شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لماذا لا تبوح المرأة باحتياجاتها الجنسية؟

لماذا لا تبوح المرأة باحتياجاتها الجنسية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 24 ديسمبر 201807:39 م

أم أحمد، السيدة الريفية بائعة الخضار، التي تأتي يوميًا من بلدتها في العياط إلى أحد الأسواق القريبة من ميدان الجيزة، تضع "الطشت" المليء بالجبن والبيض البلدي وبعض الخضار الطازج، وتبيعها لسكان المدينة لتجد ما يسد جوعها وبناتها بعد وفاة زوجها، فما زال ابنها الوحيد صغيرًا "على المرمطة" كما تقول، أصبحت أرملة في الـ40 من عمرها، زوجت ابنتها الكبرى في سن 14 عامًا، حينها استغربت حكايتها عندما تعرفت عليها أوّل مرة، سألتها كيف تزوجين ابنتك في هذا السن الصغيرة؟ لتجيبني بمنتهى الثقة: "سلونا كده".

تعرّفت على ابنتها الوسطى، رؤوفة،  ذات الجسم النحيل، والصوت الخافت الذي لا تكاد تسمعه، كانت أحلامها بسيطة، تتمنى شراء فستان جديد وحذاء ذي كعب عالٍ، وربما أخذتها أحلامها لأبعد من ذلك إذ تتمنى يوًما أن تركب القطار السريع "بدريم بارك". كنا نضحك تعاطفًا معها... تمضي الأيام وتبلغ هي أيضا 14 عامًا، انقطعت أخبارها عامين، لأقابلها صدفة وهي تحمل على كتفها طفلًا، وتجر آخر، وتشكو لنا حماتها التي تريدها أن تنجب للمرة الثالثة.

سألتها: "أنت مبسوطة في الجواز؟"، قالت: "معرفش". "يعني بتحبي جوزك؟"، واصلت سؤالي، وأجابتني: "يعني إيه بحبه؟ هو كويس"، فأتابع: "ليه خلفتي بدري؟"، فتقول: "حماتي عاوزة كده!".

رؤوفة التي لم تجد من يرأف بطفولتها، هي واحدة من آلاف القاصرات اللاتي يتزوجن في سن صغيرة جدًا، وهي بالمناسبة ظاهرة تحوّلت لعرف في الريف المصري، حيث أن عددًا كبيرًا من الفتيات من سن الـ14 إلى 16 عامًا، يتزوجن يوميًا.

يحصل ذلك بعقود زواج عرفي، مقابل تعهدات أو "إيصالات" أمانة يمضيها الزوج على نفسه، وبشهادة الشهود، ليكتب كتابه عليها حين تتم الـ18 عامًا، وهو العمر القانوني للزواج كما وضعه القانون المصري، إذ إن آلاف الأطفال لا يتم تسجيلهم في وزارة الصحة إلّا عند الزواج الرسمي بين الأم والأب بعد السن القانونية، وآلاف الأمهات الصغيرات جنى عليهن المجتمع وظروف الفقر والقهر، وأصبحن مطلقات دون أي حقوق لأنهن ببساطة لم يتزوجن قانونيًا.

بعضهن، إن لم يكن كلهن، لا يستطعن الحديث عن حاجاتهن الجنسية، ولا يعرفن عنها سوى "منديل العروسة" الذي تشتريه الأم لتعطيه لابنتها ليلة الدخلة، لتأخذه منها في "الصباحية" ملطخًا ببعض قطرات الدماء لتريه لصديقاتها وأهلها، ولسان حالها يقول "بنتنا شريفة"، وبالمناسبة فـ"الدخلة البلدي" هي عادة منتشرة في أرياف مصر وفي أحيائها الشعبية.

بعد ذلك تنقطع أي علاقة أو كلام بالجنس، ولا تسأل الأنثى عن أي مما يتعلق به، ولا تطالب زوجها بذلك، فمطالبتها بذلك "بجاحة"، والحديث عنه "قلة ترباية".

الجنس في حياة المرأة: حركات تمثيلية لإرضاء الشريك

لدى عدد كبير من النساء معتقدات خاطئة تجاه الجنس، مثلاً، لا يصحّ للمرأة أن تطلب العلاقة الجنسية من زوجها، فهو فقط الذي يريد وقتما يشاء، هو أدرى بالوضعية المناسبة للجماع، هو من يبدأ وهو من يُنهي، لا بد من إغلاق النور وقت العلاقة.

لا تبوح المرأة بمشاعرها أو عدم رضاها عن العملية كلها، حتى وإن أرهقتها أو سببت لها ألمًا نفسيًا، إن طلبت ذلك فمعناه أنها "مش محترمة"، وهذا هو السبب  لعمليات الختان التي تُمارس بحق المرأة، كي تقل شهوتها، بحسب الاعتقاد الشعبي الشائع، لذلك فمعظم السيدات يتظاهرن بالرضا الجنسي لإرضاء الزوج فقط، وليس مهمًا أن يشعرن هن بالنشوة.

شيرين، سيدة في الثلاثين من عمرها، تقول إنها معظم الوقت غير مستعدة للقيام بعلاقة جنسية مع زوجها، ولكن لظروف سفره فترات طويلة تكون مضطرة لمجاراته، وهي مشمئزة من العلاقة كلها، "هو لا يقدّر حاجتي للراحة"، تقول. سألتها ببساطة: "هل يمكنك أن ترفضي العلاقة حينما لا تكونين مستعدة؟"، تجيبني ضاحكة: "سيفتعل عندها المشاكل  في اليوم التالي، لذا أنا أرضيه فقط".

أما هـ.أ، وهي ناشطة نسوية، فتقول إن بعض الرجال تمنعه الأنانية من إرضاء شريكته، المهم أن يصل هو إلى الذروة، ورغم القهر النفسي الذي يمكن أن تعانيه المرأة جراء ذلك تستسلم لرغباته، في سبيل إنهاء المهمة. وتتابع: " هناك مشكلة مثل القذف السريع عند الرجل أو أولئك الذين يرفضون ممارسة الجنس الفموي مع الشريكة، في النهاية كل امرأة يجب أن تهتم بهذا الشق في حياتها".

الجدير بالذكر أن الدراسات تقول إن 70% من النساء يصلن للأورجازم في الخمسين من عمرهن.

عدم البوح بالاحتياجات الجنسية لتستمر الحياة

في عام 2009 قمت بالمشاركة في إعداد برنامج تلفزيوني لإحدى الفضائيات المصرية، وقتها قوبل الأمر باستغراب ثم استهجان تبعتهما مهاجمة للبرنامج، لكن الأمر الأكثر غرابة هو عدد الرسائل والمكالمات التليفونية الكثيرة، على أثر مكالمات وصلت البرنامج، معظمها لسيدات ورجال متزوجين يمارسون العادة السرية لأنهم ببساطة لا يستطيعون مصارحة الشريك بحقيقة رضاهم عن العلاقة، ويريدون حلولًا لذلك. معظم السيدات رفضن مصارحة الزوج بتلك الحلول، ومعظم الأزواج أعربوا عن رغبتهم بالزواج بأخرى لعلها تحل المشكلة، ورفضوا كذلك التحدث مع الزوجة أو زيارة استشاري نفسي.

ربما كثيرات لم يستطعن البوح بحاجاتهن الجنسية مثلما فعلت "س.أ"، التي طلبت الطلاق عقب 11 عامًا من الزواج وإنجاب 3 أولاد، بعد أن تحدثت مع زوجها بصراحة عن عدم رضاها جنسيًا، فبادرها "أنتِ عرفتي الكلام ده منين"، في النهاية طلبت الطلاق، قالت لنا إنها الآن أكثر تصالحًا مع نفسها، وأكثر راحة.

المبادرة بالبوح عن الاحتياج الجنسي، ربما لا تملك الكثيرات الشجاعة لفعله، مثل "ن ،ع" التي كانت تعتقد أن الرجل فقط هو من يصل إلى النشوة، "لكن بعد عام من الزواج اكتشفت عن طريق مشاهدة الأفلام الإباحية سرًا، أني كذلك لا بد أن أصل إلى النشوة"، تقول.

وتتابع: "لم أستطع إخباره عن ذلك أو عن احتياجي الجنسي، اكتفيت بالتمثيل عن طريق صوتي أو ملامح وجهي، ما زلت أشاهد الأفلام الإباحية، وهي تساعدني في الوصول للنشوة الجنسية، لست بحاجة لزوجي ليفعل ذلك، لا أستطيع الطلاق من أجل أولادي والمجتمع".

بحسب دراسة للمعالِجة الجنسية "كيمبرلي ريسنيك أندرسون" فإن المجتمع ما زال يُقسّم الفتيات إلى طيبات وأخريات عاهرات، لذلك هن لا يتحدثن عن حاجتهن الجنسية ليبقينَ طيبات من وجهة نظر المجتمع.

وتؤكد أن 80% من النساء تحتاج نوعًا من التحفيز البديل أو التكميلي لتحقيق النشوة، سواء كان ذلك عن طريق الفم أو غير ذلك، ولا تتحدث المرأة في ذلك إذا وجدت أن شريكها غير قادر على القيام بهذا التحفيز، كي تظل طيبة دائماً كما يريد.

بعضهن، إن لم يكن كلهن، لا يستطعن الحديث عن حاجاتهن الجنسية، ولا يعرفن عنها سوى "منديل العروسة" الذي تشتريه الأم لتعطيه لابنتها ليلة الدخلة، لتأخذه منها في "الصباحية" ملطخًا ببعض قطرات الدماء لتريه لصديقاتها وأهلها.
لدى عدد كبير من النساء معتقدات خاطئة تجاه الجنس، مثلاً، لا يصحّ للمرأة أن تطلب العلاقة الجنسية من زوجها، فهو فقط الذي يريد وقتما يشاء، هو أدرى بالوضعية المناسبة للجماع، هو من يبدأ وهو من يُنهي، لا بد من إغلاق النور وقت العلاقة.
أما إن رفضت الزواج فكيف يمكن أن تعيش حياتها دون "جنس" أرملة كانت أو مطلقة؟ هذا هو السؤال المفصلي، إذ معظم السيدات اللاتي حاولت التحدث معهن رفضن الحديث بشكل قاطع، ومعظمهن قال بأن الموضوع مهم جدًا ويترك ألمًا نفسيًا عليهن.

كيف تعبّر المطلقة أو الأرملة عن حاجاتها الجنسية؟

سؤال ربما يتجاهل المجتمع الإجابة عنه، وأحيانًا تُجبر الأرملة أو المطلقة على العيش دون رجل من أجل أبنائها، في بعض الحالات تُجبر الأرملة على الزواج من شقيق زوجها المتوفي لكي لا تُحرم من أبنائها، وتكون مضطرة للتعامل جنسيًا باعتبار أنه زوج جديد مكان زوجها المتوفي، وهو العرف السائد في معظم البلدان العربية.

أما إن رفضت الزواج فكيف يمكن أن تعيش حياتها دون "جنس" أرملة كانت أو مطلقة؟ هذا هو السؤال المفصلي، إذ معظم السيدات اللاتي حاولت التحدث معهن رفضن الحديث بشكل قاطع، ومعظمهن قال بأن الموضوع مهم جدًا ويترك ألمًا نفسيًا عليهن، لكنهن في النهاية هربن من الحديث بطريقة أو بأخرى.

إحداهن، وهي أرملة وأم لطفل، قالت إنها لا تستطيع الحديث في هذا الأمر نهائيًا، حتى لا يكون الأمر ذريعة لزواجها من شقيق زوجها المتوفي، إلا أنها زارت استشاريًا نفسيًا نصحها بالعمل على هواية أو مشروع تحبه، ففكرت لتجد أنها تحب "الطبخ"، فأسست مشروعها الخاص، لإيصال الأكلات إلى المنازل، وأصبحت لا تملك الوقت للتفكير في مثل هذه الأمور. "لكن ماذا لو راودتك حاجات جنسية؟"، سألتها، ولكنها لم تجبْني.

أما "ن، ح"، وهي عراقية، كانت أكثر صراحة لتخبرني بأنها تمارس العادة السرية بعد طلاقها، ولعدم قدرتها على الزواج بسبب رفض أبنائها لذلك رفضًا قاطعًا وصل لمقاطعتها بعد أن عرضت عليهم رغبة أحد زملائها في الزواج بها.

في عام 2015، أثارت الفنانة المصرية انتصار بعد أن تساءلت في برنامج عمَّا قد يفعله الشباب حال عدم قدرتهم على الزواج، معتبرة أن "الأفلام الإباحية هي الحل"، وهو ما أثار عددًا من ردود الأفعال ما بين مؤيد طالب بضرورة محاكمة وزارة التربية والتعليم أولًا لأنها لا توافق على تدريس مادة التربية الجنسية وهو ما يؤدي لزيادة نسبة الطلاق،  ومعارض اعتبر أنه كلام "مينفعش يتقال". لكنه حل يلجأ له الكثيرون وإن أنكروه أو رفضوه في العلن.

وتبقى مقولة "الجنس للرجل، والشيكولاتة للمرأة" صورة نمطية مترسخة في أذهان المجتمع وتابوه من تابوهاته، وتبقى الأسئلة كم عدد اللاتي يستطعن الدفاع عن حقهن في علاقة جنسية تحترم رغباتهن، وتعبر عنهن ككائن له حاجات، وكم أنثى يمكن أن تبوح بذلك، ومن سيسمع ويحترم ذلك؟

 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image