شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل سيؤدي رفع العقوبات عن إيران إلى زيادة تمويلها لـ

هل سيؤدي رفع العقوبات عن إيران إلى زيادة تمويلها لـ"الإرهاب"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 18 سبتمبر 201602:14 م

من قبل أن يتم توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول الـ5+1، بدأت تخرج أصوات تحذّر من أن رفع العقوبات عن إيران وتمكينها من الوصول إلى أرصدتها المجمّدة سيؤديان إلى زيادة دعمها لـ"الإرهاب" ما سيدفع الأوضاع في الشرق الأوسط إلى مزيد من التوتر.

ولكن بعد توقيع الاتفاق، أخذ هذا الخطاب يتزايد نتيجة الخوف من سلوك إيران المجهول في المرحلة المقبلة. فالاتفاق سيتيح لإيران الوصول إلى ما بين 100 و150 مليار دولار من أرصدتها المجمّدة. وبالإضافة إلى ذلك، وهذا ما لا يشير إليه معظم القلقين، فإن الاستثمارات التي ستتدفق على إيران ستزيد من ناتجها القومي البالغ حالياً ما بين 350 و400 مليار دولار ما يعني أن مصادر دخل جديدة ستتوفّر لحكومتها.

خوف من المال الإيراني

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو راح يصرخ ويحذّر من أن "إيران ستنال مئات المليارات من الدولارات التي بواسطتها يمكنها أن تغذي ماكينة الإرهاب، وتوسع عدوانيتها في الشرق الأوسط والعالم بأسره". من ناحيته، اعتبر وزير الشؤون النووية الإسرائيلي يوفال شتاينتس أنه من السذاجة الاعتقاد بأن منح إيران 150 مليار دولار لن يكون له أثر فـ"الأمر أشبه بسكب الوقود على الشرق الأوسط المشتعل".

مواضيع أخرى:

كيف سيغيّر الاتفاق النووي شكل الصراعات في الشرق الأوسط؟

هل تخلّت إيران عن الحوثيين بعد الاتفاق النووي؟

ثاني دولة متخوّفة من نتائج الاتفاق النووي بعد إسرائيل هي السعودية. بعد قليل من التوقيع على الاتفاق، نقلت وكالة الأنباء السعودية عن "مصدر سعودي مسؤول"، دعوته إيران إلى استغلال مواردها في خدمة تنميتها الداخلية "عوضاً عن استخدامها في إثارة الاضطرابات والقلاقل في المنطقة". ولم يخفِ وزير خارجيتها عادل الجبير أن "المشكلة التي نواجهها هي تدخل إيران في شأن دول المنطقة، وأعمال الشغب التي تقوم بها، وعلى رأسها دعم الإرهاب، وهذا مصدر قلق لدول الجوار".

لا يقتصر التعبير عن القلق على الدولتين المذكورتين، فقد شاركتها فيه دول عدّة من خصوم إيران. وعبّرت عن هذه الخشية أيضاً قوى ساهمت في التوصل إلى الاتفاق النووي كفرنسا التي اعترف رئيسها فرنسوا هولاند بأنه "سيكون لإيران قدرات أكبر على الصعيد المالي بما أنه لن تكون هناك عقوبات، وعلينا أن نكون يقظين جداً بشأن ما ستكون عليه".

أمريكا وإدارة "اللعبة"

من ناحيته، اعتبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بلاده تتشارك مع العديد من "الأصدقاء في الشرق الأوسط" القلق ذاته حول دعم إيران للإرهاب، واستخدامها وكلاء لزعزعة استقرار المنطقة، وأنه قد يكون بمقدورها الدفع بمزيد من الموارد باتجاه مساعدة حزب الله. ولكنه استغل المناسبة لتشجيع الخائفين على الارتباط أكثر بواشنطن، من خلال إشارته إلى التزام الولايات المتحدة بالعمل مع شركائها في الخليج لمواجهة أنشطة إيران ودعم "بناء قدرات شركائنا في المنطقة".

المعادلة في رأس أوباما، كما جاء في خطاب له، هي ضرورة تشجيع إيران على "تبنّي نهج بنَّاء أكثر" بدون الرهان على نجاح هذا المسعى وبدون تطبيع العلاقات مع طهران. وفي كل الحالات، ستدفع بلاده "بموارد لمنع إيران من إيصال مساعدات لحزب الله"، ولميليشياتها الحليفة، إن لم يكن عمل الأخيرة قد نال مسبقاً موافقة البيت الأبيض. فأميركا تعلم أنها ستبقى مضطرة للتصدي لما سماه وزير خارجيتها أشتون كارتر "النفوذ الإيراني الضار". ولكن يبدو أن أمريكا لم تعد راضية عن لعب دور شيطنة إيران كرامة عين حلفائها الخليجيين. في مقابلته مع الصحافي توماس فريدمان التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز قال أوباما: "على أمريكا أن تستمع إلى حلفائنا العرب السنّة، ولكن أيضاً ألا تقع في فخ السماح لهم بإلقاء اللوم في أي مشكلة على إيران. إن مواطنين من دول خليجية كانوا مساهمين كباراً في الحركات الجهادية السنّية التي تقوض الاستقرار بالمقدار ذاته الذي تفعله إيران".

هل تفهم إيران المتغيّرات

من الواضح أن واشنطن قرّرت منح فرصة لإيران كي لا تبقى في حالة صدامية معها، وبالتالي في عزلة عن المجتمع الدولي. التيار الإصلاحي في إيران متحمّس للفرصة المتاحة، ولكنّ المحافظين يخشونها كثيراً لأنهم بنوا شرعية النظام على معاداة الولايات المتحدة بشكل رئيسي وبها برروا قمع جهازه الأمني. التجاذب القائم بين القوى الإيرانية حقيقي ولا يستطيع حتى مرشد الثورة أن يلغيه.

من هنا، وبسبب الأصوات المحافظة التي تعالت في إيران منتقدةً الاتفاق النووي الذي مسّ بما يعتبرونه "خطوطاً حمراء"، ألقى الإمام علي الخامنئي خطبة نارية بمناسبة عيد الفطر قال فيها: "لا نجري أيّ حوار مع الولايات المتحدة حول المسائل الدولية والإقليمية أو الثنائية... سياسات الولايات المتحدة في المنطقة مختلفة 180 درجة عن مواقف جمهورية إيران الإسلامية". ولكن الأهم في خطاب الخامنئي هو تأكيده أن بلاده "لن تتخلى عن دعم أصدقائها في المنطقة، والشعبين المضطهدين في فلسطين واليمن والشعبين والحكومتين في سوريا والعراق والشعب المضطهد في البحرين والمقاتلين الأبرار في المقاومة في لبنان وفلسطين". استمرار دعم إيران لحلفائها في المنطقة هو أمر مفروغ منه. ومن غير العقلاني توقع عكس ذلك. فالبلاد التي حافظت على نفوذها الإقليمي وهي تحت الضغط لن تتخلى عنه عندما يخفّ الضغط عنها. ولكن الأسلوب الناري الذي اعتمده مرشد الثورة الإسلامية سمح مثلاً لنتنياهو بالقول إن خطابه "يثبت أن الآمال المعقودة على أن اتفاقاً نووياً قد يخفف من تشدد الجمهورية الإسلامية هي توقعات مضللة". من جانبه، حار وزير الخارجية الأمريكي في تفسير خطاب المرشد لافتاً إلى أنه "كثيراً ما تتطور الأمور بشكل مختلف عن التصريحات التي تصدر في العلن"، ملمحاً إلى احتمال قول الخامنئي ما قاله للاستهلاك الداخلي فقط.

هل القلق مشروع؟

يضخّم خصوم إيران من آثار رفع العقوبات عنها على دعمها للميليشيات المتحالفة معها. في دراسة بعنوان "التأثير المحتمل لمكاسب إيران الاقتصادية من الاتفاق النووي على سياستها الخارجية"، لفت مدير الأبحاث في معهد واشنطن للدراسات باتريك كلاوسون إلى أن "تكلفة نشاطات طهران الأكثر إثارة للقلق ليست كبيرة، على الأقل من حيث الميزانية. فعلى الرغم من أن النفقات المحددة للإرهاب والحرب الإلكترونية غير معروفة بالضبط، فإن بعض التقديرات تشير إلى أن كلاً منها تصل إلى أكثر من مليار دولار سنوياً... أما في ما يتعلق بالدعم الإيراني للميليشيات الطائفية في العراق وسوريا، فحتى أعلى التقديرات تصل فقط إلى ملياري دولار سنوياً على النحو التالي: معاشات شهرية بقيمة 300 دولار لـ140 ألف مقاتل إلى جانب 900 دولار شهرياً لكل مقاتل للأسلحة والإعالة. وقد يتطلب دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد بضعة مليارات من الدولارات سنوياً، ولكن حيزاً كبيراً من التمويل الإيراني لم يأتِ نقداً حتى الآن بل على شكل نفط لم يكن بإمكان طهران على خلاف ذلك بيعه بسهولة (بسبب العقوبات وظروف السوق السيئة). كما أن العمليات المتعددة الأخرى التي تقوم بها طهران في العراق وسوريا قد تكلف مليار إلى ملياري دولار أيضاً، بدءاً من الرشى ووصولاً إلى المعونات الإنسانية".

نحن نتحدث إذن عن بضعة مليارات من الدعم فقط. وعليه فإنه غير مجدٍ الحديث عن أثر رفع العقوبات على زيادة نشاط حلفاء إيران بشكل بارز. كل ما يمكن الحديث عنه هو أن هؤلاء الحلفاء سيتخلصون من أزمة التمويل التي عانوا منها في السنتين الماضيتين ولكن نشاطهم لن يتضاعف. أما في حال تقاطع السياستين الأمريكية والإيرانية في بعض الملفات كما هو مرجّح، كملف قتال داعش في العراق، فيمكننا القول إن أمريكا ستستفيد من قتال إيران لخصوم مشتركين بمال إيراني.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image