يبدأ فيلم "هيلدا" بمشهد هيلديغارد كنيف في الطائرة وهي عائدة إلى مدينتها برلين وترافق أغنية "في هذه المدينة" المشهد، وهي واحدة من أشهر أغنيات كنيف. شخصيًا، تعرفتُ إلى هيلديغارد عن طريق هذه الأغنية التي تقول:
في هذه المدينة أعرف طريقي في هذه المدينة كنت في البيت كيف تبدو المدينة اليوم؟ في هذه المدينة كنت في البيت.
بعد أن تعرّفت إلى كنيف وأغنيتها التي أصبحت واحدة من أغنياتي المفضلة سألت أصدقائي الألمان عنها فقالوا إنّها النسخة الألمانية من إديث بياف أو من فيروز أو من أم كلثوم.
هيلديغارد كنيف ممثلة ومغنية وكاتبة ألمانيّة وُلدت في مدينة أولم، المدينة التي وُلد فيها أيضًا ألبرت إينشتاين، في جنوب ألمانيا سنة 1925 ورحلت عن عالمنا في مدينة برلين سنة 2002 بعد أن عاشت حياة ملأى بالتقلبات، فمن طفولة دون أب وأم عاملة وحياة زاخرة بالأحلام الشخصيّة وبالتمثيل والشهرة خلال الحقبة النازيّة وصولًا إلى الحرب والأسر الروسي، ومن ثمّ رحلة إلى هوليوود وانكسار الحلم، ولاحقًا العودة إلى برلين الغربيّة والشهرة الواسعة.
في بدء مسيرتها كان ينظر إلى كنيف كممثلة موهوبة، استطاعت التمثيل في عدد من الأفلام الألمانيّة الجديدة آنذاك، إلّا أنّ حلمها في الشهرة أوصلها بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانيّة إلى هوليوود، حلم كلّ من يطمح إلى الشهرة السينمائيّة ومقبرة كلّ الأحلام. في هوليوود لم تلق كنيف النجاح المنشود فبقيت فترات طويلة دون عمل، خاصة أن الأمريكيين آنذاك كانوا يتجنبون العمل مع الألمان، أعدائهم في الحرب التي راح ضحيتها حوالي ستين مليون شخص. حصلت كنيف لاحقًا على بعض الأدوار على خشبات مسارح برودواي الشهيرة في مانهاتن-نيويورك وحققت بعض الشهرة، لكن رغم ذلك لم تحقق كلّّ ما تمنته، فعادت إلى ألمانيّا الغربية، إلى برلين الغربيّة، المدينة التي احتوتها وأطلقتها نحو شهرة جديدة.
تحوّلت هيلديغارد إلى الغناء في الوقت الذي لم تكن فيه مهنتها كممثلة تسير بشكل حسن، رغم أنّ المقربين منها قالوا إنّها لا تملك صوتًا جميلًا، لكن حسن انتقائها للكلمات والألحان طغى على ضعف صوتها، واستطاعت تطويع صوتها لتصبح واحدة من أيقونات الغناء باللغة الألمانيّة، واللغة الألمانيّة لغة ثقيلة لكن هيلديغارد استطاعت بحنكة عالية أن تجعلها لغة سلسة تصل شغاف القلب فتجعل السامع يحبّ أغنياتها حتى إن لم يكن يعرف الألمانيّة.
بعد أن تعرّفت إلى كنيف وأغنيتها التي أصبحت واحدة من أغنياتي المفضلة سألت أصدقائي الألمان عنها فقالوا إنّها النسخة الألمانية من إيديث بياف أو من فيروز أو من أم كلثوم.
في هوليوود لم تلق كنيف النجاح المنشود فبقيت فترات طويلة دون عمل، خاصة أن الأمريكيين آنذاك كانوا يتجنبون العمل مع الألمان، أعدائهم في الحرب التي راح ضحيتها حوالي ستين مليون شخص.
وللغة الألمانيّة ثقيلة لكن هيلديغارد استطاعت بحنكة عالية أن تجعلها لغة سلسة تصل شغاف القلب فتجعل السامع يحبّ أغنياتها حتى إن لم يكن يعرف الألمانيّة.
جرّ عليها ويلات المحافظين بسبب ظهورها عارية في أحد مشاهد الفيلم "المذنب". وقالت هيلديغارد في مؤتمر صحفي لاحقًا: "أليس من الغريب أن بلادًا صمتت على قتل ست ملايين يهودي بالغاز تقوم بعد عشر سنوات بثورة بسبب نهدين عاريين؟"
استطاعت كنيف أن تُظهر روح مدينة برلين الغربية القديمة في أغنياتها، وعلى رغم حضورها في فترة ما بعد الحرب تمكنت من تمثيل مشاعر الناس البسيطة. كلمات أغنياتها تتحدث بطريقة شاعريّة عن الحياة اليوميّة للناس بطريقة صادقة ومباشرة بعيدة عن التصنع معتمدة بشكل أساسي على موسيقى الـ Schlager، الموسيقى الشعبيّة الألمانيّة، فيمكن القول إنّ هيلديغارد كنيف تحركت دائمًا بين الفكر والثقافة الشعبيّة في أغنياتها. مثلًا، تشدو في أغنيتها "ما زال لدي حقيبة سفر في برلين" حبها لبرلين:
ما زال لدي حقيبة سفر في برلين لهذا السبب عليّ أن أعود قريبًا نعيم الأيام القديمة ما زال في حقيبتي الصغيرة هناك.
كتبت "هيلدا" سبعة كتب، واحدٌ يحكي عن حياتها وطريقها نحو الشهرة وهو الكتاب الذي أخذه فيلم "هيلدا" مرجعًا، وآخر يحكي عن قصة كفاحها ضد سرطان الثدي. كانت كتبها تتصدر قوائم أكثر الكتب مبيعًا لفترات طويلة. كما أنّها سجلت خمسين أسطوانة موسيقيّة، ولديها أكثر من ثلاثمئة أغنية، وكتبت بنفسها كلمات مئة وعشرين أغنية. غنّت في أكثر من مئة حفل موسيقي مما جعلها المغنية الأكثر شهرة في تاريخ ألمانيا. ومثّلت في حوالي خمسين فيلمًا أشهرها "المذنب" الذي عُرض سنة 1951 في ألمانيا الغربيّة وجرّ عليها ويلات المحافظين بسبب ظهورها عارية في أحد المشاهد، وذلك لأنّ المشهد أظهر ممثلة عاريّة على الشاشة الكبيرة لأوّل مرة في تاريخ السينما الألمانيّة. قالت هيلديغارد في مؤتمر صحفي لاحقًا: "أليس من الغريب أن بلادًا صمتت على قتل ست ملايين يهودي بالغاز تقوم بعد عشر سنوات بثورة بسبب نهدين عاريين؟"
وأنا غريب في مدينة باردة بعيدة في شمال الكوكب، لم تربطني صلة بها قبل القدوم إليها، أشعر اليوم بأنّني جزء من دورة الحياة في برلين. أشعر، وأنا الغريب، بالارتباط ببرلين مثلما شعرت هيلديغارد كنيف بالارتباط بها، رغم اختلاف الزمان، لذلك أغني معها بصوت عالٍ حين تغني: في هذه المدينة أعرف طريقي، في هذه المدينة كنتُ في البيت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 13 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 19 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com