حالما تتلبّد سماء مدينة جدة بالغيوم، يهرع الشاب المصريّ أحمد غندور، الذي يعمل كمندوب في السعودية، إلى ركن سيارته المتهالكة في مكان آمن، تحسّباً لهطول أمطار، قد تتسبّب بإغراق شوارع جدة، التي تفتقد إلى شبكات تصريف مياه الأمطار. إذ تتراكم الأخيرة في الأحياء والأزقة إثر هطولها بمعدلات متوسطة أو غزيرة.
في كلّ مرة، تطلق فيها الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة ومديرية الدفاع المدني توقعات بسقوط أمطار، يعيش سكان مدينة جدة حالة من التوجس والترقب، خصوصاً أنّ هذه الأمطار، تنعكس على الشوارع والطرقات الرئيسية متسببّة بحالة من الفوضى المرورية، إذ يُهرع الكثير من الموظفين إلى منازلهم أو إلى المدارس ليقلّوا أبناءهم إلى البيت، تجنّباً لتداعيات ما حدث في عامي 2009 و2011. ففي نوفمبر 2009 هطلت أمطارٌ بكميات وصفت بالقياسية على مدينة جدة وتسبّبت بسيول أغرقت أحياء عدّة، فيما لقيَ أكثر من مئة مواطن ومقيم مصرعهم، وفقد أكثر من 350، في أسوأ كارثة عرفتها جدة منذ 27 عاماً، وذلك بحسب الدفاع المدني، الذي كان قد أكّد أن الأمطار استمرت ما يقارب أربع ساعات، وتجاوز معدلها الـ 90 ملم، وهو معدل سقوط الأمطار في سنة كاملة. كما تسببت تلك الأمطار بجرف نحو نصف مليون سيارة، وإلحاق خسائر مادية في المباني والبنى التحتية. وقد فتحت تلك الكارثة الجدل حيال قضايا الفساد وغياب شبكات تصريف المياه شبكات تصريف المياه خاصةً أنّ الدولة أنفقت بسخاء على مشاريع البنى التحتية في مختلف المدن والمناطق. ونتيجة لهذا الجدل، شرعت الدولة في محاسبة المسؤولين المقصّرين وفي محاكمة كلّ مسؤول تدور حوله شبهات الفساد أو التقصير. مأساة 2009 تتكرّروبرغم الجهود الحكومية التي بذلت لاحتواء ما حدث في العام 2009، فإن شهر يناير من العام 2011، شهد مأساة أخرى تمثلّت بسقوط أمطار بكميات بلغت ضعفَي أمطار 2009، تسبّبت بإنهيار سدّي سامر وأم اخير في شرق جدة، وغرق الأحياء الواقعة في شرق المدينة. على أن تلك الأمطار كشفت عن هزال الجهود التي بذلت لتدارك الكارثة الأولى، وهذا ما دفع الحكومة إلى إطلاق مشاريع جديدة تحتوي على حلول عاجلة وأخرى طويلة الأمد لإنشاء شبكات تصريف مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي، ضمن خطة شاملة تشمل تطوير البنية التحتية لمدينة جدة.
وقد عكست الأمطار الأخيرة التي هطلت في منتصف نوفمبر الماضي عن وجود خلل في تلك الشبكات لاستيعاب كميات مياه الأمطار. فكشف مدير عام الدفاع المدني بمنطقة مكة المكرمة العقيد سعيد سرحان، لرصيف22 أن غرفة عمليات الدفاع المدني تلقّت نحو 3500 بلاغ في جدة، تمثّلت في تجمعات سقوط لوحات إعلانية وأشجار وبحيرات، خصوصاً في أحياء جنوب المدينة، بدون تسجيل حالات وفاة أو غرق. وشهدت مجاري السيول التي أنُشئت أخيراً عقب كارثتي سيول جدة السابقة، انسيابية في جريان المياه واتجاهها نحو البحر عبر قنواتها، فيما انتشرت آليات وفرق الدفاع المدني والقوارب المطاطية في المواقع الخطرة، وبالقرب من بطون الأودية شرق المحافظة، تحسباً لحدوث سيول منقولة من شرق جدة أو حوادث غرق، فيما رُفعت درجة الاستعداد للأجهزة الحكومية ذات العلاقة، كما تم تسجيل حالتي وفاة واحتجاز 23 سيارة داخل الأودية وإنقاذ 43 محتجزاً.
وأوضحت أمانة محافظة جدة أن الخطة التي طُبّقت خلال موسم الأمطار الغزيرة التي تتعرض لها مدينة جدة تعتمد على رصد دقيق لمواقع تجمعات مياه الأمطار في الشوارع والطرق الرئيسية والمناطق المنخفضة داخل الأحياء والمخططات السكنية، حيث يبلغ عددها 688 موقعاً، منها 466 موقعاً حرجاً. وتتم الاستفادة من إمكانات البلديات الفرعية في رفع المياه والمخلفات، بالتنسيق مع الجهات المعنية مثل الدفاع المدني، والمرور، والأمن العام، والهلال الأحمر. وقالت الأمانة إن خططها تشمل آليات للتعامل مع المشكلات الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة خلال الأيام المقبلة من خلال خطة شاملة لنشر الفرق الميدانية ومعدات شفط المياه ومتابعة شبكات تصريف مياه الأمطار والسيول، ورش مناطق تجمعات المياه لمكافحة انتشار البعوض. وأشارت أيضاً إلى جهوزية أكثر من 1600 عامل يعملون على مدار الساعة تدعمهم صهاريج ومضخات شفط للمياه متعددة الأحجام، موزعة على كل الأحياء للتعامل مع الأضرار الناجمة عن سقوط الأمطار وسرعة تصريفها، ومكافحة الآفات التي قد تنتشر في مواقع تجمعات المياه من خلال 570 عنصراً من المنتسبين إلى صحة البيئة وفرق الاستكشاف اليرقي وفرق تغطية مواقع توالد البعوض والذباب وفرق البلاغات والعمليات والاستقصاء الوبائي وفرق تركيب المصائد الضوئية. وتتضمن استعدادات أمانة جدة لموسم الأمطار، أيضاً، تشكيل فرق مساندة في البلديات الفرعية، لدعم ومساندة الإدارة العامة للنظافة والمرادم للعمل على مدار الساعة في تصريف مياه الأمطار وأعمال الشفط والنظافة في نطاق 14 بلدية فرعية في محافظة جدة، بالإضافة إلى الاستفادة من شركات النظافة التي تتولّى تنفيذ مشاريع الأمانة للمشاركة في تصريف مياه الأمطار ومتابعة شبكات تصريف السيول في حال سقوط أمطار غزيرة، إلى جانب تكليف شركة متخصصة للقيام بأعمال تنظيف شبكات وقنوات تصريف مياه الأمطار والسيول بصورة دورية منتظمة، بما في ذلك غرف التفتيش وخطوط الشبكة واختبار كفاءة سريان المياه بها. وفي إطار الجهود التي تقوم بها الأمانة للتعامل مع البلاغات، جرى تجهيز مركز الطوارئ بغية تطوير خدمة الرد على بلاغات المواطنين الخاصة بالسيول والأمطار.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...