرعية تُسجن".
تنص المادة 261 من قانون الجنايات المصري على أن كل من أسقط عمداً امرأة حامل بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء، يعاقب بالسجن المشدد. وتنص المادة 262 من القانون نفسه على أن المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية التي تسبّب الإجهاض مع علمها بها، أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها، أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها، تعاقب بالعقوبة التي نصت عليها المادة السابقة.
تفشي الإجهاض غير الآمن
وأظهرت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية أنه من الصعوبة حصر حالات الإجهاض غير الآمن في مصر، أي العمليات التي يجريها أشخاص يفتقرون إلى الكفاءة أو في مكان لا يستوفي المعايير الطبية، لأن الدولة تجرّم الاجهاض، وتسمح بحالات الإجهاض الآمن في المستشفيات العامة.
وقالت المتخصصة في طب النساء والتوليد ميرفت عامر: "إن انتشار حالات الإجهاض غير المشروعة في مصر، وبيع غشاء البكارة بشكل علني، يرجعان إلى أمرين في غاية الخطورة: أولهما، عدم وجود تثقيف شامل في مجال الصحة الإنجابية والجنسية لدى الفتيات والنساء بشكل عام، بالإضافة إلى عدم تفعيل دور وزارة الصحة في الرقابة على تلك المنتجات، التي تباع تحت بير السلم".
وأكدت أن "أبرز الفئات العمرية التي تقوم بذلك هي المراهقات، وتلك الوسائل ربما تودي بحياتهنّ، خصوصاً أن غشاء البكارة الذي يباع، تكون صلاحيته غالباً منتهية، ما يسبب مشاكل في الرحم ويؤثر على الزواج والإنجاب".
وأشارت أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس هناء السباعي إلى أن "مشاكل العمليات غير الشرعية ليست دليلاً على الفساد الأخلاقي للفتيات، لكنه دليل حقيقي على الكبت الذي يعانين منه في غالبية المجتمعات الشرقية". وتابعت: "أإنا في حاجة إلى برامج توعية، تقدم إلى الفتيات منذ الصغر في المدارس حتى نقلل مما يحدث".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...