"بقى هي الدنيا كده... بقى هما الناس كده… يا خسارة فرحتي، يا خسارة ضحكتي يا مين ياخدني تاني يرجعني دنيتي"…. جزء من كلمات أغنية للفنانة الراحلة سعاد حسني، في فيلمها "صغيرة على الحب". لم تكن تعلم سعاد أن هذه الكلمات قد تصف بعض مراحل حياتها، التي اتسمت بالغموض. وكلل هذا الغموض ملابسات موتها، الذي أثار جدلاً وتكهنات، لم تهدأ حتى يومنا هذا. هي "السندريلا" التي ارتبطت في أذهان أجيال متتابعة، بصورة الفتاة المرحة الجميلة الذكية، وصارت فتاة أحلام الشباب.
"كنت أقرب أخواتها إليها، واعتبرها أمي الثانية. فهي من ربتني واحتضنتني. عندما كبرت، كنت أقرأ لها السيناريوهات، وأشاركها اختيار ملابسها وإكسسوارات أفلامها، فصارت بيننا علاقة صداقة وأخوة، مزيج لا يمكن وصفه في كلمات”. هكذا تعرف جانجاه، الأخت غير الشقيقة للفنانة الراحلة، أختها، وتضيف: "أبلة سعاد كانت صاحبة قلب رقيق، لا يقو على رفض طلب أحد، وكانت بيتوتية، بعيدة عن السهرات والحفلات التي تقام في الوسط. ما زلت لا أستطيع أن أسمع صوتها أو أشاهد لها فيلماً من هول ما اكتشفته. وأشعر أن الله مدّ في عمري وأعطاني القوة فقط لأظهر الحقيقة، حتى لو كان ثمنها حياتي”.
في تكتم شديد، تنهي جانجاه إجراءات إصدار الكتاب الذي كتبته بنفسها، بعد ما تسميه "رحلة بحث عن الحقيقة"، استمرت نحو 15 عاماً، منذ وفاة سعاد حسني في يونيو 2001، عندما وجدت ملقاة في الشارع أسفل شرفة الشقة التي كانت تسكنها. وهي حريصة جداً على عدم الإفراط في الحديث عن هذا الكتاب، خصوصاً بعد "التهديدات بالقتل التي وصلتها"، واستنكار البعض لما يمكن أن تقدمه من "أدلة ثابتة"، تستند إليها في ما تروي، حسبما تقول. ولم تتوقف جانجاه عن إعادة فتح قضية وفاة السندريلا على امتداد السنوات الماضية، لإصرارها على أن سعاد حسني ماتت مقتولة، لا منتحرة.
تتحدث جانجاه لرصيف22 عن المحطات التي يتضمنها الكتاب، وما جاء فيه من معلومات توصلت إليها من خلال بحثها الذي يستند إلى "دلائل ومستندات تثبت أن سعاد حسني قتلت، بعد تدبير مؤامرة محكمة لها من قبل رموز هامة في الدولة” تقول جانجاه. ويورد الكتاب الذي سيصدر خلال الشهر المقبل تحت عنوان "أسرار الجريمة الخفية... بقلم أختها جنجاه”، أسماء المتورطين وأدوارهم بالتفصيل والوثائق، على حد تعبير الكاتبة.
هل خرجت لتنتحر؟
تعتبر جانجاه أن قرار القتل جاء من جهة عليا في مصر، وتحديداً من أحد القيادات البارزة في الحزب الوطني المنحل، والذي كان يترأس إحدى الوزارات في حكومة الرئيس السابق حسني مبارك. تقول: "لأني أعرف سعاد حق المعرفة، لم أصدق رواية الانتحار. كما أنني كنت أعلم بخطتها واستعداداتها للرجوع، فقد اتفقت على عملين فنيين وآخر إذاعي، وأطلعتني على خطتها أثناء وجودها في لندن، وكانت تتضمن استعادة رشاقتها بعد علاج بالكورتيزون دام سنوات، نتيجة إصابتها بانزلاق غضروفي أثناء تأدية فيلمها المتوحشة. وبعد يوم واحد من خروجها من المصحة العلاجية، كانت مستعدة للعودة لمصر، قتلت". وتضيف: "هل يعقل أن تتفق على أعمال فنية وتجتهد لتستعيد رشاقتها خلال ثلاثة أشهر، بحميات غذائية ورياضة وأدوية، وتتصل هاتفياً ببعض المقربين، تخبرهم نبأ تماثلها للشفاء واستعدادها للعودة ثم تنتحر؟". تعرف جانجاه أنها تعرض نفسها للخطر. وتوضح: "أعلم أني دخلت عش الدبابير بقدمي، لكنني أقسمت بيني وبين نفسي أن آخذ حقها مهما كلفني الأمر". قامت جانجاه بمحاولات لفتح ملف القضية مرات عديدة، لكنها كانت تغلق بلا إبداء أسباب واقعية، على حد تعبيرها. حتى أن قلة من أصدقاء سعاد هم من تطوعوا للشهادة، والتأكيد على حوارات أو محادثات تليفونية قامت بينها وبينهم قبل رجوعها بأيام، لتؤكد على عودتها، وكان من أشهرهم الفنانة اعتماد خورشيد، التي صرحت سابقاً أن سعاد حسني قتلت ولم تنتحر.حصلت على 180 وثيقة
تقول جانجاه: "كنت أنقب بطرق عديدة، ولكن لم يخطر على بالي أن أفكر في ما تردد بخصوص الدوافع السياسية، لأنني أعرف جيداً أن سعاد لم تكن لها علاقة بالسياسة. ولكن بعد عام 2010، تغيرت طريقة بحثي، وقررت أن أصغي لما تردد من أن شخصاً معيناً هو من أعطى أوامر بقتلها. ومن هنا بدأت بالفعل أكتشف ما رأيته، صدمات متتالية”. وتشير الأخت غير الشقيقة للسندريلا، إلى أنها تقدم في كتابها 180 مستنداً ووثيقة، من كافة الجهات التي اعتمدت عليها في بحثها، تتضمن خطابات من سعاد عن حقيقة وطبيعة نادية يسري، التي ظن الجميع أنها صديقتها، لكنها كانت فقط "الشغالة بتاعتها"، بحسب تعبير جانجاه. وتضيف: "شاركت نادية يسري في قتل سعاد، بالاتفاق مع الجهة التي جندتها لهذه المهمة". تؤكد جانجاه أن المفاجأة ستكون وثائق حصلت عليها من جهات عليا، تثبت أن قراراً بتصفية سعاد اتخذ، ومحدد فيه الوقت والطريقة والمكان، وأسماء المنفذين واسم صاحب القرار، وحتى سبب القتل، الذي لم يكن فقط أنها أرادت أن تنشر مذكراتها، ولكن لأنها رفضت الانصياع لجهة أرادت استغلالها واستغلال تاريخها بشكل غير لائق".تهديدات وبلاغات تلاحق دار النشر
هبة الشرقاوي، صاحبة دار "روائع" للنشر، هي الناشرة التي جازفت بتقديم هذا الكتاب "الملغوم". وترى أنه من الطبيعي أن يتم التكتم على ما جاء من وثائق ومستندات في الكتاب حتى يصدر في شكله النهائي، من دون الإفصاح عن تفاصيله، خصوصاً مع التهديدات التي تلاحق الدار، والبلاغات المقدمة بدعوى أن الكتاب يسيء لشخصيات عامة. تقول الشرقاوي: "الكتاب يحتوي على صور هامة ونادرة للسندريلا، من أهمها صورة لها مع الفنان الراحل عبد الحليم حافظ وهو يقدم لها هدية بمناسبة زواجهما، الذي ينكره أهل وأقرباء العندليب، وصورة أخرى للهدية، وهي عبارة عن عقد، ما زال في حوزة شقيقتها كشاهد آخر على هذا الزواج. ووثيقة زواجهما بإمضاء الفنانين وجدي الحكيم ويوسف وهبي، وصورة لها قبل رحيلها بأسبوعين فقط. وهي آخر صورة التقطت لها، تظهر فيها بكامل رشاقتها وجمالها استعداداً للعودة”. لا تهدف جانجاه إلى تقديم الجناة للمحاكمات، ولا تبتغي من وراء الكتاب تعاطف الفنانين والنخبة، إنما كل ما أرادته هو كسب تأييد الرأي العام، وكشف الحقيقة كاملة لعشاق السندريلا، وتحويلها لقضية رأي عام. قريباً، سيتضح إن كان الكتاب يقدم أجوبة فعلية على الأسئلة التي أثيرت حول هذه القضية مراراً وتكراراً خلال السنوات الماضية، أم أنه مجرد محاولة أخرى لإثارة الانتباه إلى الغموض الذي أحاط بوفاة سعاد حسني، تمر مرور الكرام.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه