"النهد" أو "الثدي" عضو دائماً ما يرتبط بالإثارة أو الممارسة الجنسية في المخيلة العربية، وبالنسبة لكثيرات يقع ضمن إطار المحظورات التي لا بد من إخفائها، بل تذهب آخريات لمحاولة تجميله، تكبيره أو تصغيره مثلاً بحسب ما يتماشى مع احتياجات الرجل الجنسية، ولا يعتبرنه جزءاً أصيلاً من أجسادهن، وخاصاً بهن فقط دون أي شخص آخر.
الفنانة السورية مالدا الصمدي حاولت كسر كل التابوهات القائمة عن نظرة المجتمع العربي لجسد المرأة، واختارت الثدي ليكون سفيرها لنقل رؤيتها تلك، مالدا 31 عاماً، ولدت في دمشق وتعيش في دبي، وتعمل في مجال الجرافيكس، لكنها تركته منذ 3 سنوات لتبحث عن حلمها المتمثل في الفن نحتاً ورسماً، كونها جديدة نسبياً في عالم الفن فاعتبرته عالماً موازياً لرسم صورة جديدة عن المرأة كما تتمناها هي وآخريات يسلسلهن المجتمع بقيود وتابوهات مُعلبة من صنع البشر، وغير متوافق مع طبيعة الخلق التي فطرهن الله عليها وجعله الثدي مصدراً للحياة.
باستخدام الطين نحتت مالدا سلسلة أعمال تحت عنوان "OMG Boobies!"، وهي مجموعة أعمال فنية بألوان كثيرة استعانت بها بأثداء نساء حقيقيات لكي ترسل رسالة للإناث للتفاخر بأجسادهن مهما كانت "الديفوهات" بها، وكذلك عدم اختزالها كأداة جنسية فقط.
سألناها عن فنها، والرسالة التي تريد أن تقدمها من خلاله. هل هذا هو أول عمل لك يتناول جسد المرأة، أو أجزاء أخرى من جسمها؟
لا، من عدة سنة عملت كم تجربة على "أفى" المرأة، أي العجيزة، بسبب هوس العالم بهذا الجزء من الجسم على المرأة، كان العمل خفيفاً وهزلياً، بعدها رسمت لوحات للجسد العاري بشكل كبير كنت أحاول التعبير أو أظهر عواطف مختلفة مثل الكآبة، الهوس واليأس.
الفن العاري أو التعبير عن احتياجاتنا من خلاله سواء بالرسم أو النحت أو كل أشكال الفنون الأخرى، هل هي فكرة يمكن أن يتقبلها المجتمع العربي؟
أعتقد بأننا نقلل من شأن مجتمعنا العربي، ومن شأن الدور الذي يلعبه الفن في ثقافتنا، الفن العاري موجود بكل حضارة، مواضيع الحب والجنس أيضاً موجودة بحضاراتنا القديمة وبالأدب القديم. العُري والفن متشابكان منذ زمن بعيد، والفن العاري أيضاً له نظرة نمطية في المجتمع العربي، هي مرتبطة فقط بالجنس، وهذا ما دفعني في مشروعي لاكتشاف الجسد العاري، لتحرير نفسي من قيود وحدود المجتمع، نحت النهود، لم يكن العمل الذي أريد إخفاءه في "كشكول" الرسم الخاص بي، كان لا بد من إظهاره لكسر الصورة النمطية عن هذا الجزء من جسد المرأة وبعد ذلك تطويره وتقبل النقد والمناقشة، لكي أستطيع فهم وجهة نظر الناس بخصوصه.
إذن لماذا الثدي تحديداً؟ حين تقدر المرأة على تملك جسمها وحياتها، ستكون قادرة على أن تُصرح وتُعلن ما يجوز وما لا يجوز لها بحسب معتقداتها، لا بحسب ما يمليه عليها الرجل، وهذا سيخلق علاقة صحية أكثر مع نفسها وجسمها.
كانت فعلا تجربة رائعة، فقد حررتني وأعادت لي جزءاً من إنسانيتي التي سلبها البعض، والحديث عن الفن العاري أحسسني كأنني أسترجع جزءاً مفقوداً من نفسي.بدأت هذا العمل بطريقة غير واعية، حدسية وطبيعية، بمعنى أنني لم أخطط له، لكن بالمرحلة التالية تعمقت أكثر ولاحظت التأثير الذي يحمله الثدي العاري، من جهة هو يتضمن روح الحياة، الأمومة والغذاء، ومن جهة أخرى، العلاقة المجتمعية والنظرة لثدي الأنثى العاري، وكيف تم تلويثه وتشويه هويته بربطه بالجنس. النهد يعني جنساً، هل أعمالك تحاول تغيير هذه النظرة ؟ ثدي المرأة لا يجوز أن نربطه بالجنس، أكيد يمكن أن يكون له علاقة بجنسانية الشخص لكن لماذا نربطه بالجنس بكل الأحوال؟ لماذا أرجعنا الثدي لغرض جنسي، أو عظمناه بشكل كبير لدرجة أنه صار موضوع تابو أو مراقباً؟ لماذا ثدي المرأة وليس ثدي الرجل؟ هذا يرجع لفكرة أن جسم المرأة غرضه إرضاء غريزة الرجل، وهي فكرة نابعة من مجتمع ذكوري خلق وشكّل الصورة الجنسانية للمرأة العارية، سواء كان في الأفلام الإباحية أو في الإعلام في تاريخنا الحديث، لا بد أن نتساءل لنتحرر من الأنظمة الفاشلة التي تضرنا. عملي موجود في مكان عام، وأنا لا أدفع الناس لتغيير معتقداتهم، أنا فقط أتساءل، أريدهم أيضاً أن يفكروا. استخدمتِ ثديك وأثداء بعض المقربات منك، ماذا كان رد فعلهن حيال طلبك؟ بعضهن تردد لكني نجحت في إقناعهن "كانوا مبسوطين بالتجربة"، أما الكثيرات منهن فلم يستطعن نسيان المعتقدات المعقدة التي ترتبط بالجسد العاري، ربما عما قريب سيصبحن قادرات على التغلب على مخاوفهن. ماذا قال لك رد فعلهن على نظرة المرأة عربياً لثديها مثلاً كونه شيئاً يمكن إخفاؤه أو الخجل منه وإن كان من امرأة مثلها؟
كان الأهم عندي أن أنجح في إبعاد الثدي العاري عن صلته الخاطئة بالجنس، أو الجنسانية، بعدها تطورت الفكرة لتتضمن مواضيع ملكية الجسم، التمكين.لست مصدومة بردات الفعل لأنها جزء من ثقافتنا ومجتمعنا وعاداتنا، وأنا لست ضدها، لكن هناك فكرتين مهمتين: واحدة من منطلق الأنثى التي تتطلع وتحاكم نفسها بطريقة قاسية عندما تقارن جسمها بمعايير الجمال المستحيلة، بدلاً من أن تحتفل بأنوثتها، فهي لا تحب شكل ثديها مثلاً إذا كانت تقوم بالإرضاع أو فقدت بعض الوزن وأصبح مترهلاً. والثانية، من منطلق الذكر الذي يصرخ بكلمات مؤذية ومضايقات لفظية وجنسية حالما يرى صورة أنثى عارية. ما الرسالة التي أردت توصيلها من خلال أعمالك الفنية عن النهود؟ وهل كانت رسالة صادمة للبعض؟ لم يكن هناك هدف معين أو رسالة، خصوصا في البداية. طبعاً أدرك وجهات نظر الجهات الاجتماعية، والثقافية، والدينية في مجتمعنا، لكن كان الأهم عندي أن أنجح في إبعاد الثدي العاري عن صلته الخاطئة بالجنس، أو الجنسانية، بعدها تطورت الفكرة لتتضمن مواضيع ملكية الجسم، التمكين. بصراحة كانت ردة فعل الناس إيجابية عبر وسائل الإعلام الاجتماعية وخارجها، أخذوا الموضوع بخفة وتشجيع، كثير من البنات أردن أن يحصلن على لوحة لثديهن. أنا أخذت الموضوع كرمز لتمكين المرأة، بعض النساء ساهمن بالمشروع بالكشف عن أثدائهن، وهذا كان تجربة مميزة لفكرة ملكية الجسد. كيف يمكن للفن أن يعبر من وجهة نظرك عن المرأة ككيان وليس كجسد فقط؟ وهل هذا لا بد أن يكون نابعاً من داخل الفنان نفسه أم أنه لا بد من وجود دعم ما كأن تتبنى جهة ما وجهة النظر هذه ومن ثم تكلف فنانين بها؟
أهم شيء أن تدرك المرأة أنها تمتلك جسمها، وحرة أن تفعل به ما تشاء.في كل شيء نفعله، سواء بالكتابة، أو بالغناء، أو بالتمثيل، أو بالخطاب الديني، يجب أن نسعى أن نلفت الانتباه إلى المواضيع غير الطبيعية والظالمة التي تُنتهج ضد المرأة، والفن طريقة تتضمن الأدوات والأشكال والأفكار، كل هذه العناصر تشارك الناس بصرياً وفكرياً. أحياناً الفن بإمكانه توصيل رسالة بصورة أوضح من الكلمات، خصوصاً عندما نسأم من السماع، وهو انعكاس لواقعنا، ولا بد أن يكون طلب التغيير عن طريق الفن نابعاً من الفنان ذاته ومغلفاً بدعم حقيقي من المجتمع أيضاً. هل يمكن أن تتغير وجهة النظر التي تختزل المرأة في صورة جسد فقط؟ ممكن، لكن بعد كثير من التعليم والتثقيف بوسائل تُنسينا ما تعلمناه من أفكار مؤذية، واستبدالها بأفكار صحية. كيف يمكن أن تحب المرأة جسدها، وألا تختزله فقط لرجل يستغله في علاقة جنسية مثلاً؟ أهم شيء أن تدرك المرأة أنها تمتلك جسمها، وحرة أن تفعل به ما تشاء. حين تقدر المرأة على تملك جسمها وحياتها، ستكون قادرة على أن تُصرح وتُعلن ما يجوز وما لا يجوز لها بحسب معتقداتها، لا بحسب ما يمليه عليها الرجل، وهذا سيخلق علاقة صحية أكثر مع نفسها وجسمها. ماذا تمثل هذه التجربة بالنسبة لك؟ كانت فعلا تجربة رائعة، فقد حررتني وأعادت لي جزءاً من إنسانيتي التي سلبها البعض، والحديث عن الفن العاري أحسسني كأنني أسترجع جزءاً مفقوداً من نفسي. يمكنكم متابعة العمل بشكل كامل عبر صفحة مالدا على انستجرام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون