شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الحرية لا تجديد الخطاب الديني: عن الرسائل المخفيّة لفيلم

الحرية لا تجديد الخطاب الديني: عن الرسائل المخفيّة لفيلم "الضيف"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 19 فبراير 201902:22 م

كان التساؤل من بداية طرح "برومو" الفيلم، من يقصد إبراهيم عيسى بـ"الضيف"، الملامح التي ظهر بها خالد الصاوي بطل العمل بها تشابه كبير بالراحل فرج فودة الذي اغتالته يد الإرهاب، فيما تسربت الأخبار تفيد أن الفيلم عبارة عن سيرة ذاتية لإبراهيم عيسى، ورغم ذلك كان الجميع متفقاً على أنه فيلم يحمل أفكار كاتبه، المُطالب دومًا بتحرير العقل ونقد التراث وتجديد الخطاب الديني حقًا ومقاومة أوهام الخلافة الإسلامية.

وقبل الدخول إلى عالم "ضيف" إبراهيم عيسى علينا أن نقول إن الفرصة التي أٌتيحت لـ"إبراهيم" لم تُتح لكثيرين ممن يحملون أفكاره، فالشاب الذي تولى سكرتارية تحرير جريدة "روز اليوسف" العريقة وهو في الثالثة والعشرين من عمره ثم رئيسًا لتحرير جريدة "الدستور" وهو في الثلاثين، استطاع خلال ثلاثة عقود أن يستمر، ورغم تنقلاته بين جريدة وأخرى وشاشة ونظيرتها، ظل كما هو، حاملًا أفكاره التي تترسخ يومًا بعد يوم، فيقول ما يريد باللغة البسيطة المحبوكة بـ"إفهات الأفلام" وضحكات جعلها تبدو كبصمة لشخصيته مع "حمالاته" الشهيرة.

في عام 2016 تحولت روايته "مولانا" إلى فيلم وشارك هو في كتابة السيناريو، لتنتقل أفكار إبراهيم عيسى من البرامج إلى السينما، من الإستديوهات الصغيرة إلى "اللوكيشنات"، من حديثه هو لحديث نجوم ينطقون بما يقوله ويحملون أفكاره، والأهم من ذلك اتساع دائرة متلقّي ما يحمله عيسى، وكان وراء ذلك دعم قوي من رجل الأعمال نجيب ساويرس، منتج الفيلم من خلال شركته "آي بروداكشنز" وهو الذي أنتج أيضًا فيلم "الضيف".

في فيلم الضيف، تبدو جرعة الشجاعة لدى إبراهيم عيسى أقوى، فالرجل سرعان ما اتخذ مكانه كسيناريست ناجح دفع الشركة المنتجة أن تروّج للفيلم من خلال "أفيش" يحمل اسمه أولًا ثم المخرج ثم الممثل، أما الفيلم ذاته فابتعد عن الأحداث الكثيرة والمشاهدة المتعددة.

يبدأ فيلم الضيف بمشهد استاذ جامعي اسمه يحيى التيجاني يجسّد دوره خالد الصاوي، الرجل مُتهم في قضية إزدراء أديان ويسخر من التهمة التي حالما انتهت جلستها حتى عاد إلى بيته؛ فيلّا صغيرة تقيم فيها زوجته المسيحية "شيرين رضا" وابنته "جميلة عوض"، ثمرة الحرية التي زرعها، واليوم على وشك أن يقطفها غيره، فهناك عريس قادم وابنته مستريحة له، ويبدو من اللحظات الأولى أن الأب والأم لا يملكان من الأمر شيئًا سوى الموافقة ما دامت هي موافقة.

تبدأ أحداث الفيلم بقدوم "الضيف" أحمد مالك، الذي ينوي خطبة ابنة المفكر الكبير، ولكن حين تبدأ الأحاديث يتغير كل شيء، فالرجل الذي قضى عمره في المطالبة بالحرية، يجد أمامه شاباً يتحدث بلغة الإرهابيين ويحمل من الأفكار ما لم يرتَح لها كثيرًا "التيجاني"، وعلى مدار أحداث الفيلم، كان إبراهيم عيسى حاضرًا بما يريده الجمهور أو يتوقعه، بداية من الحديث عن الحجاب وعدم وجوده في الإسلام من الأساس، ووهم الخلافة، وتفنيد بعض نظريات الإرهاب، والأهم من ذلك تناول الحضارة الغربية وضرورة الأخذ منها والتوقف عن "النعرات الكذابة".

في فيلم الضيف، تبدو جرعة الشجاعة لدى إبراهيم عيسى أقوى، فالرجل سرعان ما اتخذ مكانه كسيناريست ناجح دفع الشركة المنتجة أن تروّج للفيلم من خلال "أفيش" يحمل اسمه أولًا ثم المخرج ثم الممثل، أما الفيلم ذاته فابتعد عن الأحداث الكثيرة والمشاهدة المتعددة.
هل الحرية هي ما نراه حرية فقط أم أن نحترم جميع رغبات الآخرين حتى لو اختلفنا معهم، يقول يحي التيجاني ردًا على زوجته التي طالبت بالحسم: "أنا ربتها على الحرية إزاي آجي دلوقتي وأقولها إن الحرية ديه تيجي لحد عندي وتقف؟"
ربما هذه النظرية هي التي تحكم حياة إبراهيم عيسى، فهو لا يدعو الناس للإيمان بما يقوله، لكنه فقط يطالب بحق الناس في التكلم، في معرفة الروايات المجهولة، إبراهيم عيسى من أصحاب نظرية "سألقيك في اليم" وعليك النجاة وحدك، ربما لهذا استضاف شخصيات هو نفسه مختلف معها فكريًا.

وكما كان "إبراهيم عيسى" حاضرًا، كانت الردود حاضرة أيضًا من خلال عدد من الشيوخ، أبرزهم الداعية الأزهري خالد الجندي الذي أكد أن حديث إبراهيم عيسى عن الحجاب مغلوط، وأن هناك أقاويل كثيرة ذكرها لم يكن لها أساس، ولكن بعيدًا عن المعركة الكلامية المتوقعة والتي اعتادها عيسى، هناك 3 قضايا ربما تعد هي الأخطر في الفيلم ولم يلتفت إليها الكثيرون، طرحها "الضيف" وقُتل.

البداية كانت مع خطيب الابنة الذي سيكشف في نهاية الأمر إنه إرهابي مُكلّف باغتياله، وما قصة الخطبة سوى ستار من أجل تنفيذ عمليته، ولكن الحديث المبدئي كان مهماً، يتحدث الشاب، ثم يُفجر مفاجأته الأولى، أنه ينوي تحجيب ابنة "التيجاني" بعد الزواج، يشمئز الأب قليلًا، وبعد ثوانٍ يدخل حجرته.

تهرول "مارلين" زوجته بعد أن فاحت من الخطيب "أفكاره الجاهلية"، يضيق صدر الأب الذي عرف من الأسلوب أنه أمام شاب أسير كل الأفكار الظلامية، هل يترك ابنته له، ابنته التي علمها كل شيء؛ الحرية، النقد، عدم تقديس أي شخص... زوجته تعرف ما يجول بخاطره فتناقش، ما العمل؟، "لازم نمنعها"، وهنا تظهر الإشكالية الأولى، مأزق الكثيرين ممن يطالبون بالحرية، حتى لو كان ما نفكر فيه صحيحاً، وحتى لو كان هذا الشاب إرهابي الفكر كيف نؤثر في قرار ابنتنا، كيف نقول لا، إننا نرفض هذا الشاب لأننا غير مقتنعين به، لكن ابنتك مقتنعة بكل أفكاره، هل الحرية هي ما نراه حرية فقط أم أن نحترم جميع رغبات الآخرين حتى لو اختلفنا معهم، يقول يحيى التيجاني ردًا على زوجته التي طالبت بالحسم: "أنا ربتها على الحرية إزاي آجي دلوقتي وأقولها إن الحرية ديه تيجي لحد عندي وتقف، إزاي هعمل ده وأحكر عليها، أسيبها تختار وتغلط أحسن 100 مرة من إني اتراجع عن أفكار وافقدها حق الاختيار حتى لو كنت بحميها".

الرسالة الثانية التي حملها "ضيف" إبراهيم عيسى، كانت التمرد على الحرية، الأمور تتوتر أكثر، الأب حسم قراره بعدم الرفض لكن هل هناك فرصة للمراجعة، نعم، ولكن تلك المرة ترك المهمة لزوجته التي سألت ابنتها لماذا تختارينه، أفكاره غير مطابقة لأفكارك، يريد تحجيبك، تجيب الابنة منفعلة وربما كاشفة عن شخصيتها الحقيقية: "علشان زهقت من الحرية، من الاختيار، من أن كل حاجة ده قرارك، عاوزة حد يشيل المسؤولية عنه وميقوليش، اختاري ولا يقولي أنتي حرة".

هل هي نفسية العبيد التي تحدثت بها الفتاة؟ الحقيقة لا، فكما يوضح الكاتب إمام عبد الفتاح في كتابه "الطاغية"، فإن هناك أنواعاً من البشر تسأم من أن تكون لديها الحرية في كل شيء، فالحرية أيضًا ضريبتها صعبة، وليس سهلاً أن تجد نفسك مطالبًا باختيار كل شيء وأن تكون أنت قائد نفسك، أو كما لخصها الكاتب أحمد خالد توفيق في مقولته الموجزة :"من المؤسف أن تكون أنت آخر من ترجع إليه".

الرسالة الثالثة ظهرت حين كشف الخطيب عن هويته، يحتدم النقاش ولكن هذه المرة بين المفكر والإرهابي، يقول الأخير: "دايما عاوز الناس تصدقك، بتدعوهم للإنحلال والرذيلة علشان يأمنوا بيك"، وهنا يطلق خالد الصاوي أو يحيى التيجاني كما في الفيلم صرخته: "يا ابني أنا مش بدور على إن الناس تصدقني، أنا بدور على حقي في أني أتكلم".

ربما هذه النظرية هي التي تحكم حياة إبراهيم عيسى، فهو لا يدعو الناس للإيمان بما يقوله، لكنه فقط يطالب بحق الناس في التكلم، في معرفة الروايات المجهولة، إبراهيم عيسى من أصحاب نظرية "سألقيك في اليم" وعليك النجاة وحدك، ربما لهذا استضاف شخصيات هو نفسه مختلف معها فكريًا، وأكد ذلك، لكنه يؤيد بكل شدة حق الجميع في التكلم وليؤمن من يؤمن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image