كيف يمكن أن يتّفق أحدهم مع آخر على شيء، وأن يجبره على الشيء ذاته في آنٍ واحد؟
جاء في قانون "خدمة الأمن الإسرائيلي": "إعفاء الفلسطينيين (المسلمين والمسيحيين والدروز) في إسرائيل من الخدمة في الجيش غير مدوّن في بند في القانون الإسرائيلي، إذ إنهم لا يخضعون للفحوص والتسجيل في الجيش من البداية. تمّ الإعفاء عام 1949. في العام 1954، تجنّد مكتب الأمن من أجل ضمّ الفلسطينيين إلى الخدمة العسكرية، لكن المحاولة باءت بالفشل بعد مقاومة الفلسطينيين لهذه المحاولة. وفي العام 1956، تمّ التجنيد الإجباري للشباب الفلسطينيين الدروز، غير المتدينين منهم، وعام 1958 تمّ تجنيد الشباب الشركس. (تمّ إعفاء النساء الدرزيات والشركسيات من الخدمة العسكرية)".
كما أن المادة 46أ في قانون خدمة الأمن الإسرائيلي تنص على" أن كل من لا يكمل فترة خدمته المفروضة عليه قانونيًا، متوقّع أسره مدة سنتان، أما المادة 46ب فتنص على أن من يتهرب من الخدمة قصدًا متوقع أسره مدة خمس سنوات كحد أقصى".
وجاء في بحث البروفيسور قيس فرو: "ليس هناك أي وثيقة في أرشيف دولة إسرائيل تشير إلى أيّ اتفاقٍ عُقد بين السلطات ووجهاء الدروز من أجل ضمّهم إلى صفوف الجيش، بل هناك وثيقةٌ واحدة بتوقيع شخصٍ واحد يُدعى جبر داهش معدّي، لم يمثّل الدروز قطّ".
كل ذلك حصل قبل زمنٍ بعيد، فقد مرّ أكثر من ستّين سنة عليه، بيد أن الأرشفة تلعب الدور الأكبر شرط أن نعتبر أهميّتها وسيلةً معرفيّةً. أمّا من جهةٍ أخرى، فإذا أخذنا هذين المعطيين ونظرنا إليهما نظرةً معاصرةً، نجد نموذجًا حيًّا لم يمضِ عليه بضع سنوات. فهل يمكننا القول إن الأب جبرائيل ندّاف يمثّل الفلسطينيين المسيحيين بمجرّد أنّه سعى ويسعى إلى تجنيدهم باتّفاقٍ مع سلطات الاحتلال؟ هل يمكننا إعطاء ذلك الحجم الأكبر من الشرعية، متجاهلين تمامًا حجم المقاومة الكبير لهذا المشروع؟ هل يمكن أن يصبح التّجنيد إجباريًّا على المسيحيين أيضًا بعد حين، وأن نعتبر ذلك شرعيًّا ونكتفي بالقول "هناك اتّفاقٌ بين المسيحيين وسلطات الاحتلال ينصّ على ذلك"؟ بالطبع لا، وذلك بفضل تطوّر التكنولوجيا في هذه الحالة، إذ تتيح لنا العودة إلى حيث نشاء لنثبت أمورًا كثيرة، وتمنع آخرين فرض أيّ رواية مغلوطة.
في الحديث عن تطوّر التكنولوجيا، يمكننا أيضًا فهم صعوبة رفض التجنيد في الماضي مقارنةً بالحاضر، كما الاختلاف في معرفة أن ذلك أمرٌ متاحٌ أصلًا، وأنّ الرافض ليس وحيدًا، وفي تعدّد الوسائل المعرفيّة حاضرًا مقابل قلّتها في الماضي. فبالرّغم من وجود أطر عديدة تدعو إلى رفض التجنيد منذ فرضه في عام 1956، فإنّ الوصول إليها لم تكن بالأمر السهل كما في يومنا هذا، وذلك يكرّس صعوبة فكرة الرفض بشكلٍ فرديّ، مما يُضعف من عزيمة كلّ فردٍ قرر الرّفض. وبما أنّ سلطات الاحتلال لم تكتفِ بفرض التجنيد على الفلسطينيين الدروز، بل جعلت منه مصدر رزقٍ بعدما صادرت مصدر الرزق الأصلي وهو الأرض، وقامت بفصل المناهج التدريسية عن باقي المناهج العربية، وفصلت المجالس المحلية عن المجالس العربية، ووضعت للدروز التعريف "درزي" في خانة القومية مكان "عربي"، أضحى القيام برفض التجنيد أمرًا مجنونًا.
في العام 1954، تجنّد مكتب الأمن من أجل ضمّ الفلسطينيين إلى الخدمة العسكرية، لكن المحاولة باءت بالفشل بعد مقاومة الفلسطينيين لهذه المحاولة. وفي العام 1956، تمّ التجنيد الإجباري للشباب الفلسطينيين الدروز.
فهل يمكننا القول إن الأب جبرائيل ندّاف يمثّل الفلسطينيين المسيحيين بمجرّد أنّه سعى ويسعى إلى تجنيدهم باتّفاقٍ مع سلطات الاحتلال؟ هل يمكننا إعطاء ذلك الحجم الأكبر من الشرعية، متجاهلين تمامًا حجم المقاومة الكبير لهذا المشروع؟
من خلال حراك "أرفض، شعبك بيحميك"، يتمّ شرح سُبُل رفض التجنيد المتاحة من قبل سلطات التجنيد، ومرافقة الرافض حسب الطريقة التي يختار، وكذلك الأهل إذا تطلّب الأمر ذلك، وخصوصًا في حالة تحويل الرافض إلى السجن.
يأتي هذا المقال كمحاولة لتسليط الضوء على المسؤوليّة التي تقع علينا كشعب، وليس على أطياف معينة، والتي في حال تذنبيها، نكون قد ساهمنا في رواية إسرائيل المضلّلة حول التجنيد الإجباري المفروض على الفلسطينيّين الدروز، والتي هي رواية خاطئة من أصلها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه