في 17 كانون الثاني 2019 صدر قرار عن وزارة الاتصالات اللبنانية قضى بحظر تطبيق غرايندر من على شبكات الهاتف النقال 3G و 4G في لبنان، إنه تطبيق هاتف لمواعدة الرجال المثليين ابتكره رجل إسرائيلي عام 2009 اسمه جويل سمخاي، وهو يمتلك خاصية إظهار الحسابات المحيطة بموقعك والقريبة منك بهدف تسهيل التواصل بين الرجال المثليين والحصول على الجنس بشكل أسرع، خلال ساعات تمكن مجتمع الميم في لبنان من الاحتيال على الحظر واستخدام التطبيق مجدداً، لكن النقاشات حول التطبيق ما تزال مستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي. وما زالت الجمعيات المثلية تحاول رفع الحظر.
أنا دون أدنى شك ضد كل أنواع الرقابة والتحكم الذي يمكن أن تمارسه أي دولة في العالم على مواطنيها، إن الوقوف في وجه الرقابة والدفاع عن حق مجتمع الميم في استخدام التطبيقات الهاتفية الخاصة بهم في غاية الأهمية، لكنها لا تقل أهمية عن حق مجتمع الميم بمعرفة الآثار السلبية التي تسببها تلك التطبيقات على صحتهم النفسية، التي لا يتوفر في المحتوى العربي عنها أي شيء يذكر.
المساحة الآمنة؟
يعرّف غرايندر نفسه على الموقع الإلكتروني الرسمي كـ"مساحة آمنة" على الرغم من أن هذه المساحة لطالما كانت مكاناً تستخدمه السلطات الأمنية العربية في اصطياد المثليين وسجنهم، (كيف ستصطادنا بعد حظره يا ترى؟) وتمنح للكثير من الأفراد فرصة ابتزاز المثليين وتهديدهم وسرقتهم دون محاسبة، والأهم من كل هذا مساحة ممتازة للتعبير عن كل أنواع العنصرية وتعيير الجسد وكراهية الأنوثة ومعاداة الأشخاص الترانس، مع ذلك اكتفت إدارة التطبيق برسائل تحذير رامية بمسؤولية حماية مستخدميه على عاتقهم.
[caption id="attachment_182929" align="alignnone" width="700"]كل القصة تبدأ حين نشعر بالعزلة والوحدة والاختلاف عمن حولنا في هذا العالم الأبوي الرأسمالي العنصري، فنهرب إلى غرايندر، أملاً بالخلاص، ندخل التطبيق بحثاً عن الألفة والشعور بالتشابه مع من يشبهوننا في جنسانيتنا وعن الانتماء، إلا أنه منذ اللحظة الأولى قبل أن نلتقي بأحد، يطلب التطبيق منا ترسيخ اختلافاتنا، وتصنيف أنفسنا وأجسادنا وجنسانياتنا بالعديد من العناوين، فيطلب منك تحديد دورك الجنسي: (فاعل أو فاعل تبادلي أو تبادلي أو مفعول به تبادلي أو مفعول به) وكأن الجنس بين المثليين لا يتمحور إلا حول الإيلاج، وتحديد شكل جسدك: (رياضي أم ضخم أم هزيل أم سمين أم رشيق أم مفتول العضلات) وما الذي تبحث عنه؟ (جنس عابر أو علاقة أو صداقة أو دردشة أو التعرف على الآخرين فقط؟) والمزيد من التصنيفات، حتى لا يكاد يمكنك التشابه مع أحد، حينذاك ستشعر بعزلة أكبر بكثير من تلك التي هربت منها إليه.
من استفتاء أجراه موسى الشديدي على تطبيق إنستغرام[/caption]
بعد أول تجربة لي مع التطبيق عام 2012 اتصلت بصديقي الذي اقترحه علي باكياً في تمام الساعة السابعة صباحاً، وسألته عن سبب تعامل من عليه معي بهذه الطريقة الفظّة.
حالات الانتحار أكثر من الموت بسبب الإيدز
بحسب الإحصائيات فإن عدد المثليين الذين ماتوا بسبب الانتحار أكثر من عدد المثليين الذين ماتوا بسبب الإيدز منذ 2007، ما يعني أن الصحة النفسية يجب أن تحظى بالأولوية وأن يتم الحديث عنها والتوعية حولها، إلا أن غرايندر يبقى صامتاً أمامها، متجاهلاً كل ما يتعلق بها.
لا توجد أي سياسة يتبناها هذا التطبيق في حماية صحة مستخدميه النفسية، بدلاً عن ذلك يسوّق التطبيق نفسه حامياً للصحة الجنسية من خلال توجيه المثليين لإجراء فحوص فيروس نقص المناعة البشري المكتسب hiv، إلّا أن موقع buzzfeed نشر أن غرايندر كان يسرّب معلومات مستخدميه الشخصية دون علمهم وموافقتهم، كموقعهم الجغرافي على الخريطة وأرقام هواتفهم ومعلومات متعلقة بتعايش بعض مستخدميه مع الـ hiv، لشركات التسويق ما خلق ضجة كبيرة في سنة 2018.
بحسب الإحصائيات فإن عدد المثليين الذين ماتوا بسبب الانتحار أكثر من عدد المثليين الذين ماتوا بسبب الإيدز منذ 2007، ما يعني أن الصحة النفسية يجب أن تحظى بالأولوية وأن يتم الحديث عنها والتوعية حولها، إلا أن غرايندر يبقى صامتاً أمامها، متجاهلاً كل ما يتعلق بها.
من خلال بحث قام به الطبيب النفسي المثلي، جاك توربان، وجد أن غرايندر يسبب الإدمان تماماً كالهروين والكوكايين، وهذا على ما يبدو يدفع الكثيرين إلى المعاناة بسببه ومحاولة مسحه من تطبيقات الهاتف من ثم العودة إليه مراراً!
يعرّف غرايندر نفسه على الموقع الإلكتروني الرسمي كـ"مساحة آمنة" على الرغم من أن هذه المساحة لطالما كانت مكاناً تستخدمه السلطات الأمنية العربية في اصطياد المثليين وسجنهم.
معايير عنصريّة
في الوقت الذي يضع غرايندر معايير تمنع استخدام الصور العارية على حسابات مستخدميه، لا يضع أي معايير تمنع استخدام عبارات عنصرية على تلك الحسابات مثل "لا للسود، لا للأسيويبن" ولا معايير تمنع استخدام عبارات معادية للأنوثة مثل "لا للأنثويين، لا للنواعم، كن رجلاً" وما إلى ذلك، يا له من تطبيق جنس محافظ!
لقد استغرق فهمي إن المشكلة ليست بي بل بالتطبيق وقتاً طويلاً، أنا لا أستحق هذا التعامل الفظ، ويجب أن لا أحمّل نفسي مسؤولية ما يحدث لي على هذا التطبيق هذا. وأنا حامل شهادة جامعية في تخصص علم النفس، فماذا عن باقي المستخدمين؟ وفهمت أن المشكلة في التطبيق نفسه والجوّ الذي يتعمد خلقه بين مستخدميه، فنفس الشخص الذي يبدأ حديثه بسؤالي عن طول قضيبي أو إرسال الصور العارية دون أخذ موافقتي على غرايندر، يبدأ حديثه بسؤالي عن حياتي وطموحاتي على انستجرام مثلاً، فعلى ما يبدو أن التطبيق يصوغ نوعية أفعال المستخدم وبالتالي تأثيره على صحته النفسية، وهذا ما تؤكده الدراسات.
هناك دراسة تمت على 200،000 هاتف أكدّت أن غرايندر يسبب الاكتئاب، فلقد وجدت أن 77% من مستخدمي غرايندر يشعرون بالندم والحزن بعد استخدام التطبيق أكثر من أي تطبيق آخر على هاتفهم النقال، ومع ذلك فإن نسبة مستخدمي التطبيق خلال 2015 و2016 و2017 ازدادت بمقدار 33%، وهنالك 3 ملايين مستخدم فعّال يومياً، كيف يمكن تفسير هذا؟ على الرغم من شعورهم بالندم والحزن بسبب هذا التطبيق لا يزالون يستخدمونه!
غرايندر يسبب الإدمان
من خلال بحث قام به الطبيب النفسي المثلي، جاك توربان، وجد أن غرايندر يسبب الإدمان تماماً كالهروين والكوكايين، وهذا على ما يبدو يدفع الكثيرين إلى المعاناة بسببه ومحاولة مسحه من تطبيقات الهاتف من ثم العودة إليه مراراً!
هذه ليست وجهة نظر توربان وحده، فالكاتب المثلي، ليس فالين براثواي، كتب في مقال له: "ارتبطت بعلاقة مع غرايندر أطول من علاقاتي مع كل من قابلتهم عليه، علاقتنا مع غرايندر عبارة عن إدمان على انعدام إحساسنا بالأمان، وأنا لست وحدي في شعوري هذا"، أما جون باتشانكي المتخصص بصحة مجتمع الميم النفسية في جامعة يال فقال: "نعاين حالات من هذا الشكل كل يوم تقريباً، استخدام تطبيقات كغرايندر هي مسبب ونتيجة لسوء صحة المثليين النفسية، إنها حلقة مفرغة".
لا أطلب من الناس عدم استخدام هذا التطبيق، فأنا استخدمه لكن أعتقد أن من حق الجميع معرفة الآثار السلبية ومعرفتها. ليس هناك وقت محدد ومخصص للحديث عن الصحة النفسية، فبالنسبة لي هي دوماً أولوية، إننا نخسر العديد من الاصدقاء سنوياً بسبب الانتحار، لن أطلب منهم الانتظار حتى نحل باقي مشاكلنا، وبما أن الجمعيات والمنصات العربية المثلية ممولة من غرايندر أو متعاونة معه بشكل أو بآخر، فهذا يجعلنا نعتمد على جهود الأفراد في هذه المهمة الصعبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 ساعاتربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 13 ساعةحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ يومينبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي