تخيلي: مقابلة عمل لوظيفة الأحلام. موعدكِ الساعة العاشرة صباحاً. ساعتك تشير إلى العاشرة والنصف، وأنتِ ما زلت في البيت، تستشطين غضباً، وموعد المقابلة فات. السبب؟ لم يتمكن زوجك من ترك العمل لُيقلك إلى المقابلة.
كان هذا قبل عام 2013. أي قبل كريم وأوبر وأخواتهما. أما اليوم، فحينما تقرر نور فتياني الخروج من المنزل، لا تنتظر زوجها ولا تتردد كثيراً. كل ما عليها فعله هو الضغط على تطبيق "أوبر" Uber في هاتفها الذكي والانتظار خمس دقائق، على حد قولها، ثم تغادر في عربة لم ترها من قبل، بعد التأكد من رقم لوحة السيارة الذي أرسله لها التطبيق.
في حي آخر من المدينة نفسها، تضغط سيدة الزر على تطبيق "كريم" كل صباح وتنتظر 5 دقائق مع أطفالها، ثم يتوجهون جميعاً إلى المدرسة حيث تعمل هي ويَدرس الأبناء. لا انتظار لسائق يخلف في المواعيد.
قد يبدو المشهد بديهياً، لكنه بالنسبة للشابة نور ذات الـ28 عاماً، والتي تعمل في جمعية "نبتة" لحماية البيئة، تٰعدٰ سهولة التنقل هذه ثورة في عالم المواصلات، بعدما كان الخروج إلى السوق أو المستشفى أو إلى مقابلة عمل يعني انتظار من يُقَلها، مع احتمال الإلغاء لعدم توفر سائق.
مقالات أخرى:
سعوديات يرفضن العيش تحت سيادة “الرجل"
هل تُلغى الشرطة الدينية في السعودية؟
السبب هو أن نور تسكن في السعودية حيث لا يُسمح للنساء بقيادة السيارة. أما أوبر وكريم، فهما تطبيقان يتم تحميلهما على الهواتف الذكية ويمكنان المستخدم من طلب سيارة أجرة خاصة وتحديد موقعها ومعرفة اسم وخلفية سائقها ومتابعة سيرها بكبسة إصبع. ثم يتم حسم أجرة السائق من بطاقة الائتمان المسجلة في التطبيق، أو في بعض الأحيان يمكن الدفع مباشرة.
سائقي الشخصي
“أوبر هو سائقي الشخصي في بلد لا أستطيع أن أكون أنا السائقة" تقول نور، وهو السائق الشخصي للعديد من السيدات في دولة يسكنها 30 مليون نسمة يحتاج نصفهم إلى سائق، ويمتلك 68% منهم هواتف ذكية، بحسب دراسة أجرتها مجلة إي ماركتر eMarketer، ويصلهم بالعالم انترنت سريع.
وفي دولة تنفق الأسرة فيها 10% من مدخولها الشهري على المواصلات بحسب مصلحة الإحصاءات العامة ولمعلومات، وجدت تطبيقات سيارات الأجرة هذه الفجوة التي يمكن ملؤها، فكان نجاحها كبيراً ورواجها سريعاً، لا سيما لدى النساء، منذ أن دخلت السوق السعودية عام 2013.
"عملنا في الرياض هو الأسرع نمواً في المنطقة" يقول ماجد أبو خاطر، مدير عام أوبر في السعودية، مضيفاً أن التطبيق يعتمد بشكل كبير على استخدام النساء له، فهن يشكلن 80% من عشرة آلاف الركاب كل شهر، بحسب إحصاءات الشركة.
ويضيف أبو خاطر: "يرتفع عدد المستخدمين كثيراً خلال أيام الأسبوع في السعودية، على خلاف باقي دول الخليج حيث يزداد استخدام أوبر في نهاية الأسبوع" وهو مؤشر، على حد قوله، إلى أن غالبية الركاب وهم من النساء، يستخدمون التطبيق لقضاء حاجات يومية، كالذهاب إلى العمل أو الجامعة مثلاً. "هن يبحثن عن طريقة مواصلات، ونحن نوفر لهن حلاً هو خدمة فعالة وموثوق بها”.
الساحة الخضبة
اليوم في السعودية، تتنافس شركات التطبيقات في ابتكار طرق لإرضاء مستخدميها. فقامت شركة كريم مثلاً بالتعاقد مع شركة الاتصالات السعودية، لاستخدام نقاط فاتورة الجوال كرصيد في تطبيق كريم.
بينما طرحت شركة إيزي تاكسي Easy Taxi بالشراكة مع شركة مايكروسوفت Microsoft سيارات مزودة بإكس بوكس Xbox. أما أوبر، فقد أطلقت خدمتين رمضانيتين، خدمة العمرة التي توصل المستخدم من جدة إلى مكة حيث تقام المناسك، وبرنامج إيصال تبرعات الأطعمة المعلبة لعائلات محتاجة بدون دفع أجرة التوصيل.
"إنها ساحة خضراء وخصبة"، يقول أبو خاطر. ويضيف: "نستطيع أن نكون خلاقين في السعودية أكثر من أي مكان، ونبحث عن شراكات جديدة. نحن نسهل المواصلات وذلك يتماشى مع توجهات الحكومة، لذلك لمسنا تجاوباً كبيراً”.
علاقة متوترة في باقي الدول
علاقة هذه التطبيقات بحكومات العديد من الدول الأخرى ليست دافئة جداً. ففي أوروبا، تواجه شركة أوبر التي نشأت في مدينة سان فرانسسكو الأمريكية وتقدر قيمتها اليوم بخمسين مليار دولار، تحديات تجعل تقبل النقابات والسلطات لها عسيراً.
فقد شهدت فرنسا الأسبوع الماضي اعتصامات عنيفة لسائقي سيارات الأجرة العمومية اعتراضاً على منافسة أوبر “غير المنصفة”.وقد ألقت الشرطة الفرنسية القبض على اثنين من مديري أوبر هناك لمزاولتهم العمل بدون ترخيص.
لكن جوهر الخلاف يكمن في التهديد الذي يشكله التطبيق على عمل سيارات الأجرة العمومية، التي باتت تعرفتها باهظة الثمن بالمقارنة مع تعرفة عربات الأجرة البديلة، لا سيما الخيار الأرخص وهو أوبر بوب UberPOP.
في السعودية، يختلف الأمر.
لا احتجاجات أو اعتصامات تذكر من شركات المواصلات في المملكة ولا إعتراضات من المستخدمين. على العكس، تسهيلات عديدة من الحكومة.
لكنّ وزارتي النقل والعمل في السعودية تتحدثان بشكل متكرر عن مشاريع سعودة قطاع سيارات الأجرة العامة، أو “الليموزين” كما تسمى في المملكة، لتصبح المهنة حكراً على السعوديين الذين يعانون في الأصل من تقبل المستخدمين لهم، بحسب جريدة الرياض السعودية، التي ذكرت في مقال أن "العديد من العملاء يفضّلون السائق الوافد، مما أضطر بعضهم للتنكر بزي وافد رغبةً في إقناع العملاء باختيارهم والركوب معهم”.
سيارات الأجرة التقليدية: استخدامها صعب
تعج شوارع السعودية بسيارات "الليموزين".
إلا أنها لم تكن بالأصل خياراً مثالياً للعديد من السيدات، سواءً كان السائق سعودياً أو أجنبياً. فركوبها يعتبر أمراً مخجلاً في أوساط الطبقات الثرية، كما تقول نور، أما سيدات الطبقتين الوسطى والعاملة، فيجدن صعوبة في الوصول إليها لأن استخدامها يتطلب السير باتجاه شارع رئيسي في بلد يشتهر بجوه الحار، كما يتطلب التلويح للسائق، مما يجعل المرأة عرضة لمضايقات المارة من الرجال.
تتفاوت تكلفة الرحلة عند استخدام أحد هذه التطبيقات بحسب فئة السيارة ونوع الخدمة.
فأسعار أوبر أكس UberX مثلاً، الخدمة التي توفر سيارات عادية، والتي هي أكثر رواجاً في السعودية على حد قول أبو خاطر، لا تزيد كثيراً عن تسعيرة سائقي التكسي العمومي.
أما أوبر بلاك Uber Black أو أوبر لكس Uber Lux، والتي تؤمن سيارات فخمة، فأسعارها أكثر ارتفاعاً.
أوفر من تعيين سائق
تقول نهلة مالكي، المُدرسة والمستشارة في مجال التعليم في جدة، والتي تستخدم تطبيق كريم: "قد تكون التسعيرة أكثر بقليل من تسعيرة سيارات التكسي في الشارع، لكني أحصل على سيارة نظيفة وخدمة ممتازة. وهم يستخدمون العداد، أي لا مجال للنصب”.
تتفق معها نور التي تنفق حوالي 900 ريال (240 دولاراً) شهرياً على أوبر.
فهي ترى أن تكاليف هذه التطبيقات، مهما تراكمت، تظل أقل من تكلفة استقدام سائق من بلد آخر، فغالبية السائقين في السعودية يأتون من دول آسيوية، ودفع مستحقات الكفالة التي قد تتجاوز العشرين ألف ريال (5530 دولاراً).عدا مسؤولية إيجاد سكن وتأمين صحي له، وشراء سيارة إضافية.
"مرتب السائق 3000 ريال (800 دولاراً) على الأقل، أضف إليه تكلفة البنزين وصيانة السيارة… طبعاً أوبر ليس حلاً جذرياً لكنه مثالي وعملي للوقت الحالي"، تقول نور التي اتفقت مع زوجها على الاستغناء عن السائق بعد زواجهما قبل نحو عام.
لكنها ليست حل للأقل دخلاً
لكن تكاليف هذا الخيار العملي تفوق طاقة الفئة الأقل دخلاً والتي هي أكثر احتياجاً لحلول جذرية لمشكلة مواصلات النساء.
لذلك فإن صفحات الإعلانات المبوبة ما زالت تمتلئ بأسماء وأرقام سائقين بسيارت خاصة يعملون على الطلب، ويروجون لخدماتهم بسيارات "نظيفة" و"مواعيد دقيقة".
في مدينة الأحساء، شرق المملكة يعلن السائق "أبو خالد" تأمينه خدمة نقل "للموظفات" و"المعلمات" عبر موقع مرجان للإعلانات المبوبة.
فعدا سيارته "المكيفة" والتزامه "الأوقات المحددة"، ينقل أبو خالد زوجته معه في السيارة، ليجنب زبوناته ذنب الاختلاء برجل غريب، وهو الأمر الذي يعتبره الأكثر تديناً إثماً، ولو كان في عربة أجرة.
وبالإضافة لزوجته، يوفر أبو خالد ستارة فاصلة "بين السواق والزبائن" كما جاء في إعلانه المبوب.
لم يصل تطبيق أوبر إلى الأحساء بعد، وهو على كل حال لا يوفر ستارة فاصلة، أو حلاً "للخلوة". ولكن هل هذه التطبيقات بداية نهاية عمل زملاء أبو خالد في كار السواقة في مدن سعودية أخرى؟
يصعب الجزم. لكن ما يمكن الجزم فيه هو أن التطبيقات جعلت مواصلات نور ونهلة وغيرهما من النساء في السعودية أقل تعقيداً. وأزالت همّاً عن الرجال أيضاً.
"لك أن تتخيلي سعادة زوجي حينما أطلب منه أن يأخذني إلى السوبرماركت" تقول نور ساخرة. "يتهرب على الفور ويقول: عليك بأوبر”.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...