أزمة أثرية تفجرت بين مصر وإسكتلندا مؤخراً، بعد إعلان المتحف الوطني في مدينة إيدنبرج نيته عرض أحد الأحجار المتبقية من كسوة جيرية غطت حجارة هرم خوفو الأكبر لعقود قبل أن يتم تحطيمها في عصور لاحقة، وذلك في معرض خاص مُرتقب افتتاحه 8 فبراير المقبل، سيحمل عنوان "إعادة اكتشاف مصر القديمة".
هذا العرض المتحفي رفضته القاهرة فوراً، وبدأت في اتخاذ سُبُل التعامل منه على الصعيد الدبلوماسي والأثري، وهو ما يُعيد جدلاً أبدياً لا يتوقف بمصر حول أحقية الدول الأوروبية في عرض آثار فرعونية خرجت من البلاد خلال عهود لم يكن فيها دراية كاملة بمدى أهمية هذه القطع.
و"خوفو" هو أكبر وأقدم أهرامات مصر الثلاثة، تم بناؤه بين عامي 2589 و2566 قبل الميلاد على مساحة 20 فداناً في عهد (فرعون/ملك) مصري حمل ذات الاسم (وحمل أيضاً لقب تشيبوس)، يبلغ ارتفاعه 146 متراً، واستُخدم أكثر من مليون حجر لتشييده، يؤكد التاريخ أنه كان مغطىً بالكامل بكسوة جيرية أزيحت عنه لأسباب كثيرة، إلا أن شقيقه الأصغر "هرم خفرع" القابع بجواره، كان أكثر حظًا بعدما احتفظت قمته بجزءٍ من كسوتها القديمة، لم تفلح عوامل الزمن في إزالتها عنه، إلا أن أفاعيل الحاضر أعادت الحديث عن التاريخ للواجهة من جديد.
وأضاف دكتور سيد كريم في كتابه "لغز الهرم الأكبر"، أن المؤرخين أجمعوا على أن واجهة الهرم الحجرية كان يبلغ سُمكها ذراعًا هرميًا، وقدروا عدد أحجارها بـ115565 حجراً، وأن أول من وضعها هو الأمير "خوامسي" بن رمسيس الثاني، الذي اشتهر في عهد أبيه بعنايته بآثار السلف؛ لذا اهتمَّ بتسجيل النقوش والخطوط على واجهات الهرم، بِاعتبارها رمزًا للمعرفة المقدسة.
بينما أوضح زاهي حواس وزير الآثار الأسبق، في ندوة له بجامعة القاهرة، أن مصدر هذه الأحجار من جبال طُرة التي تقع شرق النيل، مُستنِدًا لبردية "وادي الجرف" التي روت شهادة رئيس عمّال اسمه "ميرر"، عاش بعهد خوفو، وكشف بعض تفاصيل عن عملية البناء، مضيفًا أن المصريين القدماء حفروا فرعًا من النيل امتد مباشرة إلى موقع العمل، حيث كان يُنقل خلاله 100 حجر من "طُرة" (تبعد 15 كليومترًا عن القاهرة) يوميًا، تصل بالمراكب ثم تُنقل لموقع البناء عبر زحّافات وعجلات مُعدَّة خصيصًا لهذا الغرض.
يحكي هيرودوت: "نُقش على الهرم بالحروف المصري مقدار ما أنفق ثمنًا لما استهلكه العمال من فجل وبصل وثوم، وإذا وعت ذاكرتي بالضبط ما قاله الترجمان عندما قرأ النفش فإن نفقات إنشائها بلغت 1600 تالت من الفضة".
فيما يزيد المؤرخ اليوناني يوسيفوس على ذلك، بأن واجهات الهرم بالكامل كانت مغطاة بالنقوش والرسوم البيانية، ما جعله أشبه بـ"مزولة كونية ضخمة"، كان المصريون يسترشدون بها لتحديد مواعيد الفيضان، ومواسم الزراعة والحصاد، وتاريخ الأعياد الدينية والشعبية.
تقول الدكتورة مارجريت ماتلاند خبيرة المصريات وأمينة المتحف، إنه قد لا يعرف الكثيرون أن شكل الهرم يظهر الآن بشكل مختلف عما كان عليه عند بنائه، والفضل في ذلك يرجع إلى الكسوة الحجرية، وأن سطحه كان بفضلها أملسًا يلمع تحت أشعة الشمس.
وأضافت: هذه القطعة ستعطي زوارنا رؤية مذهلة للمظهر الذي كان يبدو عليه أقدم بناء على وجه الأرض.
[caption id="attachment_180383" align="alignnone" width="700"] تشارليز بيازي سميث[/caption]
كما أوضحت عبر حسابها الرسمي على "تويتر"، أن تاريخ تدشين المعرض لم يتم تحديده جزافاًس، وإنما يأتي بمناسبة مرور 200 عامٍ على ولادة عالم الفلك الإسكتلندي تشارليز بيازي سميث (1819م)، صاحب أول محاولة مسح أثري للهرم والرجل الذي أتى بالحجر لإسكتلندا، مشيرة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يُسمح فيها بعرض "حجر الكسوة" علناً.
جدل أبدي لا يتوقف بمصر حول أحقية الدول الأوروبية في عرض آثار فرعونية خرجت من البلاد خلال عهود لم يكن فيها دراية كاملة بمدى أهمية هذه القطعمن جانبه، قال الدكتور شعبان عبدالجواد المشرف على الإدارة العامة للآثار المُستردة، في تصريحات تليفزيونية، إن وزارة الآثار المصرية خاطبت دولة إسكتلندا عَبْر وزارة الخارجية؛ لمعرفة كافة التفاصيل المتعلقة بكيفية خروج هذا الحجر من مصر، وهل تمّت هذه العملية بأوراق رسمية وبموافقة السُلطات الحكومية وقتها أم لا؟ كما طالب "عبدالجواد" بالسماح لفريق مصري بالسفر إلى إسكتلندا للاطلاع بشكل مباشر على مستندات التصدير، مُعتبرًا أن المتاجرة في الآثار المصرية جريمة بموجب القانون رقم 117 لعام 1983، وأن مَن يخالفه يعطي للدولة الحق في ملاحقته أينما كان. وأضاف الرجل بعدها مُوضحاً، أن ما يُعرف تاريخياً بـ"كسوة الهرم" كانت طبقة من الحجر الجيري الجيد التي تمت تغطية البناء بها للحفاظ على حجارته من أشعة الشمس وتقلبات الجو، وأن القطعة المهربة بالتأكيد جزء منها. فيما أكد الخبير الأثري عبدالرحيم ريحان أن "كسوة الهرم" تكوّنت من أحجار جيرية ملساء مصبوغة بالأحمر كُتب عليها الكثير من النقوش الفرعونية والجداول الفلكية باللونين الأبيض والأسود، والتي يظنُّ عددٌ من الباحثين أنها تحوي أسرار بناء الهرم، وأن اختفاءها كان السبب الرئيسي لتحوله إلى لغز لم يتم حله حتى الآن.
أشار المتحف الوطني في مدينة إيدنبرج بأنه تلقى اتصالات دبلوماسية من مصر بشأن القطع الأثرية الفرعونية، وأن فريق عمل المتحف يأخذ في الاعتبار هذه الطلبات. إلا أنه أكّد لـ"رصيف 22"، أنه بعد كل مراجعة كل الوثائق والأدلة التي بحوزتهم، هم متأكدون من أنهم يملكون حقاً قانونياً لعرض الصخرة (كسوة الهرم)
.
وأضاف دكتور سيد كريم في كتابه "لغز الهرم الأكبر"، أن المؤرخين أجمعوا على أن واجهة الهرم الحجرية كان يبلغ سُمكها ذراعًا هرميًا، وقدروا عدد أحجارها بـ115565 حجراً، وأن أول من وضعها هو الأمير "خوامسي" بن رمسيس الثاني، الذي اشتهر في عهد أبيه بعنايته بآثار السلف؛ لذا اهتمَّ بتسجيل النقوش والخطوط على واجهات الهرم، بِاعتبارها رمزًا للمعرفة المقدسة.
بينما أوضح زاهي حواس وزير الآثار الأسبق، في ندوة له بجامعة القاهرة، أن مصدر هذه الأحجار من جبال طُرة التي تقع شرق النيل، مُستنِدًا لبردية "وادي الجرف" التي روت شهادة رئيس عمّال اسمه "ميرر"، عاش بعهد خوفو، وكشف بعض تفاصيل عن عملية البناء، مضيفًا أن المصريين القدماء حفروا فرعًا من النيل امتد مباشرة إلى موقع العمل، حيث كان يُنقل خلاله 100 حجر من "طُرة" (تبعد 15 كليومترًا عن القاهرة) يوميًا، تصل بالمراكب ثم تُنقل لموقع البناء عبر زحّافات وعجلات مُعدَّة خصيصًا لهذا الغرض.
يحكي هيرودوت: "نُقش على الهرم بالحروف المصري مقدار ما أنفق ثمنًا لما استهلكه العمال من فجل وبصل وثوم، وإذا وعت ذاكرتي بالضبط ما قاله الترجمان عندما قرأ النفش فإن نفقات إنشائها بلغت 1600 تالت من الفضة".
فيما يزيد المؤرخ اليوناني يوسيفوس على ذلك، بأن واجهات الهرم بالكامل كانت مغطاة بالنقوش والرسوم البيانية، ما جعله أشبه بـ"مزولة كونية ضخمة"، كان المصريون يسترشدون بها لتحديد مواعيد الفيضان، ومواسم الزراعة والحصاد، وتاريخ الأعياد الدينية والشعبية.
تقول الدكتورة مارجريت ماتلاند خبيرة المصريات وأمينة المتحف، إنه قد لا يعرف الكثيرون أن شكل الهرم يظهر الآن بشكل مختلف عما كان عليه عند بنائه، والفضل في ذلك يرجع إلى الكسوة الحجرية، وأن سطحه كان بفضلها أملسًا يلمع تحت أشعة الشمس.
وأضافت: هذه القطعة ستعطي زوارنا رؤية مذهلة للمظهر الذي كان يبدو عليه أقدم بناء على وجه الأرض.
[caption id="attachment_180383" align="alignnone" width="700"] تشارليز بيازي سميث[/caption]
كما أوضحت عبر حسابها الرسمي على "تويتر"، أن تاريخ تدشين المعرض لم يتم تحديده جزافاًس، وإنما يأتي بمناسبة مرور 200 عامٍ على ولادة عالم الفلك الإسكتلندي تشارليز بيازي سميث (1819م)، صاحب أول محاولة مسح أثري للهرم والرجل الذي أتى بالحجر لإسكتلندا، مشيرة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يُسمح فيها بعرض "حجر الكسوة" علناً.
كتب الباحث الأثري وسيم السيسي، أن مَنْ دمّر "كسوة الهرم" هو قراقوش وزير صلاح الدين الأيوبي، من أجل توفير حجارة كافية لبناء أحد أسوار القلعة، مؤكداً أن النقوش التي كانت مكتوبة عليها كانت كافية لملء عشرات الألوف من الكتب لكنها ضاعت بسبب "جهل الغزاة".
من دمّر الكسوة؟
كتب الباحث الأثري وسيم السيسي في مقالة له، أن من دمّر "كسوة الهرم" هو قراقوش وزير صلاح الدين الأيوبي، من أجل توفير حجارة كافية لبناء أحد أسوار القلعة، مؤكدًا أن النقوش التي كانت مكتوبة عليها كانت كافية لملء عشرات الألوف من الكتب لكنها ضاعت بسبب "جهل الغزاة". إلا أن "كريم" في كتابه يبرئ وزير فاتح القدس من هذه التهمة، وأنها إنما حدثت بسبب زلزال عنيف أصاب مصر عام 1301م، مستندًا في ذلك إلى شهادة "بالدنسل" أحد الرحالة المغاربة الذي حكى عن زيارته لمصر ومطالعته الكسوة ووصفه لها، رغم أنه زار البلاد بالقرن الـ14 الميلادي أي بعد الفراغ من بناء القلعة (1176م) ووفاة قراقوش نفسه (القرن الـ12 الميلادي) بعشرات السنوات. ويوضح "بالدنسل"، أن جُل ما اقترفه الحكام العرب بحق هذه الأحجار المتساقطة، هو أنهم استخدموها لبناء بيوتات القاهرة وجوامعها التي تصدّعت بفِعل الزلزال المذكور، فيما يضيف الدكتور مصطفى محمود في إحدى حلقات برنامجه "العلم والإيمان"، أن بعض أسوار أحياء القاهرة العريقة لا تزال تضمُّ حتى الآن حجارة جيرية عليها الرسوم الفرعونية.كيف خرجت من مصر؟
تقول المتحدثة بِاسم المتحف الإسكتلندي لـ"رصيف 22"، إن الأثري واينمان ديكسون عثر عليها ضمن كومة بقايا أحجار تجمعت بالمنطقة من جراء مخلفات إنشاء طريق نفذته الحكومة المصرية عام 1869م. وأكدت أن "ديكسون" كان يعمل بالمناصفة مع عالم الفلك الإسكتلندي تشارليز بيازي سميث، وفي البرنامج التنقيبي الذي بدأ حول الهرم الأكبر عام 1865م، وكل ذلك وفقًا لتصريح رسمي من الحكومة المصرية حينها من الخديوِ إسماعيل. وأنهت كلامها، بأن الصخرة ذهبت إلى إنجلترا بواسطة "ديكسون" بعد اكتشافها، لكن بعدها انتقلت إلى إدنبرة عن طريق "سميث" عام 1872م. ولا تُعد هذه هي القطعة الأثرية المصرية الوحيدة التي يعرضها المتحف، وإنما يضم بين جنباته أكثر من 6 آلاف غيرها، تشمل التماثيل والموياءات والجواهر والأثاث والتوابيت والأنسجة. بدأ جمعها منذ العام 1819م بفضل جهود البعثات الأثرية الإسكتلندية في مصر وقتها. أما عن الموقف الإسكتلندي، فقد اعترفت المتحدثة بِاسم المتحف بأنها تلقت اتصالات دبلوماسية بخصوص هذا الشأن من مصر، وأن فريق عمل المتحف يأخذ في الاعتبار هذه الطلبات. إلا أنها أكدت لـ"رصيف 22"، أنه بعد كل مراجعة كل الوثائق والأدلة التي بحوزتهم، هم متأكدون من أنهم يملكون حقًا قانونيًا لعرض الصخرة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين