شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
إنستغرام... بيئة موبوءة تشجّع على العزلة ومنصّة للأذى النفسيّ

إنستغرام... بيئة موبوءة تشجّع على العزلة ومنصّة للأذى النفسيّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 15 فبراير 201903:34 م

يواجه تطبيق إنستغرام موجة غضب وانتقادات بعد توصل عائلة الفتاة البريطانية، مولي راسل، أخيرًا إلى  معلومات تفيد أن إنستغرام ساهم بانتحار ابنتها  في العام 2017، حين كانت تبلغ من العمر 14 عامًا، والتي تبيّن اليوم من خلال تحليل خوارزميات حساب الانستغرام الخاص بها، أنها تصفحت قبل انتحارها صورًا فيها مواد تتعلق بالاكتئاب والقلق وإيذاء الذات. وقال والدها، إيان راسل: "ليس لدي شك أن انستغرام ساعد في قتل ابنتي". وذكر في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن ابنته كانت مراهقة عادية ولم تظهر عليها أي علامة تشير إلى وجود مشاكل في صحتها العقلية.

تعهد مسؤولو إنستغرام بعد هذه الحادثة، وما تسببت به من انتقادات، إزالة جميع الصور التي تتعلق بالأذى الذاتي عند الإبلاغ عنها، وحذف كل الصور التي تحتوي على الندوب الملتئمة والتقطيع أو التي تروّج للانتحار، وقال آدم موسري، رئيس فريق إنستغرام، في اجتماع مع وزير الصحة البريطاني مات هانكوك: "لسنا بحاجة إلى إيذاء الذات والانتحار، نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لحماية الأشخاص الأكثر ضعفًا". وتحدث عن نيته في دعم المستخدمين الذين ينشرون صورًا تشير إلى مكافحتهم ضد إيذاء الذات أو الانتحار وعن اتخاذهم كامل المسؤولية باستشارة متخصصين لمساعدتهم في ذلك وقاموا مباشرة بإضافة فلاتر إلى الصور القاسية التي تحمل أهدافاً سامية.
مأساة عائلة هذه الفتاة يجب أن تكون محفزًا لمستخدمي إنستغرام للتبليغ عن أي صورة يمكن تصنيفها بالضارة، وللأهالي الذين لا يقضون الوقت الكافي مع أبنائهم ولا يقدمون لهم الدعم، وربما ليس لديهم أحيانًاً فكرة عن نوع الصفحات والمواقع التي يتصفحها أبناؤهم، وتأثيرها على حياتهم من خلال ما تخلقه من ألم وما يمكن أن يتعرضوا له من تنمر، كثيرًا ما نرى في حياتنا اليومية أهالي يريدون إشغال أطفالهم أو التخلص من صراخهم فيعطونهم الهواتف المحمولة، حتى ولو كانوا بعمر صغير جدًا. وحدثت في الأعوام القليلة الماضية أكثر من حالة انتحار أو محاولة انتحار لأطفال في مصر ولبنان بسبب ألعاب يتم تحميلها على الهاتف المحمول والتي تأمرهم بالقيام بأفعال غريبة أو بقتل أنفسهم كلعبة (مريم، والحوت الأزرق) وصفحات الإنترنت حافلة بقصص من هذا النوع.
تم تصنيف إنستغرام بحسب أبحاث بريطانية بأنه أسوأ شبكة تواصل اجتماعي، من حيث آثاره السلبية على الصحة النفسية والتي تتمثل بمستويات عالية من القلق والاكتئاب، لأن هذه المنصة الافتراضية تجعل الأفراد ينسلخون عن الواقع من خلال تعزيز أنماط الحياة المثالية ومشاركة نسخة غير حقيقية عن حياتهم الخاصة حيث يقوم كل مستخدم بصبّ الزيت على ألسنة اللهب، عبر صور وحالات غير حقيقية، ومواقف مفتعلة لإيهام الآخرين أنهم يعيشون حياة رومانسية، جميلة لا تشوبها شائبة، ويعوضون إحباطهم ووحدتهم وعقد نقصهم بعدد الإعجابات والمشاركات ومقدار انشغال الآخرين بهم، في وقت تكون حياتهم على الأغلب صعبة ومعقدة وأبعد ما يمكن عن الصور التي يشاركونها، والتي تتسبب بالغيرة والحسد من قبل الأشخاص الذين لديهم استعداد لتصديق هذه الصور المزيفة.
الإنستغرام مليء بصور نساء تم تحريرها والتلاعب بها لتبدو فائقة الجمال، من نحت الخصر والأرداف إلى تنقية الوجه وتكثيف الشعر، وهذا ما يحبط الفتيات اللواتي يعانين من مشاكل في الشكل أو الثقة بالنفس، أو الأشخاص الذين ينشرون صور حفلات وفعاليات اجتماعية ورقص وفرح غالبًا ما يصدقها الأشخاص الذين يعانون الوحدة أو الفقر ويقومون بمقارنة حياتهم بتلك غير الواقعية المنشورة من قبل أشخاص يسعون إلى تعزيز ذواتهم وهويتهم الشخصية، من خلال خداع الآخرين الذين يتجاهلون أو لا يعرفون أحيانًاً أن غالبية هذه الصور لها أهداف تسويقية للأماكن التي تظهر فيها أو لماركات الثياب والمكياج حتى لو لم تتم الإشارة المباشرة إلى الهدف الدعائي.

مراقبة ما يتم نشره من صور على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر أيضًا حجم الأخطاء التي يرتكبها البعض في عرض صور لأطفالهم في أوضاع لا تحترم خصوصيتهم، في عمرٍ هم غير قادرين فيه على اتخاذ قرار الرفض أو الموافقة، عندما تعرض صورهم في الحمام أو عراة أو كما فعل أحد المستخدمين السوريين بعرض صورة (سونار) لجنينه وأشار بسهم لعضوه الذكري. واللافت أيضاً ما ينشره بعض الفنانين، أو من يسمون أنفسهم بالمؤثرين، الذين لا يجدون مشكلة في تصوير فيديوهات يتحدثون فيها عن قضايا الشأن العام مثلًا أو يقومون بالرد على بعض منتقديهم من خلال تصوير مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يتحدثون ويقودون سياراتهم وغالبًا لا يضعون حزام الأمان، ويحمّلونها على إنستغرام، بالإضافة إلى التنافس بعضهم مع بعض في عرض منازلهم الفاخرة وإطلالاتها وموائد  طعامهم وسعادتهم الدائمة.

تعهد مسؤولو إنستغرام بعد ما تعرّضه له من انتقادات، بإزالة جميع الصور التي تتعلق بالأذى الذاتي عند الإبلاغ عنها، وحذف كل الصور التي تحتوي على الندوب الملتئمة والتقطيع أو التي تروّج للانتحار.
تم تصنيف إنستغرام بحسب أبحاث بريطانية بأنه أسوأ شبكة تواصل اجتماعي، من حيث آثاره السلبية على الصحة النفسية والتي تتمثل بمستويات عالية من القلق والاكتئاب، لأن هذه المنصة الافتراضية تجعل الأفراد ينسلخون عن الواقع من خلال تعزيز أنماط الحياة المثالية.
الإنستغرام مليء بصور نساء تم تحريرها والتلاعب بها لتبدو فائقة الجمال، من نحت الخصر والأرداف إلى تنقية الوجه وتكثيف الشعر، وهذا ما يحبط الفتيات اللواتي يعانين من مشاكل في الشكل أو الثقة بالنفس.
خرجت مواقع التواصل الاجتماعي عن مهمتها الأساسية وصارت بيئة موبوءة يعيش فيها المستخدمون عزلتهم، ومكاناً مثالياً للأذى والسخرية والتنمر.

خرجت مواقع التواصل الاجتماعي عن مهمتها الأساسية وصارت بيئة موبوءة يعيش فيها المستخدمون عزلتهم، ومكاناً مثالياً للأذى والسخرية والتنمر، يباع فيه الوهم للفقراء الذين لشدة حرمانهم يصدقون أن ما ينشره الأغنياء عن الحب والسعادة الغامرة التي يعيشونها، على أنها حقيقية، وأن حالات الانسجام والتناغم التي ينشرونها مع عائلاتهم هي حالة دائمة لا تعكرها الخلافات والمشاكل التي يعاني منها باقي الناس، وهنا يجب على المشاهير أو الاشخاص الذين لديهم عدد كبير من المتابعين، والذين يتمتعون بحس المسؤولية، التوقف عن عرض ملابسهم وموائدهم الفاخرة وتحميل صور رحلاتهم إلى أماكن لا يصل إليها الفقراء إلا في أحلامهم، والتفكير كثيرًا بالأطفال والمراهقين الذين يتعرضون  للتنمر على وسائل التواصل الاجتماعي وتتم السخرية من أشكالهم أو نحافتهم أو وزنهم الزائد، والمعوقين الذين يتعرضون للبلطجة وسوء المعاملة في مكان لا أحد يستطيع ضبط أو معاقبة أحد.

من غير الممكن أن يكون أحدنا سعيدًا دائمًا، وبأبهى حلة في كل لحظة، الكل يعاني ولكل مشاكله الخاصة وبلادنا يعصف فيها الفقر والحروب، ومخيمات اللجوء ممتلئة بالناس المحطمين والفاقدين لأدنى مقومات الإنسانية. على من يمتلك الاخلاق والإحساس بالآخرين التوقف عن تمثيل حياة غير واقعية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image