ورد اسم الناشطة الحقوقية الموريتانية آمنة منت المختار في قائمة المرشحين لجائزة نوبل للسلام، لتكون أول سيدة بل أول مواطن موريتاني يترشح لهذه الجائزة. فمن هي هذه المناضلة؟
تفاعلت نخب ومنظمات حقوقية موريتانية وعربية ودولية مع ترشيح آمنة، وأطلقت حملة لدعمها على شبكات التواصل الاجتماعي، تحت عنوان: آمنة تستحق. كذلك عقدت شخصيات حقوقية اجتماعات عدة في العاصمة الفرنسية باريس من أجل وضع خطة لدعمها.
ضد التقاليد البالية
ولدت آمنة منت المختار في خمسينيات القرن الماضي في أسرة عربية محافظة. لكنها سرعان ما تمردت على القيود وبدأت قصة نضالها في سن الحادية عشرة، أيام حكم أول رئيس موريتاني المختار ولد داداه. انضمت إلى حركة الكادحين (الحركة الوطنية الديمقراطية)، التي كانت تطالب بالعدالة الاجتماعية واستقلال موريتانيا عن فرنسا وتأميم الثروة الوطنية، وبالديمقراطية، واعتماد اللغة العربية.
مقالات أخرى
المرأة الموريتانية: معركة تحقيق الذات
ثغرة صغيرة في القانون الموريتاني يستغلها أولياء الأمور لتزويج بناتهم
قالت آمنة لرصيف22: "كنت أوزع المناشير وانضممت إلى مجموعة أيلول الأحمر التابعة للحركة، وكانت المجموعة مسؤولة عن حماية التظاهرات والدفاع عنها، والالتحام بالأمن، وكنت إمرأة وحيدة مع أخرى بين مجموعة من الرجال. وكنا نقوم بالتحسيس (التوعية) وننخرط في صفوف الجماهير ونخدمهم ونساعدهم في أمور حياتهم. وكنت أعمل كذلك على تعبئة التلاميذ في الثانويات خصوصاً مدرستي، إعدادية البنات في العاصمة نواكشوط".
وكانت آمنة وحركتها معارضتين لحرب الصحراء. وسنة 1976 رفعت لافتة مناهضة للحرب أمام الرئيس الموريتاني. وأشارت آمنة إلى أنها كانت ترفض كل أشكال الهيمنة، سواء الفرنسية أو الأمريكية وكانت تميل إلى الحركات والأنظمة التقدمية، وترفض استغلال الإنسان.
كرست منت المختار حياتها لمناهضة العبودية والعنصرية في موريتانيا، وقالت: "سعيت في قضايا تحرير العبيد والسبب هو أن أهلي كانوا يملكون عبيداً. كنت عنيدة ورافضة لكل التقاليد البالية".
أثمان النضال
بسبب نضالها، تعرضت للقمع من والدها. كان يعذبها ويسجنها ويضع في يديها الأغلال لمنعها من الخروج والانخراط في العمل النضالي. وروت: "كانت الفرصة الوحيدة للتحرر من قيد الأب هو ذهابي في العطلة الصيفية إلى مدينة مقطع لحجار وسط موريتانيا، حيث كنت أساعد الفلاحين والتحم بهم".
وعانت آمنة أيضاً من قمع النظام وقضت الفترة الواقعة بين عامي 1971 و1976 إما موقوفة أو سجينة أو معذبة في مفوضيات الشرطة. وأضافت آمنة، "برغم ذلك، واصلت تبني مواقف الحركة الوطنية الديمقراطية حتى في فترات الجزر والانقسامات، وشاركت في نقاش حزب الكادحين وكنت من الرافضين للانضمام إلى الحزب الواحد (الحزب الحاكم آنذاك). وشاركت في تأسيس الرابطة الديمقراطية لنساء موريتانيا، ولكن للأسف لم تستطع النسوة الصمود نتيجة القمع ولأن قاعدة الحركة من البرجوازية". لكنها تؤكد أن المرأة الموريتانية كانت أكثر صموداً مما هي عليه الآن.
واصلت آمنة نشاطها السياسي وانضمت إلى اتحاد قوى الديمقراطية UFD الذي جمع مختلف القوى السياسية المعارضة لنظام معاوية ولد سيد أحمد الطائع.
نقاط تحول
سنة 1989، وقعت أزمة بين موريتانيا والسنغال أعقبتها حملة انتقامية شنتها السلطة ضد الزنوج الموريتانيين، وأبعدت الكثيرين منهم إلى السنغال. وقد أحدث ذلك شرخاً في جسم المجتمع. أثرت تلك الأحداث كثيراً في آمنة، فبدأت بالتفكير في ترك العمل السياسي والتحول إلى النشاط في المجتمع المدني، خصوصاً في مجال حقوق الإنسان، والعمل على بناء مجتمع مدني. وانخرطت في لجنة التضامن مع الضحايا وتبنت قضية المبعدين، ضحايا تلك الأحداث.
هكذا شاركت في تنظيم أول مسيرة بعد الأحداث، في مدينة نواذيبو، ضد القمع في موريتانيا، فاعتقلت لمدة أسبوع. كما عمدت على إيواء بعض المتضررين في منزلها ودفعت ثمن ذلك فصلها من عملها في شركة "سوماسرت".
كانت آمنة، بالرغم من المضايقات، صوت المبعدين. وحاولت إيصال قضيتهم إلى أبعد مدى، متحايلةً على القبضة الأمنية للسفر والمشاركة في مؤتمرات. وقالت: "سنة 2003، كان علي المشاركة في مؤتمر خارج موريتانيا للحديث عن قضية المبعدين. كان الأمن يراقبني فحجزت على طائرة للتمويه، ولكنني غادرت من خلال قطع نهر السنغال، حتى أنني لم أمر من المعبر الرسمي المعروف، بل اخترت منطقة نائية، ما أربك الأمن فلم يستطع منعي".
حاول النظام الموريتاني منعها من التحدث في الأمر، وأوعز إلى السلطات الغامبية لاعتقالها حين ذهبت للحديث عن ملف المبعدين، وقد تم توقيفها، لكن تدخل المنظمات الدولية فرض الإفراج عنها. وسبق أن طُردت من مؤتمر في السنغال بضغط من النظام الموريتاني.
الاهتمام بقضايا المرأة
وأيضاً، نشطت منت المختار في الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها. وسنة 1999 قررت تأسيس منظمة النساء المعيلات الأسر، نتيجة لقصة مؤلمة صادفتها. فقد شهدت على ظلم سيدة موريتانية تزوجت من رجل عرفياً، وأنكر زواجه بها وحكمت المحكمة لغير مصلحتها فماتت قهراً. هذه القصة دفعت آمنة إلى البدء بإجراءات تسجيل المنظمة، لكن السلطات رفضت طلبها، فما كان منها إلا أن قدّمت الطلب باسم جديد، هو آمنة منت المختار الذي أصبح إسم هذه المناضلة.
عملت المنظمة الوليدة على قضايا الاغتصاب والعنف الأسري وتوفير الدعم القانوني للمطلقات وكل ضحايا العنف، وأسست العديد من مراكز الإيواء لضحايا العنف، وصاغت بضعة مقترحات قوانين، وقدمتها إلى الجهات المختصة مثل قانون حول تشغيل القصر، كما أصدرت كتيبات تنتقد بعض القوانين التمييزية في حق المرأة.
وأطلقت المنظمة حملات لدعم المرأة في المجال السياسي، وورش مناصَرة حول ذلك. وقالت آمنة: "قمت بحملات واسعة من أجل مشاركة المرأة في السياسية. وتمخضت أول ورشة نظمتها حول المناصَرة عن شبكة ضغط. وحصدت المرأة الموريتانية 20% من مقاعد البرلمان، وحصدنا الكثير من المناصب مثل سفرتين بعد انتخابات 2006 وثلاث واليات وحاكمتين في نواكشوط. وشهد دخول المرأة إلى المرافق العمومية تحسناً كبيراً، ولكن بعد انقلاب 2008 حصل تراجع وخسرنا الكثير من المراكز، ولكن حصدنا للمرة الأولى منصب وزيرة خارجية".
"إذا لم تندمج المرأة في المجتمع تماماً لن يحصل تطور"، قالت آمنة، مطالبةً بتقديم قروض كبيرة لتحسين وضع النساء الاقتصادي. وأضافت: "نعمل على قضايا العنف والرق والتمييز وهذا ما يجلب لنا الكثير من الأعداء من المجتمع المحافظ".
النضال والحياة الشخصية
كان الزواج بالنسبة إلى آمنة نوعاً من التوق إلى التحرر من السلطة الأبوية، لكن سلطة المجتمع لم ترحمها. وقالت: "عانيت كزوجة من تقاليد المجتمع، لكنني حاولت جاهدة الصبر والموازنة بين النضال والواجبات الأسرية، ورفضت أي سلطة تحد من نضالي. لدي ثلاث بنات وصبي، كل واحد منهم من أب، وربيتهم حسب اقتناعاتي، وغرست فيهم قيم النبل ونصرة المظلوم، وعلمتهم".
تكريم دولي وتنكر محلي
أصبحت السيدة آمنة من أكثر السيدات الموريتانيات شهرة. وهذا ما جعلها تحصد العديد من التكريمات الدولية، منها، تكريم تسلمته من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون عام 2010، اعترافاً بالدور الذي تلعبه في مكافحة الرق، والمتاجرة بالأشخاص، واستخدام القصر كخدم في المنازل. كما استقبلها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض تكريماً لجهودها في ميدان حقوق الإنسان، وصنفها أكاديميون أمريكيون في جامعة جورج تاون Georgetown ضمن قائمة الـ500 شخصية الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي.
وسنة 2006 حصلت آمنة على جائزة حقوق الإنسان للدولة الفرنسية، واستقبلها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، ومنحها وساماً تقديراً لنشاطها الحقوقي.
وترى آمنة أن ترشيحها لجائزة نوبل يعد تكريماً للمناضلين الموريتانيين، وقالت: "لم أكرم في بلدي رغم التكريم في الكثير من دول العالم، وتم ترشيحي من شخصيات دولية وموريتانية وعربية ودولية، وهي خطوة لم أكن على علم بها، وأشكرهم واعتبر ذلك أمراً مهماً ليس لي بل لموريتانيا، فهو أول ترشيح لمواطن موريتاني وخصوصاً لإمرأة، وتالياً هو رفع من شأن المرأة في موريتانيا، بل في المنطقتين المغاربية والغرب إفريقية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 17 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.