الشحّاطات: تعتبر "الشحاحيط" من وجهة نظر مصوري الفوتوغراف الأوروبّيين أو الغربيّين مادةً دسمة للتصوير في مخيّمات اللجوء السورية، أو في بلدانِ أفريقيا التي تتعرّض للمجاعات والجفاف باستمرار. صور كثيرة كهذه نالت جوائز عالمية، فهي دلالةٌ على بؤس السكّان ومدى فقرِهم وحاجتهم، فهاهم ينتعلونها في عزّ الشّتاء، حيث الأمطار والثّلوج، ولا شيء يدفئهم؛ من أبرزها تلك الصورة التي تمثّل قدميْ طفلٍ في فردتيْ "شحاطة" مختلفتين ومهترئتين، وبأظافرَ متّسخة. لكن قراءة مدلولات الروامز تختلف كثيراً بين الثقافتين؛ فالسوريّون معتادون على انتعال "الشحاطة" صيفاً شتاءً. تراهم يخرجون في عزّ كانون لشراء حاجياتهم أو لقضاء الزّيارات، طواقٍ صوفية تغطي رؤوسَهم، أمّا في القدمين فـ"شحاطة" تطلّ منها أصابعُ قدمين حمراء تكاد تتجلّد. وينطبق هذا الأمر على جميعِ السوريّين رجالاً ونساء واطفالاً، باستثناءات نادرةٍ وقليلة؛ بينما في الثّقافات الأخرى يشكّل هذا المظهر سلسلة من التعاطف الأوروبي يصل حدَّ الإغماء. تخيّلْ مثلاً ألمانيّاً في "شحاطة" بلاستيكية يتمشّى وسط برلين في شهر شباط حيثُ الثّلج يغطّي الطرقات لأمتار. لا يمكن تصوّر ذلك إلا إنْ كان من أصولٍ سورية. فما بالك بسويديّ أو فنلديّ؟ وهنا تكمن إشكالية قراءة الرّوامز والبحث عن دلالاتها، أو الإرسال والتلقّي، فكلّ يتلقّى الرامزة ويفكّ شيفرتها حسب ثقافته. ثمة ظاهرة أخرى تتعلق باستعمال "الشحاطات" البلاستيكية حصراً في الدوائر الرسمية السورية، وتشمير البنطلون، وإسدال منشفة على الكتف تتدلى بين الصدر والظهر أثناء انتقال الموظّف من مكتبِه إلى الحمّام للوضوء، تحت مرأى زملائِه والمراجعين والإدارة، ثمّ رجوعه تاركاً خلفه آثار أقدام مبتلّة. قد يقرأ الأوروبّيون هذه الدلالةَ كخللٍ في المسلك الاجتماعي العام تتسبّب بصدمة نفسية عنيفة للرأي العام العالمي، أما السوريون فسيقرؤونها بطريقتِهم الروحانية المتّكلة على الله دوماً: -"تقبّل الله"! فيردّ صاحب "الشحاطة"، وهو يلفّ السجّادة الصغيرة خلف مكتبِه، وفي منتصفه أحياناً: -"منا ومنكم صالح الأعمال"! أما في ممالكِ النّفط كالسعودية، وجارتنا الدولة الإسلامية في الشام والعراق المصدّرة حديثاً للنّفط أيضاً، فتعتبر "الشحاطة" وخاصة النسائية مصدراً خطيراً للفتنةِ والإغراء يهدّد أمن الدّولة من مبدأ "السكس بيجي من أصابع الرجلين"! فإلى أين سيؤول الأمرُ إن كانت هذه الأصابع ذات الأظافر الصغيرة مطليّة بالمناكير القرمزي؟ سقوط الدولة وانهيارها بكل تأكيد. البوط العسكري: إنه بطل المرحلة بكل امتياز. فقد شُيّد تمثالٌ للحذاء العسكري في إحدى المدن السورية، إضافة للإعلانات الطرقية المنتشرة بكثرةٍ، تمثّل حذاءً عسكري تحت سلوغن "نْداوي جراحكُن". بالطّبع كان الهدف من استخدام هذه الرامزة نبيلاً؛ حيث يفترض أن تشيرَ دون جدالٍ إلى هيبة الجيش السوري وتقديسِ المواطنين لمنجزاته، ولكن اختلفت قراءةُ الدلالات بين المواطنين؛ فكان جدالٌ شغل الصفحاتِ الفيسبوكية لأيام طويلة. بعضهم يقول: "الصبّاط العسكري على راسنا"، ويقول الآخر: "بدكُن تداوونا بالصرماي؟". وهنا تكمن الإشكالية في خلل آلية الإرسال والاستقبال واختلاف قراءتها بين مواطن وآخر. أحذية بكعوبٍ شاهقة الارتفاع: وتُقسم إلى نوعين: -للقصيرات العاديات اللواتي يعانين من عُقد نقص من طولهن؛ وتأتي بألوان ترابية، دون بهرجةٍ زائدة. -وأخرى مزيّنة بالستراس والبرّيق والفوانيس السحرية الصغيرة "طفّي الضّوْ، والحقني"، وذات ألوان صارخة، مخصّصة لممتهنات المِهن الفنية الغنائية والراقصة في كازينوهات النّسيم آخر جرمانا الصامدة. وما أكثرها! هذا الحكم بتزايدِ ممارِساتِ المهنة لم يأت من فراغ، بل يستند إلى زيادة نسبة معروضات هذا النوع بالذات في واجهات متاجر الأحذية. لكنّ بعضَ المتموضات من "الفتيات العاطلات عن العمل الباحثات عن عريس سريع وإلخ.."، ذوات الذوائق الجمالية المختلّة، لجأن إلى النوع الثاني؛ ممّا سبب خللاً جذرياً في قراءة هذه الرامزة. وكوننا شعباً يطبّق في أحيان كثيرة نظرية "الحكم على الآخر من خلال حذائه"، كان التشويش التام؛ هل هي عاهرة أم متموضة؟ هل تسطيع طلبَ رقمها لمواعدتها من دون أن تتسبّب بإحراجك في الشارع؟ أحذية الأطفال: سيئة الصنع بالعموم؛ أكثر أنواعها تميزاً هي تلك التي تضيء وتصدر صوتاً أثناء المشي يزعج المحيطين. إضافة للـ"شحاطات" البلاستيكية متعدّدة الموديلات والألوان، لكنّ الكحليّ تحديداً هو السائد. الأحذية الرخيصة: بعد إغلاق معامل حلب للأحذية، والاعتماد على المستوردات في الدّاخل، والتصدير بنوعيةٍ وجودة عالية إلى الخارج، باتت معظمُ الأحذية السورية المحلّية الصنع حزينة، تشير إلى حالِ صاحبها دون الاضطرار للنّظر في وجهِه أو في عينيه؛ ما يميّز قدرتَها على التسبّب بأكبر ضررٍ ممكن للقدمين المسكينتين، قبل أن "تفرط" نهائياً أثناءَ سيرِك في أحدِ الشوارع، ولا تعود قابلة للإصلاح. الأحذية الصينية: منتشرة على كافّة البسطات في طرقات دمشق وما تبقّى من المحافظات السورية. تتميّز بسعرِها الرّخيص نسبيّاً مقارنة بالصّناعات المحلية القليلة، وبعُمرِها الافتراضيّ القصير جداً. حول الكعّابيات والنعل والترقيع والخياطة: وهي آليات إسعافية ووقائية، تتبعها شريحةٌ واسعة من المواطنين السوريين اليوم. الأحذية الأوروبية المستوردة (بالة): هنا تكمن الجودة والخدمة الطويلة (لدرجة التوريث)، والأسعار المتهاونة، إلا أنّ ارتفاع سعر الدّولار أخرجها من دائرة "في متناول جميع الفقراء". أحذية وكالات الماركات العالمية (Made in china): وتتراوح أسعارها بين التسعة آلاف والخمس وثلاثون ألف ليرة سورية؛ أي راتب موظف في الدولة بحسب سنين الخدمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...