أسغاس أمغاس، هذه العبارة الأمازيغية تعني “عاماً سعيدا”، لو كنتَ من سكان المغرب العربي ولا سيما الجزائر أو المغرب ستسمعها اليوم في بعض المناطق يرددها الأمازيغ للتهنئة بالعام الأمازيغي الجديد 2969 الذي يصادف اليوم السبت الموافق 12 يناير/ كانون الثاني ويطلق عليه “يناير".
يعد الاحتفال بـ "يناير" إرثاً تاريخياً للأمازيغ الذين يبذلون جهوداً وتضحيات كبيرة للحفاظ على هويتهم وثقافتهم الأصلية من الاندثار، ويعني اسم (يناير) بالأمازيغية "إخف أوسغاس" (رأس السنة) أي أول شهر في التقويم الفلاحي أما كلمة الأمازيغ فتعني بلغتهم (الأحرار النبلاء).
ويتوزع الأمازيغ على عدة دول حول العالم غير أن أكبر تجمعاتهم توجد في الجزائر والمغرب وليبيا وتونس. وتوجد أعداد كبيرة منهم في فرنسا أيضاً، وبالإضافة إلى الاحتفالات التي تنظمها الجمعيات الثقافية التي تنشط لإبراز الثقافة الأمازيغية، تشهد العاصمة باريس اليوم السبت حفلاً غنائياً كبيراً بـ"بيرسي" أكبر قاعة في أوروبا، يحييه ثلاثة فنانين قبائل مشهورين وهم آيت منغلات وعلاوة والفنان القدير إيدير.
كيف يحتفل الأمازيغ بيناير؟
انقسم المؤرخون حول أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى فريقين، الأول يرى أن اختيار هذا التاريخ، 12 يناير/كانون الثاني من كل عام، يرمز إلى الاحتفال بالأرض والزراعة لذا تعرف بـ "السنة الفلاحية”، في حين يرجعه الفريق الثاني إلى إحياء ذكرى انتصار الملك الأمازيغي شاشناق على الفرعون المصري رمسيس الثاني في مصر.
وشاشناق هو القائد الأمازيغي التاريخي الذي اعتلى حكم مصر الفرعونية في العام 940 قبل الميلاد لكن تضارب الروايات بشأنه جعل بعض المؤرخين يرون قصته أسطورية بعض الشيء.
لكن ارتباط أغلب طقوس احتفالات "يناير" بالأرض والفلاحة يرجح الرواية الأولى. ففي الجزائر مثلاً يقام سنوياً كرنفال تقليدي تحت اسم "إيراد" يتنكر فيه الأهالي بالأقنعة ويتجولون في الأحياء السكنية مرددين أهازيج مصحوبة برقصات، أما الأمازيغ المغاربة فيضعون عصياً طويلة من القصب في الحقول تفاؤلاً بمحصول زراعي جيد ويقطف الأطفال الزهور وهم يرتدون ملابس جديدة حالقين رؤوسهم.
طقوس عامة وخاصة
في "يناير" تلتقي العائلات وتتبادل الزيارات وتتجمع حول مائدة من أطباق تقليدية وعادة ما يذبح الأمازيغ ديكاً عند غروب شمس آخر يوم في السنة ليصبح طبقاً رئيسياً لعشاء يوم العيد.
لكن بعض الأسر في الجزائر تفضل إعداد الكسكسي والشرشرم والشخشوخة والرفيس كما تحرص على تحضير الخبز بالأعشاب وتناول المكسرات والفواكه المجففة و توزيع الحلوى على الأطفال، مع الامتناع التام عن تناول أي شيء مرّ عشية العام الجديد تفاؤلاً بالخير في السنة الجديدة.
إلى جانب الطقوس العامة المتميزة بارتداء الملابس الجديدة والتي عادةً ما تكون من التراث وإقامة الحفلات الغنائية الراقصة وتبادل الزيارات، تتميز بعض الطقوس الخاصة من منطقة إلى أخرى ففي منطقة “القبائل” (شمال شرقي الجزائر) يتم حلق شعر المولود الذي يبلغ سنة واحدة من العمر وتخصص له أجمل الثياب ويوضع داخل قصعة (إناء واسع) وتلقى فوقه الحلويات والسكر والبيض اعتقاداً بأن ذلك يجلب الحظ له.
وفي المحافظات الغربية، تقوم العائلات بإعداد طبق "الكسكسي" باللحم والبيض وكذا الحلويات التي ترمى على أصغر فرد في الأسرة حتى تكون السنة الجديدة فأل خير وبركة عليه حسبما يعتقدون، أما عائلات شرق الجزائر فتنظم سهرة خاصة توضع فيها "التراز" ( عبارة عن مزيج من الحلويات والمكسرات والتمور) والفول السوداني والشاي على الطاولة.
أما الأمازيغ في المغرب، فاعتادوا في بعض المناطق إعداد وجبة "تاكلا"، التي يتم تحضيرها بمشاركة طاقم يتكون من نسوة العائلة في بيت الجد أو الجدة، وهي ترمز إلى التآزر والتضامن لكونها تقدم في إناء دائري مشترك، ويتقاسمها أفراد الأسرة لديهم، كما تعبر عن مواساة الطبيعة في ألمها تلك الليلة التي تتمخض عنها سنة جديدة وتعتمد بالأساس على الغلال التي ينتجها الفلاح الأمازيغي البسيط في مزارعه، كما تعكس ارتباط الإنسان الأمازيغي بأرضه.
وتعرف "تاكلا" في مناطق أخرى من المغرب "تاروايت" وعند الناطقين بالعربية "الثريد أو العصيدة”، فيما تفضل أسر أمازيغية مغربية أخرى تحضير أطباق مثل "أوركيمن" و"إينودا" والكسكسي بالدجاج أو اللحم بسبعة أنواع من الخضر أو أكثر.
"يناير" الرسمي في الجزائر
الجزائر هي أول دولة في شمال أفريقيا تقر رأس السنة الأمازيغية عطلةً رسميةً، بعد إصدار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017 قراراً باعتبار 12 يناير/كانون الثاني من كل عام عطلةً وطنية رسمية ومدفوعة الأجر في إطار جهود الدولة الرامية إلى الحفاظ على التراث الأمازيغي. حيث اعترفت الجزائر دستورياً في 2016 باللغة الأمازيغية "لغةً رسمية" إلى اللغة العربية الرسمية للبلاد.
وعكس إقرار "يناير" عطلة رسمية اعتزاز الجزائريين بهويتهم وأصولهم كما أنصف الجزائري الأمازيغي الذي كان يشعر أنه مهمش.
واحتفل الأمازيغ الجزائريون العام الماضي لأول مرة بالسنة الفلاحية 2968 بنكهة رسمية كما أطلقت وزارة الثقافة الجزائرية "أسبوع التراث الأمازيغي"، من 6 إلى الـ15 يناير، في مختلف محافظات البلاد الـ48 كما أعلن وزير الرياضة والشباب الهادي ولد علي تنظيم نشاطات رياضية وثقافية متنوعة في المحافظات من حفل فني ضخم شارك فيه ألف و500 شخص وسوق “يناير” لعرض المنتجات الحرفية والشعبية التقليدية.
وتزينت الساحات الثقافية والعمومية بمعارض تقدم أنواعاً مختلفة من الحلويات والمأكولات الشعبية والألبسة التقليدية والحلي وغيرها.
وشهد العام 2018 مكاسب أخرى للأمازيغ في الجزائر حيث أعلنه وزير الثقافة عز الدين ميهوبي عاماً لإحياء "التراث الثقافي الأمازيغي".
وعكف باحثون على كتابة الإرث الشفهي الغني بالحكايات والأمثال الشعبية والأشكال الشعرية ومن بينها "إيزلي" وهو نوع من الشعر الغزلي، و"الأهليل"، بالإضافة إلى القصائد الملحمية والسياسية والفلسفية.
يعد الاحتفال بـ "يناير" إرثاً تاريخياً للأمازيغ الذين يبذلون جهوداً وتضحيات كبيرة للحفاظ على هويتهم وثقافتهم الأصلية من الاندثار، ويعني اسم (يناير) بالأمازيغية "إخف أوسغاس" أي أول شهر في التقويم الفلاحي أما كلمة الأمازيغ فتعني بلغتهم (الأحرار النبلاء).
انقسم المؤرخون حول أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى فريقين، الأول يرى أن اختيار هذا التاريخ، 12 يناير/كانون الثاني من كل عام، يرمز إلى الاحتفال بالأرض والزراعة لذا تعرف بـ "السنة الفلاحية”، في حين يرجعه الفريق الثاني إلى إحياء ذكرى انتصار الملك الأمازيغي شاشناق على الفرعون المصري رمسيس الثاني في مصر.
في "يناير" تلتقي العائلات وتتبادل الزيارات وتتجمع حول مائدة من أطباق تقليدية وعادة ما يذبح الأمازيغ ديكاً عند غروب شمس آخر يوم في السنة ليصبح طبقاً رئيسياً لعشاء يوم العيد. لكن بعض الأسر في الجزائر تفضل إعداد الكسكسي والشرشرم والشخشوخة والرفيس كما تحرص على تحضير الخبز بالأعشاب وتناول المكسرات.
مساعي مغربية للاعتراف رسمياً بـ"يناير"
وخصصت مدينة مليلية (مدينة إسبانية ذاتية الحكم تقع في التراب المغربي) دعماً مالياً بقيمة 14 ألف يورو لدعم احتفالات رأس السنة الأمازيغية الجديدة وسمحت باستغلال "ساحة الثقافات" وسط الثغر المحتل لإبراز عادات وتقاليد وطقوس الأمازيغ.
ويحتفي الأمازيغ المغاربة هذا العام بـ"يناير" وسط مطالب في المغرب بأن تصبح عيداً وطنياً أسوةً بالجزائر وهو المطلب الذي وعد رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني بدراسته، رغم أن المغرب سبق الجزائر في الاعتراف باللغة الأمازيغية واعتبارها لغةً رسميةً للبلاد في 2011، كما يطالب الأمازيغ في ليبيا باعتراف مماثل بلغتهم وعيدهم الأهم رأس السنة الفلاحية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين