طوابع البريد، اليوم، تأخذ أهمية مختلفة عمّا كانت عليه سابقاً، حيث كان جزء رئيسي من المراسلات بين البلدان يتمّ عن طريق البريد العادي. تكمن قيمة طوابع البريد في كونها إحدى أدوات توثيق أحداث البلد التي تصدر عنه، سواء كانت حروباً، أم إنجازات ثقافية أو علمية، أم صوراً لشخصيات بارزة. من ناحية أخرى، قد تدل تلك الطوابع على شخصيات حكمت تلك البلدان بالقوة، فتكون شبه توثيق لشخصية الرئيس وتعظيمه.
أكثر طوابع البريد في الدول العربية دلالة على ذلك هي الطوابع الليبية في عهد الرئيس السابق معمر القذافي. رغم أنها احتوت على العديد من المواضيع الأخرى، مثل شكل العمارة الليبية، أصناف الحيوانات والنباتات التي تعيش في ليبيا، والأهداف التي تسعى الدولة الليبية لتحقيقها، مثل الاقلاع عن التدخين أو نشر التعليم، إلا أن الجزء الأكبر منها كان بغرض توثيق مسيرة حياة “القائد” معمر القذافي، بدءاً بالانقلاب أو ما عُرف بثورة الفاتح عام 1969، التي رافقتها مجموعة بريدية في كل عام صادف ذكراها، مع ظهور الصورة الشخصية للقذافي في صدارتها، وصولاً إلى رحلته إلى الحج، التي وضعت داخل تصميم لأحد الطوابع.
بعد الأحداث الأخيرة في ليبيا ومقتل القذافي، قام البريد الليبي الجديد بمحو جميع الطوابع التي تظهر أي رمز يشير إلى معمر القذافي، لا بل إن الطوابع الحديثة احتفلت بالقضاء على حكمه، وتَصدَّرها علمُ الثورة الليبية.
في شؤون فلسطين، ونسبة إلى الأحداث التاريخية المتسارعة، كان لطابع البريد الفلسطيني محتويات وسياسات مختلفة تماماً. كانت الطوابع في بداية الانتداب البريطاني تختم باسم “فلسطين”، وكان يطبع قسم منها في المطبعة الأرثوذوكسية في القدس، والقسم الآخر في مطابع مصر.
غير أن تغييراً طرأ على نفس الطابع مما أدى إلى رفض المطابع المصرية الاستمرار في طباعته وتحويله إلى بريطانيا. هذا التغيير تجلى بتصغير اسم فلسطين باللغة العربية، وإضافة كلمة فلسطين بالعبرية من خلال حرفي “ألف” و“يود”، اختصاراً للكلمة العبرية “ايرتس يسرائيل”، أي أرض اسرائيل.
بعد عقد اتفاقية أوسلو والاعتراف بالسلطة الفلسطينية الناشئة على الضفة والقطاع، تولت السلطة الفلسطينية إصدار طوابعها الخاصة بالشروط التي تحددها اسرائيل. وأحد أبرز الشروط كان عدم السماح بتوقيع الطابع باسم فلسطين، ولا بالسلطة الوطنية الفلسطينية، بل بـ"السلطة الفلسطينية" فقط. من المعروف أن أول طابع أصدرته السلطة كان موقعاً باسم السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو الذي تم إلغاؤه ومنع تداوله لاحتوائه على كلمة “الوطنية” باعتبارها “كلمة تحريضية”. ضمن الشروط الأخرى المقيدة لإصدار الطوابع، وضعُ الأحداث الداعية للسلام، مثل الصورة المعروفة للرئيس الراحل أبو عمار الذي يصافح فيها شمعون بيريز ويتوسطهما بيل كلنتون عند عقد اتفاقية أوسلو للسلام.
كردّ فعلٍ على تدخل اسرائيل في تحديد محتوى الطابع الفلسطيني، قامت المقاومة الفلسطينية بإصدار طوابع تحمل توقيع المقاومة الفلسطينية، وتشمل هذه الطوابع مواضيع مختلفة، مثل إضافة عبارة ”فلسطين للعرب”، كما عملت على إصدار طوابع تساند الثورة السورية واللبنانية ضد الانتداب الفرنسي في ذلك الوقت.
بعد عام 1948 إلى حين وصول السلطة، أصبحت مهمة إصدار الطوابع الفلسطينية تقع كاملة على عاتق المقاومة الفلسطينية. حينها تميزت الطوابع بتوثيقها للأحداث، من مجزرة دير ياسين إلى معركة الكرامة وتخليد المناضلين والمناضلات والشهداء. كما أخذت لوحات الفنان اسماعيل شموط مساحة واسعة في اعتمادها لتكون طوابع موثقة للأحداث، وكانت تلك الفترة من أغنى فترات الطوابع الفلسطينية من حيث المضمون. شاعت هذه الطوابع بكثرة أعوام الثمانينات، وكان للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية، وحركة فتح دورٌ كبير في انجازها وتوزيعها.
كان للبلدان العربية، وبعض البلدان الأجنبية، دور ملموس في إدخال قضية فلسطين ضمن محتويات طوابعها، كنوع من المساندة المعنوية والإعلامية. فبعد احتلال فلسطين، قام العراق بتوشيح جميع طوابعه بـ“إنقاذ فلسطين”، كما كان من مواضيع الطوابع في ذلك الوقت: اليوم الدولي للتعاون مع الشعب الفلسطيني، وإظهار خارطة فلسطين كاملة على العديد من طوابعها. سلكت العديد من الدول العربية هذا المسلك في إصدار طوابعها، فقد أصدرت جميع الدول العربية تقريباً نفس الطابع، مع اختلاف الألوان في ذكرى مجزرة دير ياسين، وهو تصوير لخارطة فلسطين كاملة وقد غُرس في قلبها خنجر.
أما مصر، فمضامين طوابعها كانت مليئة بالمواضيع، بداية بصور الأهرامات ومخلّفات الحضارة الفرعونية، إلى أهم الإنجازات التي حققها الرؤساء السابقون لمصر مثل تأميم قناة السويس، إلى صور أبرز الفنانين الذين ينتمون إلى “الزمن الجميل” في الغناء والموسيقى.
بعد ثورة 25 يناير 2011، ظهر أول طابع يوثق الثورة المصرية، كما أصدرت تونس طابعاً يتصدّره وجه البوعزيزي الذي أشعل الثورة في تونس، ثم امتدت نارها لتطال العديد من الدول العربية.
في ختام هذا العرض الموجز لتاريخ الطوابع ومضموناتها، تجب الاشارة إلى الطوابع البديلة التي ظهرت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث كان بعضها رمزياً لتوثيق الأحداث، وبعضها الآخر استخدم كطابع رسميّ، أي أنه لقاء بدل مدفوع (ضريبة)، لكن مضامينه لم تتولَ الإشراف عليها أي جهة حكومية. من أبرز هذه الطوابع الوليدة طوابع الثورة السورية التي غطت الأحداث والشخصيات التي عُرفت خلال الثورة، ولم تزل حتى الآن، كالطابع الذي يخلد ذكرى مغني الثورة إبراهيم قاشوش بعد أن اقتلع النظام السوري حنجرته، وآخر للصحافية المقتولة ماري كولفين، وقد صدرت بعد مرور سنة على بداية الثورة في مارس 2011.
إلى ذلك، صدر أيضاً طابع فلسطيني جديد بالتزامن مع إعلان “دولة فلسطين” من قبل الفنان خالد جرار، وقد استخدم هذا الطابع كطابع بريد رسمي في المراسلات. مؤخراً قامت الفنانة الشابة دينا ميمي، ضمن مشروعها الجامعي، بإصدار طوابع بريد لأبرز النساء اللواتي أحدثن تغييراً في العالم العربي.
تم نشر هذا المقال على الموقع بتاريخ 26.05.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع