في حادثة للجيش الأحمر الياباني، تحديداً في عملية مطار اللدّ عام 1973، ذكرت العديد من الصحف تفاصيل مختلفة. بعض المقالات التي تناولت هذا الموضوع تحكي عن ثلاثة موسيقيين من الجيش الأحمر الياباني، بقيادة كوزو أوكاموتو Okamoto، دخلوا مطار اللدّ أو ما يسمى بمطار "بنغوريون"، وعند وصولهم قاموا بإخراج آلاتهم الموسيقية والعزف عليها. عندما احتشد الناس حولهم قاموا باستبدالها بأسلحة كانت بحوزتهم، فكان ما يعرف اليوم بعملية مطار اللدّ. الملفت للنظر في هذه الرواية هو الأشكال التي تظهر فيها الموسيقى- السلاح كعنصر مفصلي لخلق وضع أو حدث يلغي ما سبقه.
ارتبطت بعض أعمال الفن البصري والسمعي، في السياق الفلسطيني مؤخراً بهذا العنصر (استخدام الموسيقى أو الفنون البصرية وارتباطها بالسلاح لخلق حدث مفصلي)، معظمها حمل مضامين المقاومة السلمية. اعتمدت تلك المضامين على تجريد السلاح من فعله الأصلي لتوظيفه في فعل آخر يناقض الوظيفة الأساسية، أو باستخدام الوظيفة نفسها بعد استبدال العنصر (السلاح) بآخر لا يعمل بهذه الوظيفة.يمكن التماس هذا التميز في وظيفة السلاح في عملٍ لبانكسي Banksy، فنان غرافيتي بريطاني يخفي سيرته الذاتية وهويته الأصلية، وله العديد من الأعمال في كثير من شوارع العالم، ومن ضمنها العالم العربي، على جدران شوارع قلنديا وبيت لحم تحديداً.
امتازت أعمال بانكسي بتمردها على أي نوع من أنواع السلطة، ومنها تلك المعروفة في فلسطين، حيث حاكى بالرسم على أحد جدران مدينة بيت لحم صورة شاب ملثم يقوم برمي ضمّة من الزهور. تظهر وضعية الشاب الملثم الهيئة النمطية لشخص في وسط مواجهات، بتناقض كبير مع الفعل الذي يقوم به. يرمز تقديم الزهور عادةً إلى المحبة، ما لا يتناسب مع وضعية الشاب وحركته.
في عمل آخر لبانكسي، يظهر جندي يصوب سلاحه لإطلاق النار. إلا أن السلاح يوحي بأنه كاميرا فيديو والشخص الذي خلفه شرطي يحاول منعه من تشغيل الآلة. يطرح هذا العمل سؤالاً عن مدى أخلاقية آلة التصوير وخطورة ما يمكن أن تقوم به. في هذه الحالة يستخدم بانكسي الكاميرا كشكل جديد للسلاح.
ليلى شوى فنانة فلسطينية ولدت في غزة ثم تنقلت في عدة محطات إلى أن استقرت في لندن. تغلب على أعمالها تقنية الطباعة الحريرية والصور الفوتوغرافية المحسنة إلكترونياً. من أكثرها انتشاراً سلسلة مطبوعات "جدران من غزة". يندرج هذا العمل ضمن مشروع يضم 23 عملاً لفنانين قدموا تصاميم جديدة للبندقية بحيث تحمل مضامين مؤيدة للسلام. زينت ليلى البندقية على شكل أكسسوار بمجوهرات وفراشات ملونة وباستخدام الكريستال. وضعت على طرفي العمل مساند تحمل البندقية، محوّلةً الآلة إلى تحفة ثمينة مادياً. بوضعها للمساند ألغت ليلى شوى أي وظيفة عملية للبندقية، إذ باتت وظيفتها تقتصر على الزينة، إضافة لقيمتها المادية.ندا سنقرط فنان فلسطيني يعيش ويعمل في نيويورك. تأخذ البندقية عنده شكل الأعمال التركيبية والأفلام. في صورة فوتوغرافية له يظهر شاباً مبتور الساق يستند على عكازة. قاعدة هذه العكازة تم استبدالها بمقدمة البندقية. هكذا فكك ندا البندقية وأعاد تركيبها لتأخذ شكلاً جديداً ووظيفة أخرى. في مضمون العمل شكل دائري يتمثل بدورَين من الممكن أن تأخذهما البندقية، كونها المسببة بالحدث من جهة والمساندة بعد حدوثه من جهة أخرى. يطرح العمل سؤالين حول الوظيفة التي تؤديها البندقية، إذ تتوظف بقيمة إنسانية سلمية وقيمة منافية للإنسانية في وقت واحد.
نشر هذا المقال على الموقع في تاريخ 27.01.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...