"يعتبر التعليم العالي، في نطاق السياسة التربوية الشاملة، من الأدوات الأساسية التي تسهم في تكوين المجتمع وتحقيق طموحاته في الحاضر والمستقبل معاً، وضمان طرق النموّ السليم للأمة"؛ كلمات لم تعد تحظى بأي اهتمام من جانب غالبية الشّباب العربي الذي لم يعد مؤمناً لا بالشهادات الجامعية ولا حتى بما يقال عنها وعن أهميتها أو عمّا يمكن أن تقدّمه لصاحبها، محاصراً بسؤال مهمّ حول شهادته الجامعية، إن كانت ذات قيمة فعلاً، أم أنها باتت مجرّد حبر على ورق، وبات هو الآخر مجرّد رقم في طابور العاطلين والباحثين عن العمل؟ إيهاب راجي، الطالب بكلية الإعلام بالقاهرة، يردّ على هذا السؤال قائلاً: لا غنى عن الشهادات الجامعية، فهي إلى جانب كونها توفّر لي مركزاً اجتماعياً مرموقاً، تسمح لي أيضاً بامتلاك الفرصة للعمل في مجالٍ بعينه، درستُ أصوله وفنونه على مدار أربعة أعوام كاملة أو يزيد. وباختصار إن الشهادة مهمّة لكلّ شاب طموح باحث عن تغيير حياتِه ونقلها للأفضل. أما سالي عادل، الطالبة بكلية الصيدلة، جامعة الزقازيق، فقالت: أتّفق تماماً مع أولئك الذين يؤكّدون أن الشهادات الجامعية لم تعد ذات قيمة، لكنني أعترف أنها مهمّة على مستوى الشّكل الاجتماعي، وأنا أعرف زيجاتٍ فشلت لأن العروس لم تَحصل على شهادة جامعية، حيث تصمّم بعضُ الأسر على أن تكون زوجات أبنائهم من المتعلّمات الجامعيات، وهو طبعاً تصوّر خاطئ، لأنّ الزواج "مش مجرّد شهادة والسّلام". وأضافت فاطمة رزق، ليسانس آداب، جامعة القاهرة: الشهادة الجامعية، لم تعد مصدرَ فخرٍ لنا، مضيفة أنها أصبحت بلا قيمة، وأنّ من يمتلك المال الآن حاله أفضل بكثيرٍ من صاحب أي شهادة عُليا. وأكّد أحمد وجيه، الطالب بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة، أن الشّهادات ليست جميعها مصدراً للفخر، فهناك بعض الشهادات مجرّد تحصيل حاصل، ومؤهّل يُوضع في السيرة الذاتية، بينما توجد شهادات أخرى تضمن لصاحبها أن يمتهن أفضل المهن، ويصبح في أفضل حال، ولكن في العموم "بفلوسك ممكن تشترى أي شهادة". وعلّق إبراهيم القبلان، الطالب السوري بجامعة عين شمس، على تلك الإشكالية وقال إن الشهادة الجامعية لم يعد لها أي قيمة في ظلّ ما نعيش من أوضاع اقتصادية صعبة. وبصراحة إن المال أصبح صاحب القيمة الكبرى، لأن المجتمع تحوّل للأسف إلى مجتمع ماديٍّ بحت، وأصبحت الشهادات لا تساوي سعرَ استخراجها. وإلى الأردن حيث قالت ابتهال بلال، طالبة هندسة البرمجيات، إنها نجحت فعلياً في الحصول على وظيفة بشهادتها، غير أنها أرجعت ذلك إلى دراستها بالجامعة الأمريكية. قائلة: قضيت حوالي شهرين فقط بعد التخرّج حتى استطعتُ الحصول على الوظيفة في إحدى شركات البرمجيات، وهناك الكثير ممن أعرفهم حصلوا أيضاً على وظائف. ربما الأغلبية تردد نغمة أن الشّباب أصبح عاطلاً ولم يعد أحدٌ منهم يعمل بشهادته، لكني من واقع التجربة التي أعيشها أقول إن هذا الأمر غير صحيح. الأمر فقط يحتاج منّا إلى بعض البحث والإيمان بقدراتنا ومواهبنا، وقبل كلّ ذلك بأنّ دراستنا وشهادتنا لها قيمة. وقال مواطنها أيوب توفيق، خريج التجارة، إنه تقدّمَ لوظيفةٍ في أحد البنوك، ورغم أنه كان الأحقَّ بها بحسب قوله، إلا أنها ذهبت لغيره بسبب "الواسطة". وفي سوريا قال باسل بركات، طالب كلية العلوم: الأزمة معقّدة، ونحن نرغب في الحصول على شهادة تكون واجهة لنا ليس أكثرَ أو أقلّ، لأنّنا نعلم أنّ ظروف الحرب وظروف دراستنا لموادّ وتخصصات غير ذات قيمة ودون جدوى، لن تفيدنا في أي شيء بعد التخرّج، ولن توفّر لنا أي وظيفة.
علّق إبراهيم القبلان، الطالب السوري بجامعة عين شمس، على تلك الإشكالية وقال إن الشهادة الجامعية لم يعد لها أي قيمة في ظلّ ما نعيش من أوضاع اقتصادية صعبة. وبصراحة إن المال أصبح صاحب القيمة الكبرى، لأن المجتمع تحوّل للأسف إلى مجتمع ماديٍّ بحت، وأصبحت الشهادات لا تساوي سعرَ استخراجها.
قديماً كان الشابّ ينتظر الحصول على الشهادة الجامعية ليحقّق أحلامه، أما في عصرنا الحالي فلم يعد سوق العمل قادراً على استيعاب الخرّيجين. ومع هذه الفجوة، بات همُّ الشابّ الأوّل الحصول على المال. البعض يجده في السّفر حتى وإن كانت هجرته غير شرعية، وحتى إذا كان سيمتهن مهنةً يراها مهينة، ويرفض امتهانها في بلده.وقال فادي بديع، طالب الهندسة من لبنان: منذ صغري وأنا أتمنّى أن أصبح مهندساً، وكنتُ باستمرار أحلم باليوم الذي أتخرّج فيه لألتحق بسوق العمل، وأعوّض كلّ ما فاتني، وكلَّ ما حُرمت منه، غير أن صدمتي كانت كبرى حين التحقتُ بالجامعة، وبدأتُ أحتكّ بسوق العمل حيث عرفت عندذلك أن الشهادة الجامعية لم يعد لها أيُّ قيمة، والسببُ أنّ هناك طابوراً طويلاً من الشّباب العاطل، ومن يجد عملاً بشهادته يكون بأجرٍ منخفض؛ لذا قرّرت أن أفتح مع أصدقائي مشروعاً تجارياً صغيراً بعد التخرج، ليس مهمّاً في أيّ مجال، بل المهمُّ أن نعمل ونكسب قوتَ يومِنا. وإلى تونس حيث قال جواد عزيز، خريج الاقتصاد: دعنا نحسب كلّ شيء بالمنطق! لماذا أضيع سنوات عمري وأنا أركض وراء سراب؟ ولماذا كلّ هذا الجهد والعناء وتحمل التكاليف الدراسية الكبيرة إذا كنتُ في النهاية سأجد نفسي مجرّدَ رقم في سجلّات الباحثين إلى مالانهاية عن وظيفة؟ نعم، الظرف الاقتصاديُّ صعب، والجميع يعرف ذلك، لكنّ العناء في تحصيل العلم والفشل في الحصول على أيِّ وظيفة في النهاية يسبب الإحباط واليأسَ، ويجعل بعضَ الشّباب يقع في قبضة التطرّف أو يلجأ للهرب إلى أوروبا بطرقٍ غير شرعية؛ ما يمكن أن يودي بحياته، كما حدث ويحدث مع كثيرين. وأضاف جواد: باختصار، إنّ الشهادة الجامعية لم يعد لها أيُّ قيمة، وتحصيل المال أهمّ بكثير؛ فعن طريق المال يمكن تحقيق كلّ الأحلام، بدلاً من أن تبقى معطّلة إلى الأبد. في فلسطين نجد نحو 13 جامعة تتنافس على استقطاب 70 ألف طالب، يتخرّج منهم 40 ألفا من الجامعات، يجد منهم 8 آلاف فقط فرصة للعمل. أما الآخرون فيرفعون سنويّاً من مستويات البطالة، في ظلّ فشل الدولة في اعتماد دراسات وخطط مسؤولة لتوجيه الطلاب نحو اختيار التخصصات المناسبة؛ وهو ما يعلّق عليه وسيم الشافعي، خريج كلية الزراعة، بقولِه: لا نجد أعمالاً تناسب شهاداتِنا، ونستمرّ لسنوات نبحث عن وظيفة مناسبة لدراستنا غير أننا في النهاية نضطرّ إلى العمل في أيّ مهنٍ حرّة لضمان توفير المال لأسرنا. فأيّ حديث يستقيم هنا عن قيمة أو فائدة للشهادة الجامعية؟ اللبن المسكوب الدكتور عادل عبد الكريم، أستاذ الأدب العربي بجامعة كفر الشيخ المصرية، علّق على أزمة الشّهادة الجامعية، قائلاً: المشكلة الحقيقية هي أن الشّباب الآن ينظر إلى الشهادة الجامعية على إنها تحصيل حاصل، خصوصاً وأنه يسمع عن ارتفاع معدلات البطالة يوماً بعد آخر. وأضاف الدكتور عادل: قديماً كان الشابّ ينتظر الحصول على الشهادة الجامعية ليحقّق أحلامه، أما في عصرنا الحالي فلم يعد سوق العمل قادراً على استيعاب الخرّيجين. ومع هذه الفجوة، بات همُّ الشابّ الأوّل الحصول على المال. البعض يجده في السّفر حتى وإن كانت هجرته غير شرعية، وحتى إذا كان سيمتهن مهنةً يراها مهينة، ويرفض امتهانها في بلده. وأنا شخصيّاً سمعت أكثر من شابّ يردّد إنه على استعداد لغسل صحون في الخارج مقابل توفير المال، رغم أنه يرفض مهنة كهذه في بلاده بحجة أنها مهينة، ولا تتماشى مع كونه طالباً جامعياً. وتابع: لا يجب أن ننسى أيضاً أن التعليم في الوطن العربي يعاني من مشاكل كثيرة، أهمّها مثلاً اعتماده على الحفظ لا الفهم. وأمام السُّمعة السّيئة للشهادة العربية تجد البعضَ من أصحاب العمل يعتمدون على أجانب أو شباب عربيٍّ من خرّيجي الجامعات الأجنبية، وهو ما يسبّب مزيداً من الشّرخ في نفوس الشباب، الذي يفاجئ بأن أصحاب المهَن من غير المتعلّمين يحقّقون أرباحاً بالآلاف والملايين، بينما هم يبحثون عن وظيفة لا توفّر لهم سوى الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة. وهنا يشتعل الصّراع بين التمسّك بالشهادة والثقافة وتحقيق أعلى المراتب العلمية، او اختصار كلّ الطّرق والتركيز على كيفية جني الأموال. وحتّى أصدقك القول إن أغلب الشباب يفضّل الحل الثاني. واختتم: إن التحدّيات الكبرى التي نخوضها تتطلّب منا تخصيص ميزانيات أكبر للتعليم والبحث العملي، مع اعتماد تخصّصات جديدة تؤهّل الشّباب لسوق العمل في أي مكان حول العالم، وأخيراً ترسيخ العلاقة بين التعليم وسوق العمل، وإتاحة مجالات أكبر للاستثمار وخلق فرص العمل، وخاصّة التي تعتمد على شهادات جامعية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...