أصلُ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالرغم عن أنفي وحواسي الأربع الأخرى. كل ما فيه يعطلها، يتلفها حتى يدمرها. على الأرجح أنه يروي مقتطفات من قصص وحكايا بلد، هو، منذ بداية وعيي لقضاياه، ممدد فوق سرير الانعاش، هامد، يتآكل، بانتظار فرج يلوح، دون أن يجيء، مهما طال الانتظار.
عندما قصدت المكان للمرة الأولى، لم أصدق ما رأته عيناي! حجم السريالية في المواقف والتراكيب يتجاوز قدرتي على التحمل، لا بل على التخيّل! كم البشاعة في الصدأ المنتشر والحطام المبعثر يفوق حدودي على الصبر، صبري أنا التي أحاول أن أخلق لنفسي، جاهدًة، يوميًا، عالم سلام وجمال…
أيضًا، وغير بعيد عن داخلي، محوري، ولا عن فعل وتأثير الصور التي أراها عليها، أسمعني أسألها على نحوٍ أغالب فيه المنطق: كيف يمكن لمؤسسة مسماة أنها "ضامنة" لمجتمع أن تكون، بشكل مبناها (وهذا أبسط الأمور)، شبه آيلة للسقوط؟ منذرة بالخطر؟ أليس الأمر حمّالاً لدلالات مرعبة؟ ليس آخرها يعكس نمط سير "تعثر" الأمور فيها، ورداءة "جودة" الخدمة المقدمة لـ "المضمونين" و"المضمونات"؟
[caption id="attachment_181616" align="alignnone" width="700"] كولاج لكاتبة المقال، رنا قاروط[/caption]كيف يمكن لمؤسسة مسماة أنها "ضامنة" لمجتمع أن تكون، بشكل مبناها (وهذا أبسط الأمور)، شبه آيلة للسقوط؟ منذرة بالخطر؟ أليس الأمر حمّالاً لدلالات مرعبة؟ ليس آخرها يعكس نمط سير "تعثر" الأمور فيها، ورداءة "جودة" الخدمة المقدمة لـ "المضمونين" و"المضمونات"؟
مواطنون ومواطنات عجنتهم/ن آلة البيروقراطية الغبية ولفظتهم/ن مرهقين ومرهقات، بالكاد قادرين وقادرات بعد على الوقوف داخل صفوف لا تنتهي. خلص، خلص، لا أريد أن ترجع لأذني أصوات الأختام تدق بنشاز فوق كونتوارات الخشب فتهتز عليها فناجين القهوة الكثيرة الفارغة إلّا من بعض الثفل وأعقاب السجائر المقرفة.
خلص. لا أريد أن تعود لي مشاهد أقلام البيك المربوطة بشرائط ساتان خضراء منّسلة، مربوطة بمقاعد أو شبابيك مخافة أن يحملها معهم، عن طريق الخطأ، مواطنون ومواطنات عجنتهم/ن آلة البيروقراطية الغبية ولفظتهم/ن مرهقين ومرهقات، بالكاد قادرين وقادرات بعد على الوقوف داخل صفوف لا تنتهي. خلص، خلص، لا أريد أن ترجع لأذني أصوات الأختام تدق بنشاز فوق كونتوارات الخشب فتهتز عليها فناجين القهوة الكثيرة الفارغة إلّا من بعض الثفل وأعقاب السجائر المقرفة.
على بعد أمتار فقط من نقابة المهندسين، تبدو بوابة "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" ملتوية، كأن لفح ريح أصابها بعنف، فصمدت بأعجوبة، تأبى السقوط، محاولًة ربما التمثل ببرج بيزا العجيب، المريب في تاريخ العمارة العالمية. بين كلية الإعلام التابعة للجامعة اللبنانية، من جهة، والتي تخرج مدوني خانات السلاطين، فاعلين مؤثرين في مهنة المتاعب وآخروين لا نعرف حتى الآن حقًا ماذا يريدون، وبين سفارة الصين من جهة أخرى، حيث يُتنبأ لها أن تقود العالم في القريب العاجل، يقوم مبنى "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" بلا أن يرتفع، يتمدد على بقعة، يسد خلفها قطعة من الأفق.
هو الصندوق الأسود فوق ركام طائرة محطّمة اسمها: بيروت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
mahmoud fahmy -
منذ 8 ساعاتكان المفروض حلقة الدحيح تذكر، وكتاب سنوات المجهود الحربي، بس المادة رائعة ف العموم، تسلم ايديكم
KHALIL FADEL -
منذ يومراااااااااااااااااااااااااائع ومهم وملهم
د. خليل فاضل
Ahmed Gomaa -
منذ يومينعمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ 6 أياماسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...