شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الدمى الجنسيّة وجماع الموتى: أمراض قديمة لصناعة حديثة

الدمى الجنسيّة وجماع الموتى: أمراض قديمة لصناعة حديثة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 5 فبراير 201901:12 م
شريكةٌ جنسيّة لا تعترض على أي من ممارساتنا المنحرفة، أليس هذا حلماً رائعاً؟ نعضّها، نضربها، نعرّيها، نحجّبها، ننعتها بصفات قذرة، نلقي عليها سوائلنا، نسجنها في غرفٍ ضيقة بينما نذهب لممارسة حياتنا الأخرى، السويّة والطهرانيّة، نستحضرها ما أن نرغب مع ما يتيحه وجودها (لا وجودها الفعلي)، من عدم الحاجة لمعاملتها باحترام كما تطلب شريكاتنا الأخريات أو حتى الاستماع إلى شكاويها عن الحياة كأسيرة حرب، عبودية جنسيّة...حلم أغلبية الذكور المتفلّت من تبعات القانون الإنساني والمتحقّق نسبياً بأغلب الزيجات في الشرق.

الدمى الجنسيّة المفكّرة

في سعيهم لتحقيق هذه العبوديّة الكاملة، وضع البشر حلولاً (حين لم تعد الأديان تكفي لاستمرار  السيطرة) منها الدمى الجنسيّة التي تتيح تلك الإمكانيّة اللانهائيّة من السيطرة والاحتقار والمتعة، الخنوع والامتثال والكتمان، وهذه الحاجة، بدايةً، ظهرت مع المبعدين عن ديارهم نتيجة الأوضاع الحياتيّة المفروضة كالجنود والبحارة في القرن السابع عشر، أي أن الأمر بدأ كحلّ لمشكلة المحرومين إلا أنه انتقل ليرضي نوعاً آخر من الجنود والبحّارة، جنود العبوديّة وبحّارة التسلّط الذكوري، وفي حين بدأت صناعة الدمى من القماش والقطن إلا أن ذكور القرن العشرين وما بعده لم يعد بمقدورهم الاكتفاء بكتل من النسيج المحشوّ، فشهدت صناعتها تطوراً لافتاً، وازداد الاهتمام بطرق محاكاتها للنساء الحقيقيات لتلائم أكثر شعورَ العزلة المتزايد عند الإنسان الجديد، فكما صنعت الحضارة الحديثة أمراض العزلة البشريّة بدأت في ابتكار الحلول ولكن ضمن شروط التسويق الرأسمالي، مع ما يفترضه هذا التسويق من تنوّع بالأذواق والأمزجة والعنصرية أيضاً، ومع بروز الجيل الثاني منها وتقدّم صناعة البشرة الصناعيّة التي تمنح ملامستها شعوراً مشابهاً لملمس الجلد البشري، أتت برامج الذكاء الصنعي لتجرّب (تصنيع) استجابة (طبيعيّة) مع كل السخرية المرفقة بالمفردتين!، في تسويق يجاهر بخضوعه لرغبات المشتري (المتحيّزة والعنصرية غالباً) والبديهية، فالمشتري يختار أن تكون دميته خجولة مثلاً أو وقحة، ذكية أو غبية، نبيهة أو بليدة، أوروبية شقراء ذات صدر عارم أو أفريقية ذات مؤخرة منتفخة، مع إمكانية تبديل الخيارات كلّها كأنك في ماخور إلكتروني عالمي. نعم نعم نستطيع أن نتعجّب هنا، فالحضارة الغربيّة التي تصدّر كليشيهات حرية المرأة ومقولات المساواة، هي نفسها من تروّج لمفاهيم العبوديّة الجنسيّة تحت ضغط التسويق المتفلّت من عقاله. وسوق الدمى الجنسية ليس بالسوق الصغير، فقد ذكر تقرير لصحيفة الديلي ميل البريطانيّة، أن واحداً من خمسة رجال مستعدّ لأن ينخرط في علاقة مع روبوت أو مع دمية جنسيّة، وهذا ما يعطينا فكرة عن حماقات الرجال ويقودنا إلى الموضوع التالي:

جماع الموتى: انحرافات عتيقة

تزخر صفحات الإنترنت في استبدال تقني للصحف الصفراء، بكثير من قصص الممارسات الجنسيّة ذات الطابع الانحرافي ونميل عادة لإدانتها دون كثير تفكير في الأمر، رغم أننا نقرأها بشغف، نقرأها ثم ندينها، نستمتع بالانحراف الكامن فيها ثم نتبرّأ أخلاقياً من تبعاتها، منها النيكروفيليا أو جماع الموتى. لا ريب أن غالبية البشر قد يصابون بالصدمة (أو هذا ما يقولونه) لوجود هذا النوع من الممارسات الجنسيّة، بالرغم من اعتباره مرضاً نفسياً يتطلّب علاجاً ما، وبالرغم من وجود دلائل على ممارسته منذ سبعة آلاف سنة، وبالرغم من أن حوادث مماثلة جرت في كل الحروب والإبادات في القرن العشرين، إلا أن البشر لا زالوا يحتفظون بهذه القدرة على التعالي والاحتقار ورفض القبول ولو كانت الحجّة المرض النفسي.

في القانون

أغلب القوانين الوضعيّة لم تجد حجّة لإدانة الأمر فوضعته في باب عدم احترام الرفات أو العبث بالجثث، وبسرقة الجثة إذا كانت مدفونة وما إلى ذلك، أي أنها لم تجرّم الأمر بفعله إلا بالاستناد إلى فعل آخر هو العبث بالجثث، وكأن الموتى فقدوا القيمة التي كانت ممنوحة لهم بموتهم، فلا يعتبر الأمر اغتصاباً إلا للأحياء أما الموتى فلا انتهاك لهم. حسناً، هذا يتناول الموتى الرافضين، فماذا عن الموتى الموافقين على فكرة الاغتصاب نفسها، ماذا عن الزوجات؟ في نيسان/ أبريل 2012 خرج نقاش في مصر إلى العلن حول سماح الإسلام للزوج بمضاجعة زوجته خلال ست ساعات من وفاتها تحت مسمّى نكاح الوداع، وبالرغم من استقرار الدين الرسمي على إدانة الأمر ورفضه، إلا أن نصوصاً فقهية كانت قد أباحته ورأت أن لا ضرر فيه، وهذا متوقّع من فقهٍ لا يقيم وزناً للمرأة ويعتبرها (شيئاً) يجوز التصرّف به بل وكسره ثم استبداله كالكرسي أو الزجاجة، لكن اللافت أن النصوص التي رفضته لم تعاقب عليه بأكثر من الاستغفار!، ارتكبْ جريمة ثمّ استغفرْ ربّك سبع مرات فينتهي الأمر.
في سعيهم لتحقيق هذه العبوديّة الكاملة، وضع البشر حلولاً، منها الدمى الجنسيّة التي تتيح تلك الإمكانيّة اللانهائيّة من السيطرة والاحتقار والمتعة... وهذه الحاجة ظهرت كحلّ لمشكلة المحرومين إلا أنه انتقل ليرضي نوعاً آخر من الجنود والبحّارة؛ جنود العبوديّة وبحّارة التسلّط الذكوري.
تزخر صفحات الإنترنت بكثير من قصص الممارسات الجنسيّة ذات الطابع الانحرافي ونميل عادة لإدانتها دون كثير تفكير في الأمر، رغم أننا نقرأها بشغف، نقرأها ثم ندينها، نستمتع بالانحراف الكامن فيها ثم نتبرّأ أخلاقياً من تبعاتها، منها النيكروفيليا أو جماع الموتى.
كثير من النساء في العالم يقمن بالنوم مع أزواجهن بدافع الولاء والطاعة، رغم انعدام الرغبة، فتكون المرأة في العملية بمثابة جثّة لا تنفعل ولا تحسّ، بل أن الحروب والطغيان وضغط الحياة اليوميّة على الرجال والنساء حوّل العملية الجنسيّة برمّتها إلى فعل لا رغبوي.

انتباه أخير

والآن، ما الفرق بين الحالتين؟ ألا تشبه عمليّة اغتصاب الجثث عملية مضاجعة الدمى الجنسيّة؟ لماذا يتمّ تناقل أخبار الفتوحات في عالم صناعة الدمى الجنسية وتتمّ إدانة عمليات جماع الموتى؟ وفي حالة تمّ الوصول إلى إنتاج نسيج مشابه لبشرة الانسان، أو في حال تمّ التبرع بالجلد والقيام بوضعه على أحد الروبوتات (وهذه أمر يستطيع العلم فعله إذا لم يكن قد فعله) ألا يعتبر الأمر  مشابهاً، ألا يعتبر الروبوت جثّة هنا؟ كثير من النساء في العالم يقمن بالنوم مع أزواجهن بدافع الولاء والطاعة، رغم انعدام الرغبة، فتكون المرأة في العملية بمثابة جثّة لا تنفعل ولا تحسّ، بل أن الحروب والطغيان وضغط الحياة اليوميّة على الرجال والنساء حوّل العملية الجنسيّة برمّتها إلى فعل لا رغبوي، ألا يشبه هذا ذاك؟ جماع الموتى، أووه، هل هناك من يفعل هذا؟ تقول السيّدة وتعطي جسدها طواعية لزوجٍ ثري أو تغتصب تحت ملاءة الطاعة. لقد تفوّق الطغيان على العلم لمرّة أولى، طغيان الحياة وطغيان الحكم، طغيان الساسة وطغيان الفقهاء، في سوريا وفي بلدان أخرى مشابهة، إذ سبقه في تحويل البشر إلى روبوتات، لدمى صناعيّة تتحرّك وتوالي، تصفّق وترقص، تغضب وتقاتل، تقول شعارات جوفاء وتموت من أجلها، تكتب قصائد ومقالات وتعزف موسيقى، كل ذلك بدون رغبة فعليّة، بدون حتى أدنى تعريف للرغبة بالقيام بأي شيء، في واقع يتفوّق على مخيلة أورويل المسكين، في حين تحاول الحضارة الحديثة ترميم خروقاتها بخروقات أعظم.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image