شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
السودان: احتفالات رأس السنة في ظلّ قمع الدولة البوليسية

السودان: احتفالات رأس السنة في ظلّ قمع الدولة البوليسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 4 يناير 201912:56 م

"ليلة عيد الاستقلال في الخرطوم، أو بالأحرى ليلة رأس السنة الميلادية لعام 2019 كانت مختلفة عن أي عام مضى. الجميع منشغل منذ الصباح في متابعة تطورات الأوضاع في العاصمة والأقاليم، فكما تعلم عزيزي القارئ، فإن "مدن السودان تنتفض". أمّ لعلك لم تنتبه للخبر، مما يجعل ما قاله صديقي صحيحًا: "حظ غريب، موكب 25 ديسمبر في مليون خبر حدث ومنشور معاه و موكب 31 جاء مع رأس السنة".

رأس السنة الميلادية على طريقة الخرطوميين

في العادة تكثر احتفالات آخر ليالي العام. قبل عامين كنت في حفل بعيد عن مزاجي الشخصي لكن الرفقة أهم، دعاني أخي وزوجته إليه، ترددت قليلاً لكنني ذهبت، فغالبًا ما أمضي هذه الليلة في المنزل بكسل.

سواء كنت تحب الموسيقي الصاخبة لفنانين شباب، أو حفلاً بأوركيسترا وعازفين ومطرب من العيار الثقيل أو حتى تهوى الموسيقى الغربية وتبحث عن دي جي فيزيكس، فرأس السنة لن يخذلك. عليك فقط أن تخشى مزاج العسكر في دولتنا البوليسية التي قد ترصدك في طريق العودة أو تداهم الاحتفال لسبب من الأسباب الكثيرة غير المفهومة لأي شخص عاقل.

قبل عشرة أعوام، كان شكل من أشكال الاحتفال هو التراشق بالماء أثناء التجول بالسيارات عبر شوارع الخرطوم الرئيسية، شكل من المرح غير المضر، أغسل سيارتك في اليوم التالي وسترجع كما كانت. فعلتها مرة أو مرتيْن خلال سنوات الدراسة وتبللت ملابسي في سبيل ضحكات وفرح قصير نمرره خلسة عن أعين النظام الساخط. الشرطة أوقفت ذلك على اعتبار أنه تخريب وفوضى، و انضمت فعالية الماء إلى قائمة الممنوعات.

رأس سنة ثوري

هذا العام، تم إلغاء أغلب الحفلات و ترددت إشاعة عن فرض حظر تجوال ليلي يعقب موكب 31 ديسمبر الذي دعت له المعارضة متمثلة في كيان "تجمع المهنيين السودانين".

التراشق لم يكن بالماء الممنوع بل بالغاز وتم مبكراً في النهار بالتزامن مع الحراك في الشارع حيث حيّت الشرطة العسكرية و قوات الأمن المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع وبعض الرصاص أيضاً. كالبخور انتشر في الأجواء، و تأكد العسكر من توزيعه جيدًا على المارة المنطوين تحت شعارات الثورة وغيرهم عبر تقاطعات السوق العربي الكثيرة كسيدة تبخر بيتها حجرة تلو حجرة، حتى أنهم لم يلاحظوا مرورهم بشارع المستشفى في وسط المدينة ولا أن هنالك مستشفيات من بينها مستشفى الأورام. الجميع استنشق الغاز من متظاهرين وأطباء و مرضى.

الإعلام والاحتفالات والمظاهرات السودانية

بعد مرور أكثر من عشرة أيام على بداية الاحتجاجات الشعبية ورغم تصاعد وتيرتها، نجد أن الإعلام في السودان يصمت تبعاً للتعليمات، والقنوات العربية تتحدث باقتضاب. تصرّ أمي على فتح "قناة الجزيرة"، فهي "رائدة الربيع العربي ومنبر الثورات"، حسبما تعتقد! شخصيًا، لا أعوّل عليها وأراقب قنوات تلفزيونية أخرى أعتبرها أكثر "حيادية". و لغرض مجهول، تعتني بنا "قناة الشرق" وأنظر لها بريبة، وبذلك يقف الإخوان المسلمين ضد نظام هو منهم.

بالإضافة لعلاقات الدول وتوجهاتها التي تصبغ إعلامها الرسمي، لم أُدهش من حديث عمرو أديب عن مظاهرات السودان كشأن داخلي لا يعني المصريين، ما الذي أتوقعه فعلاً من إعلام عصر السيسي الصديق للنظام؟

في ليلة رأس السنة،على إشارات المرور والمنعطفات الجانبية وجود كثيف لرجال دولتنا البوليسية ملثمين يرتدون ملابس مدنية ويحملون السلاح. يعمل هؤلاء في تلك الساعة المتأخرة لزرع الخوف ونزع خيط الفرح الرفيع الخجول.
هذا العام، تم إلغاء أغلب الحفلات و ترددت إشاعة عن فرض حظر تجوال ليلي يعقب موكب 31 ديسمبر الذي دعت له المعارضة متمثلة في كيان "تجمع المهنيين السودانين".
زوال النظام و سقوطه من رأسه حتى أطرافه الشديدة الهامشية من أولئك العساكر الصغار الذين ودعوا العام بقنابل الغاز المسيل للدموع، هو ما سيجعل هذا العامّ كما نريده، عندها سنحتفل برأس السنة والاستقلال من جديد وبفرح سُرق منا ومن شبابنا الذين ماتوا بحثًا عن غدٍ حرّ ومشرّف.

أشباه فرح

بعد منتصف الليل بقليل، حسب رواية أحد الشهود من أصدقائي الفضوليين، الذين خرجوا للتجوّل في شوارع حي الرياض، في المنطقة التي تجد فيها أثرياء المدينة من النظام، تجاراً نزيهين ومهاجرين سابقين. بين الإضاءة  للمحالّ التجارية التي ما زالت تعمل والمطاعم، هنالك فتية يلهون بألعاب نارية في محاولة إحياء ليلة رأس السنة، آخرون يشترون وجبة عشاء وأصدقائي ومن يشاركهم الفضول يتجولون بسياراتهم ويعودون للشكوى من اليافعين عديمي مراعاة شعور الجموع. على إشارات المرور والمنعطفات الجانبية وجود كثيف لرجال دولتنا البوليسية ملثمين يرتدون ملابس مدنية ويحملون السلاح. يعمل هؤلاء في تلك الساعة المتأخرة لزرع الخوف ونزع خيط الفرح الرفيع الخجول، يطلب منك أيّ منهم أوراقك الرسمية، رخصة القيادة أو قد يأمرك بالترجل من السيارة لتفتيشها… نحن لا ينبغي أن نتساءل عن عملهم فهم باختصار ممثلو النظام و لهم أن يكونوا شرطة مرور ومكافحة المخدرات ومكافحة شغب في نفس اللحظة.

أمنية سقوط النظام

في آخر ساعة من العام، حاولت البحث عن ملامح احتفال في التلفاز إلّا أن بالي مشغول و تركيزي يتحول بسرعة عما أشاهده لصورة الشاب الذي سقط في النهار مصاباً بطلقة في الرأس. مرهقة عدت لفتح الوسم على تويتر "مدن السودان تنتفض". راجعت الصور التي بحوزتي و أصوات المتظاهرين و الهتافات، و غمرتني فكرة واحدة. زوال النظام و سقوطه من رأسه حتى أطرافه الشديدة الهامشية من أولئك العساكر الصغار الذين ودعوا العام بقنابل الغاز المسيل للدموع، هو ما سيجعل هذا العامّ كما نريده، عندها سنحتفل برأس السنة والاستقلال من جديد وبفرح سُرق منا ومن شبابنا الذين ماتوا بحثًا عن غدٍ حرّ ومشرّف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image