شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
التحريمات الجنسيّة في عالم القرود والبشر

التحريمات الجنسيّة في عالم القرود والبشر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 11 يناير 201904:09 م

ضربت الإنسان ثلاثة جروح نرجسية في عقائده الوجودية، غيّرت قناعاته المستقرّة بأنّه ابن السماء المدلّل والذي لأجله خُلق الكون! الجرح الأوّل كان مع غاليليو غاليلي الفيزيائي والفيلسوف الإيطالي، عندما صرّح بأن الأرض تدور حول الشمس، ولأجل ذلك حاكمته الكنسية ومن ثمّ اعتذرت له بعد أربعة قرون. الجرح الثاني كان مع داروين الذي نبّه إلى أن الإنسان ينحدر من كائن مشعر أقرب للقرد وذلك في كتابه (أصل الإنسان)، والذي نشر عام 1871 بعد إثني عشرة سنة من كتابه (أصل الأنواع بطريق الانتخاب الطبيعي)، حتى أن زوجة أحد الأساقفة صرحت معلّقة على نظرية داروين التي يعارض فيها النظرية الدينية التي تقول بخلق الإنسان من طين على يد الإله: "لنأمل ألا يكون ذلك صحيحًا. أمّا إذا كان كذلك، فلندع الله ألا يعرفه الجميع".

لم يتحقق دعاء زوجة الأسقف وانتشرت نظرية داروين كالطاعون حتى صرنا ننتج أفلامًا، تتصوّر كوكب الأرض وقد حكم من قبل القردة، بعد أن تابعت تطورها حتى غدت ذكية عاقلة مثل الإنسان. أمّا الجرح الثالث، فكان على يد سيغموند فرويد الذي أقام نظريته في التحليل النفسي على جوهرية اللاشعور في حياة الإنسان، وأنّ العقل والإرادة التي تفاخر بهما ديكارت ومن بعده عصر الأنوار محكومان باللاشعور؛ هذا المحيط الغامض الذي لا نعرف عنه سوى زلّات اللسان.

إنّ البحث في جذور نشأة الإنسان الغامضة قادت علماء البيولوجيا وعلماء السلوكيات لدراسة القرد، القريب المبعد، الذي بدأ يطالب بحقوقه والاعتراف بدوره في درب ظهور الكائن البشري على الكرة الأرضية. وهكذا تنحى King Kong الغوريلا الضخم الذي أغرم بأنثى بشرية والسعدان (شيتا) صديق طرزان في الغابة عن بؤرة الاهتمام، ليبدأ البحث في سلوكيات القردة وخاصة التحريمات التي صبغت الوجود البشري وعلاقاته الاجتماعية، وخاصة الأسروية، وبالخصوص التحريمات الجنسية، فهل لجنس القرود تحريمات بهذا الخصوص!؟

قد يكون السؤال نوعًا من السخرية الجادة، لكن الكثير من الأمور بدأت هكذا حتى أنّ علم الإحصاء نشأ من رغبة لاعبي القمار بأن يعرفوا الأرقام الرابحة المتكررة!

أقرباؤنا القرود

إنّ قرد الجيبون يكتفي بزوجة واحدة وعلى الرغم من أنّه أقل القردة ذكاء، إلّا أنّه يستطيع أن يُفهم قردًا آخر بأن يبقى بعيدًا عن زوجته، فقرد الجيبون يكتفي بشريكة واحدة، على عكس الغوريلا والشامبانزي وقرد البابون، متعددي العلاقات، حيث أنّ أنثى الغوريلا لا تمنع قردًا ذكرًا آخرَ من الاقتراب وقضاء وطره منها خلال دورتها النزوية. يرجع العلماء إلى أن أنثى قرد الجيبون ليس لها دورة نزوية متعلّقة فقط بقضية الحمل، فهي أقرب لأنثى الإنسان بدورتها الشهرية وبالتالي يجد ذكر قرد الجيبون الأمر أسهل له بالاكتفاء بشريكة جنسية دائمة متوفرة دومًا لرغباته الجنسية، بدلًا من الدخول في منافسة شرسة مع قردة آخرين للفوز في يانصيب السنة الجنسي.

إنّ إرنست هايكل/ Ernest Haekel شارح نظرية داروين لغير المختصين هو من أشاع فكرة أنّ قرد الجيبون هو قريب الإنسان الذي نبحث عنه في عالم القرود، بناء على قاعدة الاكتفاء بزوجة واحدة والتي تتشابه مع المؤسسة الأسرية في الغرب.

لم يبق قرد الجيبون طويلًا المرشح الأقوى لقرابتنا من عالم القردة، فقد أصبح الشامبانزي المرشّح المفضَّل للعلماء وخاصة بعد ظهور التقارب الكبير بين جيناته وجينات الإنسان، والأهم من ذلك الذكاء الذي يبديه قرد الشامبانزي وقدرته على استخدام الأدوات سواء للصيد أو الدفاع أو الحصول على الغذاء، بالإضافة إلى نظام اتصال لغوي يؤمن له تبادل الانفعالات والمعلومات، هذا النظام متطورٌ جدًا عن قرد الجيبون الذي يعتبر أكثر القردة ثرثرة إلّا أنه برأي علماء اللغات التواصلية لا قيمة تذكر لتلك الثرثرة الصوتية.

التحريمات الجنسية في عالم القرود

هناك معتقد عام، بأنّ الحيوانات لا تعرف تلك التقييدات الجنسية، التي تنشأ بين الأب وبناته، والأم وأبنائها، ومع ذلك للقرود ما يشي بتلك القوانين التحريمية التي ضبطت العلاقات الجنسية البشرية، وهكذا نرى أنّ قرد البابون لديه نظام للتزواج يمنع بشكل عملي خرق التحريمات الأسربة، فقد لاحظ علماء الحيوان الذين كان يراقبون ثلاث مجموعات من قرود البابون بأنّه خلال سبع سنوات قد تم انتقال خمسة عشر ذكرًا من مجموعاتهم إلى مجموعات أخرى بعيدة حتى لا يتزاوجوا مع إناث من أسرتهم، أمّا القرود الذكور الشباب الذين لم ينتقلوا، فلم يتزوجوا وكانت نهايتهم الموت أو الاختفاء.

ومتابعة لدراسة تلك التابوهات الجنسية، وجد علماء الحيوان أنّها موجودة بدرجات متفاوتة لدى قرود أخرى، فأنثى قرد المكاك تتحاشى أبناءها الذكور، ونفس الأمر لدى الشمبانزي، أمّا لدى قرد الجيبون المرشح الأول للقرابة، فقد وجد العلماء بأنّ قرد الجيبون/ الأب ينزو على ابنته عندما تفارقه زوجته، كذلك القردة الأنثى من قرود الجيبون، الميت عنها زوجها أو قد تركها تقبل أن ينزو عليها ابنها.

لم يبق قرد الجيبون طويلًا المرشح الأقوى لقرابتنا من عالم القرود، فقد أصبح الشامبانزي المرشّح المفضَّل للعلماء وخاصة بعد ظهور التقارب الكبير بين جيناته وجينات الإنسان، والأهم من ذلك الذكاء الذي يبديه قرد الشامبانزي
هناك معتقد عام، بأنّ الحيوانات لا تعرف تلك التقييدات الجنسية، التي تنشأ بين الأب وبناته، والأم وأبنائها، ومع ذلك للقرود ما يشي بتلك القوانين التحريمية التي ضبطت العلاقات الجنسية البشرية
وجد علماء الأنثروبولوجيا، أنّ التابو الجنسي العائلي، هو الأول في سيرورة الإنسان والسبب في ذلك بأنّ المجموعات البشرية التي تتزواج من مجموعتها الخاصة تطوّر تأقلمًا خاصًا بيبئة معينة، في حين أنّ المجموعات المفتوحة العلاقات، تحسّن قدراتها على التأقلم مع جميع الظروف

الجينات والتحريمات

في مقارنة بين فأر البراري وفأر الحقل وجدت دراسة علمية بأن فأر البراري يمتاز بإخلاص منقطع النظير لأنثاه على عكس فأر الحقول، وقد حاول العلماء إيجاد حلّ لتلك المفارقة، وقد توصلوا إلى شبهة حلٍ متعلّق بالهرمون "فاسوبريسين" وهذا الهرمون يؤثر على الترابط والتعاطف والثقة الجنسية بين الشريكين، ومن هذا المنطلق استنتجوا أنّ الخيانة قضية جينية، لكن علماء آخرين رفضوا ذلك، وإن كانت 20% من الطبائع والصفات تورّث، لكن من يحزر كيف تعمل!؟

وجد علماء الأنثروبولوجيا، أنّ التابو الجنسي العائلي، هو الأول في سيرورة الإنسان والسبب في ذلك بأنّ المجموعات البشرية التي تتزواج من مجموعتها الخاصة تطوّر تأقلمًا خاصًا بيبئة معينة، في حين أنّ المجموعات المفتوحة العلاقات، أي التي تسمح بزواج الأباعد من المجموعات الغريبة تحسّن قدراتها على التأقلم مع جميع الظروف، فعلى ما يبدو أنّ الجينات تعمل عملها، بانتقاء الأصلح كما قال داروين وذكرته ري تاناهيل في كتابها "قصة الجنس عبر التاريخ".

إنّ التحريمات التي ذكرناها لدى القرود، ليس الهدف منها إيجاد التشابه بين الإنسان والقرد، فتلك مقارنة لا طائل منها، لكن لندرك أنّ التحريمات قضية تطورية تهدف إلى تطوّر الكائن البشري، لا لتجعله سجينًا في قوقعة المقدس، فالجينات – إن صحّ القول- تدرك بغريزتها الأصلح، ويوما قال رينيه جيرار في كتابه "العنف المقدس" بأن نوعًا من السمك إن لم يجد عدوّه الطبيعي، يرتد على عائلته فتكًا بها، ونحن كهذا السمك يجب أن لا نتوه عن عدونا الطبيعي والذي هو الجهل؛ كي لا نرتد على ذواتنا فتكًا بها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image