وقبل البدء في نقاش المسألة الإسلامية في ألمانيا علينا الإجابة عن سؤال ما هو المطلوب من هكذا مؤتمر، هل المطلوب نقاش الإسلام كدين أم نقاش أوضاع المسلمين كجالية لها أصول غير ألمانية يُضاف إليها مواطنون مسلمون ألمان؟ فهناك فرق شاسع بين نقاش الإسلام وبين نقاش حال الجالية المسلمة في ألمانيا، فالموضوع الأوّل عقائدي فكري والموضوع الثاني اجتماعي. السؤال الثاني يتعلّق بالمساعي لصناعة إسلام سياسي جديد، أوروبي هذه المرة، لأجل محاصرة الإسلام السياسي سواء كان إخوانيَا أم سعوديَا أم إيرانيًا؟
المطلوب من مسلمي ألمانيا إذاً أن يكونوا مسلمين ألماناً وليس مسلمين أتراكًا أو مغاربة، هذا على الاقل ما صرّح به وزير الداخلية مؤخرًا، مطالبًا بقطع التبعية للخارج، ماليًا على الاقل، وسياسيًا بالطبع؛ مقابل ذلك، فللمسلمين الألمان، أيّ الذين يعيشون في ألمانيا "كل ما يرغبون"، بحسب تعبير وزير الداخلية، وربما يوجد وعد بحرية تأسيس وبناء المساجد، بأموال ألمانية، وخلاف ذلك...
لكن هل يمكن للمسلمين من جاليات عربية وآسيوية أن يصبحوا ألمانًا؟ هذا سؤال كبير ومهم جدًا.
إن المسألة برمتها تتعلق بأي ألمان يريدون منا أن نكون، فكما أن الإسلام طوّع عبر التاريخ وعبر الجغرافيا والثقافات فصار إسلامًا تركيًا وصينيًا وماليزيًا ومغاربيًا وأمريكيًا، ثم قطع مرحلة أخرى مع ولادة الدولة الأيديولوجية، فظهر الإسلام السياسي الوهابي مع ولادة دولة آل سعود، وإسلام ولاية الفقيه مع الدولة الخمينية الإيرانية، كما تطوّع الإسلام مع أنظمة البعث في سوريا والعراق، وصار بنكهة قذافية في ليبيا، وبنكهة بورقيبيّة في تونس، وهو في كل دولة عربية منح نكهة مختلفة تتحكم فيها عوامل التمويل والتوجيه السلطوي والمزاج الشعبي، إلخ…
هل المطلوب نقاش الإسلام كدين أم نقاش أوضاع المسلمين كجالية لها أصول غير ألمانية يُضاف إليها مواطنون مسلمون ألمان؟ فهناك فرق شاسع بين نقاش الإسلام وبين نقاش حال الجالية المسلمة في ألمانيا، فالموضوع الأوّل عقائدي فكري والموضوع الثاني اجتماعي.
المطلوب من مسلمي ألمانيا إذاً أن يكونوا مسلمين ألماناً وليس مسلمين أتراكًا أو مغاربة، هذا على الاقل ما صرّح به وزير الداخلية مؤخرًا، مطالبًا بقطع التبعية للخارج، ماليًا على الاقل، وسياسيًا بالطبع.
أما ما ستجنيه ألمانيا من إسلام ألمانيّ فكثير جدَا، لن تصبح الجالية المسلمة مصدر خوف للسلطة بعد ذلك، سواء كانت هذه السلطة سياسية أم مالية أم اعلامية، ستختار قيادة للجالية متعاونة مع الحكومة وسيفتي الأئمة تمامًا بما تتطلبه مقتضيات الأمة والدولة.
أحلام أم أوهام؟
هكذا، بقدر ما يصبح الإسلام ألمانيًا بقدر ما يتحرر من تبعات كونه إسلامًا تركيًا أو مغربيًا أو سوريًا، وهذا ما يسمح للألمان أن ينظروا للإسلام نظرة واقعية مجردة من تبعات وشوائب سياسية قومية أو وطنية أو سلوكيات فردية أساءت لحقيقة الإسلام كثيرًا، تبعات استغلتها وسائل الإعلام الألمانية وبعض السياسيين الكارهين للعرب والأتراك للهجوم على اللاجئين وتحقيق مكاسب سياسية ضيقة أو كبيرة.
هل يستغل المسلمون في ألمانيا هذه الفرصة، ويبادرون إلى التباحث في هذا الأمر المهم جدًا بل التاريخي، فالعهد السياسي الحالي يمد يده لهم، وكما أن كثيرًا من المسلمين الجدد في ألمانيا يخشون من ألمنة الإسلام أو غربنته، فكثير من المسلمين يرغبون ربما بمصافحة يد النظام الألماني لكن بعد دراسة الأمر بروية ودون استعجال، فكلا الطرفين؛ ألمانيا والجالية المسلمة، لديهما مشاكل كثيرة يمكن أن يتم تجاوزها بالتعاون المخلص، فربما يكون كلا الطرفين رابحًا، في حال لم يحدث ضغط أو ابتزاز أو تسرع، وفي حال لم يُسمح لأطراف داخلية وخارجية بالتلاعب أو التأثير على مشروع الشراكة هذا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...