شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
سندريلا وأخواتها: القصص المتخيّلة للحبّ التي نرسمها لأنفسنا

سندريلا وأخواتها: القصص المتخيّلة للحبّ التي نرسمها لأنفسنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 27 فبراير 201901:12 م

من منا لا تريد قصة خيالية؟ لا أقصد قصص الأميرات النائمات أو المحبوسات في الأبراج، ولا قصة نجد فيها أنفسنا مع سبعة أقزام في منزل في الغابة - وإن كنت شخصيًا لا أمانع منزلًا في الغابة. ما أتحدث عنه أكثر واقعية، ولو كان تحقيقه يبدو بصعوبة الحصول على شعر طويل كثيف قوي لدرجة أن يتسلق عليه رجل إلى قمة برج، أو الرقص ساعتين بحذاء من زجاج لا ينكسر ولا يناسب قدم فتاة غيرك. ما نريده يبدو بسيطًا حد الابتذال في المسلسلات العربية: فتاة تحمل أوراقًا وتمشي في ممر طويل، أشخاص قادمون وغادون لا تأبه بهم الكاميرا، هم هناك لملء الفراغ فقط، كومبارس لا يقدمون ولا يؤخرون. من الطرف الآخر من الممر يسير رجل وسيم يرتدي نظارة وينشغل بساعته، ثم تحدث المصادفة القدرية التي تحدد مسار بقية الحلقات؛ الاصطدام، أوراق متناثرة على الأرض، اعتذارات، ثم نظرة، فموعد، فلقاء...

مهلًا، قد لا يكون مصطلح "القصص الخيالية" دقيقًا هنا، فلا شيء خيالياً في ذلك، إنها مجرد إعادة ترتيب لمجريات الواقع، وضع الشخص المناسب في المكان المناسب والظروف المناسبة. عادة، نستخدم المصطلح الإنجليزي Fairy Tales.  فلنسمها القصص الحالمة. من منا لم تحلم بأن تكون تلك الفتاة؟ ربما نغير بعض التفاصيل، أو كلها، فبدل الممر أنت في السينما تشاهدين فيلمًا وحدك لأن صديقتك قررت عدم المجيء في اللحظة الأخيرة، فتصرين على الذهاب لأنك تنتظرين هذا الفيلم بالذات منذ شهور، لكنك تصابين بخيبة أمل حين لا يكون على مستوى التوقعات، مما لا يردعك عن الرد على الهاتف في منتصف الفيلم ووصفه بأقبح الأوصاف. لا أحد يصطدم بك، لكنّ شابًا وسيمًا هادئ الملامح عذب الابتسامة يفصلك عنه كرسي فارغ واحد يقول لك إنه يشاطرك الرأي، وإنه هو أيضًا جاء وحده لأنه لم يجد أحدًا مهتمًا بهذا النوع من الأفلام. ينتهي الفيلم لكن الحديث يستمر، ويستمر، ويستمر...

هناك عدد لا نهائي من السيناريوهات التي قد نهرب إليها كلما قدّم لنا الواقع دعوة للاستسلام للعادي، أو كلما شعرنا بذلك التوق إلى الحب الذي ما زلنا نؤمن بإمكانية وجوده، رافضين أسطرته أو تصديق من يقولون بقصر عمره، مؤكدين أننا سنكون الاستثناء، متجاهلين تحذير محمود درويش، فنحن وحدنا دون غيرنا ما كذبنا حين قلنا إننا استثناء!

ولِمَ لا؟ كم من الغرباء نلتقي كل يوم، كل شخص في الشارع هو بطل محتمل للفصل التالي من قصة حياتنا، أليس كذلك؟ هذا بالطبع، إن وجد ذلك الانجذاب الفوري الذي يجعلك تشعر بأنك تعرف هذا الشخص من قبل، أو منذ الأزل. كثير؟ حسنًا، يمكننا الاكتفاء بتوافق فكري، اهتمامات وأهداف مشتركة، إعجاب يتكون شيئًا فشيئًا حتى يصبح حب حياتنا الأبدي. يمكننا دائمًا التنازل قليلًا حتى نصل إلى أرضية مشتركة. هل حصلنا على قصتنا الحالمة أم بعد؟ ليس تمامًا، لدينا عامل التوقيت، أن يكون كلاكما في المرحلة التي تريدان فيها ربط حياتكما بشخص آخر، عداك عن الاستعداد المادي والنفسي. هل اكتمل النصاب؟ ربما، حتى تبدأ عجلة العلاقة بالدوران ويكتشف أحدكما عيوب الآخر ومدى التوافق بينكما، وهذا قبل دخول العلاقة الحيز الرسمي وإضافة البعد العائلي. لكن قبل كل ذلك لنعد إلى البداية: المصادفة التي جعلت هذا اللقاء ممكنًا.

إن التأمل في مسألة المصادفة يدفع بالمرء للإيمان إما بأنه لا توجد مصادفة بالمعنى الحرفي للكلمة، وأن كل شيء يحدث وفقًا لخطة كونية محكمة، أو أنّ كل شيء هو عبارة عن مصادفة عشوائية، وهو ما ينزع عنها ثوبها الجمالي. تأمل في هذا مثلًا: رجل وُلد في فلسطين قبل النكبة، خرج مع أهله إلى الأردن بعد الاحتلال، لم يستطع إكمال دراسته بسبب ظروف مادية فعمل في مصنع للمشروبات الغازية، حيث تعرف إلى رجل لديه ابنة تصغره بعدة سنوات، وجدها عروسًا مناسبة فتزوجها وأنجبا ابنة تكبر لتدرس إدارة الأعمال وتعمل في قسم الموارد البشرية حيث تكون صداقة قوية مع فتاة تم تعيينها بالواسطة، تعرفها إلى شخص كان يدرس معها في الجامعة فيقعان في الحب ويتزوجان.

استبدل أيًا من هذه المتغيرات بخيار آخر، وقد تكون النهاية مختلفة تمامًا. لو لم تحصل صديقتها على معدل يدخلها تلك الجامعة حيث تعرفت إلى الشاب، لو لم تكن لديها واسطة لتتعيّن في الشركة، لو درست الابنة الطب بدلًا من إدارة الأعمال، لو لم يعمل أبوها في المصنع، لو أكمل دراسته، لو لم تحدث النكبة!

أمور كثيرة تحكم نظرتك للأمر، لكن من الصعب حين تكون في قصة حب جنونية تشعر فيها بأنك تحب الآخر كحتمية قدرية، كأنما التقت روحاكما في بعد آخر، كأن كل ما في حياتك كان يحضرك لهذا اللقاء، من الصعب عندها أن تتعامى عن الجمال الكامن في تسلسل الأحداث التي أدت إلى ذلك.

هناك عدد لا نهائي من السيناريوهات التي قد نهرب إليها كلما قدّم لنا الواقع دعوة للاستسلام للعادي، أو كلما شعرنا بذلك التوق إلى الحب الذي ما زلنا نؤمن بإمكانية وجوده، رافضين أسطرته أو تصديق من يقولون بقصر عمره، مؤكدين أننا سنكون الاستثناء.
ولِمَ لا؟ كم من الغرباء نلتقي كل يوم، كل شخص في الشارع هو بطل محتمل للفصل التالي من قصة حياتنا، أليس كذلك؟ هذا بالطبع، إن وجد ذلك الانجذاب الفوري الذي يجعلك تشعر بأنك تعرف هذا الشخص من قبل، أو منذ الأزل.
بينما نسمع صوت عقارب ساعتنا البيولوجية تسير بنا بخطى حثيثة نحو الأربعين أو الخمسين، نبدأ بالتفاوض مع أنفسنا، ولا تعود فكرة الرضا بالموجود منفرة جدًا، ونقبل أن نكون إحدى أخوات سندريلا، أو أن نلقي بالمفتاح من نافذة البرج بدلًا من إسدال جديلة شقراء طويلة.

ها قد عدنا إلى الحلم من جديد. لكن لماذا يبدو الحلم صعبًا ونحن نرى حالات مشابهة في كل مكان؟ ربما لأن الظاهر لا يعبّر عن الحقيقة دائمًا، فيهتز يقيننا بوجود الحب الذي ينتظرنا كقدر محتوم شيئًا فشيئًا مع كل علاقة تنهار أمام أعيننا، وقد كانت صورها تملأ الدنيا وتشغل الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وحتى حين يبدو هذا الحب ممكنًا ومتوفرًا فقد يبدو سهلًا لغيرنا، وصعبًا وربما مستحيلًا لنا، وبينما نسمع صوت عقارب ساعتنا البيولوجية تسير بنا بخطى حثيثة نحو الأربعين أو الخمسين، نبدأ بالتفاوض مع أنفسنا، ولا تعود فكرة الرضا بالموجود منفرة جدًا، ونقبل أن نكون إحدى أخوات سندريلا، أو أن نلقي بالمفتاح من نافذة البرج بدلًا من إسدال جديلة شقراء طويلة.

أكتب السطور الأخيرة على مقعدي في المقهى حيث يجلس عدة أشخاص مثلي محدقين في شاشات حواسيبهم، أتسلى بالتفرس في وجوههم بين الحين والآخر: هذا يصلح، ذلك لا بأس به، هذا محط نظر. أستعجل في الانتهاء قبل نفاد بطارية اللابتوب، قبل أن ألملم أغراضي وأغادر المكان بخطوات خفيفة تزداد ثقلًا تحت وطأة الليل والذكريات حين أخرج إلى الشارع النائم، وحدي كالعادة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard