رفض الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الإدلاء بإفادته، الأربعاء، قبل الحصول على إذن من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القضية المعروفة إعلامياً بـ "اقتحام الحدود الشرقية"، عُرفت سابقاً باسم قضية "اقتحام السجون"، المتهم فيها الرئيسي هو الرئيس السابق محمد مرسي و28 آخرون، زاعماً أن ما لديه من معلومات يمس "أمن الدولة وأسرارها العسكرية"، لكنه استجاب لطلب القاضي بالإجابة عن بعض المسائل غير الحساسة.
مبارك قال لهيئة المحكمة "أرجوكم عايز (أريد) إذن عشان مرتكبش مخالفة وأطلع من هنا أدخل حتة تانية (يقصد السجن)"، وأكد أن لديه "معلومات مهمة لم يذكرها أحد من قبل"، لكنه طلب إذناً من القوات المسلحة (الجيش) والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، قبل الإجابة على بعض الأسئلة مؤكداً أن شهادته "قد تنتهك معلومات سرية تتعلق بالأمن".
مبارك الذي يتهمه "ثوار يناير 2011” بالوقوف وراء قتل متظاهرين قبيل تنحيه عن الحكم رغم تبرئة القضاء له، دخل المحكمة متكئاً على عصا، مرتدياً بذلة أنيقة وأمامه نجلاه علاء وجمال، في مشهد أثار ردود أفعال شديدة التباين من قبل مؤيديه ومعارضيه، فيما جلس الرئيس السابق محمد مرسي داخل قفص الاتهام، في أول مواجهة بين الرئيسين منذ الثورة، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها محكمة مصرية مواجهة بين رئيسين سابقين.
ورغم أن مبارك وقف ثابتاً عند منصة الشهود في القضية التي تعاد فيها المحاكمة، إلا أن القاضي محمد شيرين فهمي رئيس الدائرة 11 إرهاب بمحكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة، أمر بإحضار مقعد له قائلاً: "لاحظت المحكمة أن الشاهد طاعناً في السن ولا يقوى على الإدلاء بشهادته واقفاً"، حسب ما جاء في الجلسة التي بثتها قناة "صدى البلد" المصرية الخاصة وشهدت حضور جميع المتهمين.
وتخلف مبارك عن حضور الجلسة السابقة للقضية، وزعم محاميه فريد الديب آنذاك أن: "مبارك لا يزال برتبة فريق طيار في القوات الجوية، وينبغي استدعاؤه عبرها، لكن النيابة العامة المصرية أكدت في بداية الجلسة أنها تلقت إشعاراً رسمياً من قطاع الأمن الوطني بأن "مبارك شخص مدني ولا يتمتع بأي صفة عسكرية".
مبارك: لا أملك معلومات
أكد الرئيس الأسبق أن اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات العامة في نهاية فترة حكمه والذي أذاع خطاب تنحيه أيضاً، أبلغه أن "قرابة 800 شخص بملابس عسكرية تسللوا عبر الحدود الشرقية للبلاد عبر الأنفاق، وكان معهم أسلحة وسيارات صباح يوم 29 يناير2011" دون أن يوضح له جنسيات المتسللين، لافتاً إلى تسهيل بعض الأشخاص من شمال سيناء عبورهم.
كما تحدث عن قيام المتسللين بضرب رجال شرطة في العريش والشيخ زويد ورفح، وأقسام الشرطة وزعم أنهم "خربوها وقتلوا أفراداً من الشرطة".
ورفض مبارك الحديث عن دور جماعة الإخوان المسلمين في تسلل الغرباء عبر الحدود واكتفى بالقول إن "دورهم معروف"، موضحاً أن المتسللين "استعملوا السلاح وخربوا أقسام الشرطة، ثم انقسموا ودخلوا البلاد إلى مناطق مختلفة مثل السجون والميادين وأبرزها ميدان التحرير".
وأشار مبارك إلى أن المتسللين كان هدفهم الأول "إخراج المسجونين من حزب الله وحماس والإخوان"، وبعضهم الآخر اتجه إلى اعتلاء أسطح العمارات وأطلقوا النار على المتظاهرين، في محاولة منه لاتهامهم بقتل المتظاهرين وليس هو أو قوات الأمن الموالي له في تلك الفترة.
لوحظ أثناء إدلاء مبارك بشهادته تكراره جملة "لا أملك معلومات"، ما دفع المحكمة لسؤاله: كيف كان رئيس الدولة ولا يملك معلومات عن أحداث خطيرة، ليجيب بأنه كان يعرف "الأحداث لا التفاصيل والأشخاص".
وأوضح مبارك أنه لم يكن يعرف التفاصيل قائلاً: " لم أكن أشدد على معرفة التفاصيل، كنت أعرف الأمور العامة فقط مثل مهاجمة الشرطة والتسلل إلى العريش وتدمير المباني الأمنية والاعتداء على أقسام الشرطة".
كما لوحظ اعتماده على المفردات العامية، مثل كلمة "هيصه" أي فوضى لوصف الوضع أثناء الثورة، وهو الذي عرف عنه استخدامه اللغة العربية المنمقة في خطاباته و في ردوده على المحكمة إبان محاكمته.
مفاجآت من العيار الثقيل
ونفى الرئيس الأسبق مبارك تلقيه أي تحذيرات من اللواء حسن عبد الرحمن رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق، حسبما زعم الأخير في إفادته، بأنه يمكن أن يحدث في مصر ما حدث في تونس.
كما نفى علم الدولة بوجود أنفاق عديدة تمر من غزة تحت الأرض إلى داخل مصر، حسبما قال محمد نجيب مدير أمن شمال سيناء للمحكمة في جلسة سابقة، موضحاً أنه لم تكن لديه معلومات عن وجود أنفاق قبيل إخباره بشأن تسلل أجانب عبر الحدود الشرقية.
من المفاجآت التي شهدتها جلسة اليوم أيضاً، نفي مبارك سماعه أو علمه (نهائياً) بوجود "مخطط دولي" بين حماس وحزب الله وجماعة الإخوان المسلمين برعاية أمريكية وبمشاركة تركيا، بهدف إحداث حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد والاستيلاء على السلطة، تمهيداً لتسهيل تنفيذ استقطاع جزء من سيناء لمنحه للفلسطينيين للاستقرار وترك بلدهم للإسرائيليين، وهي النظرية التي تحدث عنها اللواء عبد اللطيف عامر مدير مباحث أمن الدولة بمحافظة شمال سيناء الحدودية خلال إفادته في القضية.
وفي نهاية شهادته قال مبارك: " كانت هناك مخططات كثيرة لكنني لا أستطيع التحدث عنها قبل الحصول على إذن".
البلتاجي يسأل ومبارك يرد
سمحت المحكمة لأحد المتهمين وهو محمد البلتاجي القيادي السابق بجماعة الإخوان، بتوجيه 4 أسئلة لمبارك (الشاهد)، ورفض مبارك الرد على أول سؤال حول التناقض بين أقواله بوجود تسلل عبر الحدود ونفي قائد الجيش الثاني الميداني فترة الثورة لهذا الأمر، وفي ما يتعلق بما فعله لتهدئة الثوار، أجاب مبارك أنه أرسل لجنة للتفاوض معهم لكن لم تكن لهم مطالب على حد زعمه ما جعله يدرك أنها "مجرد مؤامرة ومناورة".
وبالنسبة لسؤال البلتاجي عن دور القوات المسلحة في ردع المتسللين الأجانب ومواجهتهم، أكد مبارك أن القوات المسلحة كانت قادرة على ردعهم لكنهم استهدفوا الأٌقسام وتوجهوا للميادين ليضعوها في مواجهة مباشرة مع المواطن وهو ما لم تكن القوات المسلحة لتفعله أبداً، على حد قوله.
وكان سؤال البلتاجي الرابع " هل توافق أن أدعو اللهمّ من كان كاذبًا في ذلك اليوم خذ بصره واعمه ؟" ما اعتبرته المحكمة تجاوزاً وطالبته بالتوقف.
هذه أول مواجهة بين الرئسين السابقين حسني مبارك ومحمد مرسي منذ الثورة، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها محكمة مصرية مواجهة بين رئيسين سابقين.
سمحت المحكمة لمحمد البلتاجي بطرح أربعة أسئلة على مبارك، لكنها منعته من أن يدعو عليه " هل توافق أن أدعو اللهمّ من كان كاذبًا في ذلك اليوم خذ بصره واعمه ؟"
يواجه المتهمون في قضية “اقتحام السجون” عدة تهم من بينها، اقتحام الحدود الشرقية للبلاد والاعتداء على المنشآت الأمنية وقتل ضباط شرطة إبان ثورة يناير بالاتفاق مع حزب الله بمعونة عناصر مسلحة من الحرس الثوري الإيراني.
تفاصيل القضية
يواجه المتهمون في القضية رقم 56460 لسنة 2013 المعووفة بـ “اقتحام السجون” عدة تهم من بينها، اقتحام الحدود الشرقية للبلاد والاعتداء على المنشآت الأمنية وقتل ضباط شرطة إبان ثورة يناير بالاتفاق مع حزب الله بمعونة عناصر مسلحة من الحرس الثوري الإيراني، بحسب النيابة العامة المصرية، بالإضافة إلى الوقوف وراء قتل 32 من قوات التأمين والمسجونين بسجن "أبو زعبل"، و15 نزيلاً في سجني "وادي النطرون"، و"المرج"، وتهريب قرابة 20 ألف سجين من السجون المذكورة.
وفي عام 2015، قضت محكمة جنايات القاهرة بالإعدام شنقاً على مرسي وبديع، ورشاد البيومي، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، و محيي حامد (عضو مكتب الإرشاد)، ورئيس مجلس الشعب السابق، محمد سعد الكتاتني، والقيادي بالجماعة، عصام العريان، بينما قضت بسجن بقية المتهمين (أعضاء ينتمون لجماعة حماس وآخرون ينتمون لحزب الله اللبناني) مدى الحياة. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أبطلت محكمة النقض هذه الأحكام وقررت إعادة المحاكمة.
وكان أيمن نوفل القيادي بحماس والذي كان مسجوناً في سجن المرج المصري إبان قيام ثورة يناير، أكد أنه نسّق مع كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، عبر هاتف محمول كان مع أعضاء خلية حزب الله المسجونين، فأرسلوا إليه ثلاث سيارات وجدها في انتظاره فور خروجه، وهو ما يتسق مع إفادة السفير ياسر عثمان، رئيس مكتب مصر لدى السلطة الوطنية الفلسطينية بأن عناصر من حركة حماس دخلوا عبر الأنفاق إلى الأراضي المصرية، إبان احتجاجات يناير 2011، وكانوا يرتدون ملابس عسكرية مصرية.
وتفاعل الكثيرون عبر تويتر مع مشهد دخول مبارك و"شهادته" في القضية، فاعتبرها الثوار وكذلك أنصار جماعة الإخوان المسلمين أمراً "هزلياً" حيث استفزهم وقوف مبارك (شاهداً لا متهماً).
كما سخروا من إجاباته.
وسخر آخرون من "الصحة" التي بدا بها وهو الذي قضى فترة محاكمته على سرير المرض.
وظهر جلياً اهتمام حسابات خليجية بتداول تصريحات مبارك وإبراز إدانته لجماعة الإخوان.
في المقابل اعتبر أنصار مبارك دخوله المحكمة شاهداً بمثابة إعادة اعتبار له، وإن عبروا عن شعورهم بالخذلان كونه "لم يفضح المخططات خلف أحداث يناير” حسب أقوالهم.
وعقب الاستماع لشهادة مبارك، قررت المحكمة استئناف جلسات القضية في 24 من يناير/ كانون الثاني المقبل، لسماع شهادة اللواء عادل عزب مسؤول ملف الإخوان بالأمن الوطني سابقاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 4 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ اسبوعينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.