قيادة مجنونة، سرعة قياسية، تجاوزات مثيرة، حوادث واصطدامات، حرب استراتيجيات بين الفرق المتنافسة. أي مصطلح من المصطلحات المذكورة كفيل بجذب ولفت انتباه أي شخص، فكيف إذا اجتمعت كلّها في رياضة واحدة؟ إنها رياضة سباقات سيارات الفئة الأولى: "الفورمولا 1".
[br/]
ليس خفيّاً على أحد أن هذه الرياضة هي الأكثر شعبية ومتابعة بين رياضات السيارات كالراليات أو الناسكار الأميركية أو غيرها. فهي الحدث الرياضي الأكثر مشاهدة بعد كأس العالم والألعاب الأولمبية. ففي موسم 2011 مثلاً، بلغ مجموع مشاهديها 55 مليون شخص تقريباً في 200 دولة نقلت السباقات دون أن نُحصي مئات الآلاف ممن يذهبون إلى الحلبات.
[br/]
الشّق الأكثر إثارة في اللعبة هو انطلاقة أي سباق. البداية الجيّدة تعني سباقاً جيداً والعكس صحيح. يقوم السائقون بلفّة تحمية قبل بداية السباق، حيث يكون التجاوز ممنوعاً. يعمد السائقون خلال هذه الدورة إلى إعطاء أكبر قدر من الحرارة لمكابحهم ولإطاراتهم بشكل خاص. بعدها تصطف السيارات على مراكز الانطلاق الخاصّة بها وتشخص عيون السائقين نحو خمسة أضواء حمراء ليبدأ السباق بمجرد أن تنطفئ هذه الأضواء.
[br/]
ما بين خط الانطلاق والمنعطف الأول، ممكنٌ أن نشهد على أكبر قدر ممكن من الإثارة. يحاول السائقون تخطّي بعضهم بعضاً أو الحفاظ على مراكزهم على الأقل، ما قد يؤدي إلى اصطدامات، خصوصاً وأننا قد نرى أربع أو خمس سيارات تتنافس على مركز واحد. بعد المنعطف الأول، يبدأ كل سائق في القيادة تبعاً للاستراتيجيّة التي اتّفق عليها مع فريقه الذي يكون قد قام بدراسة المضمار من طوله إلى حرارته والأماكن الصالحة لتجاوز سيّارة أخرى إضافة إلى المركز الذي سينطلق منه السائق. عادةً، تقوم الاستراتيجيّة على الدخول مرتين أو ثلاثة كحدّ أقصى إلى مركز الصيانة لتبديل الإطارات والتزوّد بالوقود. وتجري العملية خلال مدّة لا تتجاوز الثلاثين ثانية. فإذا اعتمد الفريق مثلاً خطّة للتوقف مرتين (بعد نهاية الثلثين الأول والثاني من السباق) فمعنى ذلك أن السيارة سيتم تزويدها بكميّة وقود عالية قبل البداية وستكون سرعة السائق مقبولة ولكنها ستزيد تدريجيّاً مع استهلاك الوقود وانخفاض وزن السيارة. وقد تُعدّل هذه الاستراتيجيّة خلال السباق، ففي حال هطول الأمطار مثلاً، تختلط كل الأوراق وتدخل جميع السيارات إلى مراكز الصيانة للتزوّد بالإطارات الخاصة بالقيادة على مضمار مبتلّ ويصبح السباق أبطأ والمضمار أكثر انزلاقاً والتجاوزات أكثر خطورة.
[br/]
في بعض الأحيان، يخسر السائق الكثير من المراكز عند الانطلاق، ويتوجب عليه تعويضها، وبالتالي يلجأ الفريق إلى خطة إدخاله ثلاث مرّات بدل المرتين لأنها تؤمن له سرعة أعلى تساعده على استدراك ما خسره. وفي أحيان أخرى، يقع السائق وراء منافس أبطأ منه فيقرر الفريق إدخاله في وقت أبكر من المُقرر إلى مركز الصيانة وذلك لكي لا يخسر الكثير من الثواني. أو أن يُطلب منه مثلاً زيادة سرعته لأن ملاحقيه باتوا على مسافة قريبة، أو لأنّ لديه فرصة تخطّي مَن أمامه. كل هذه القرارات يتخذها مدير الفريق الذي يراقب على الشاشات الموجودة أمامه كل أرقام وإحصاءات السباق ويناقشها مع مساعديه. كما يجري تزويد السائق بهذه المعلومات عبر اتصال مباشر بينه وبين مركز الصيانة.
[br/]
كل ذلك يجعل قيادة سيارة الفورمولا 1 تتطلب قدرة ذهنية فائقة، إضافة الى تحضير بدنيّ خاص. فقدرة التحمّل المطلوبة لخوض أي سباق تعادل ما يحتاجه عدّاء الماراتون. يخسر السائق ما يصل إلى 3 كيلوغرامات من وزنه بعد كل سباق. ويقوم بتمارين مكثّفة للقلب والأوعية الدمويّة كالجري والسباحة وركوب الدراجات الهوائية وتمارين خاصّة بعضلات الصدر والرقبة لجعلها قادرة على تحمّل وزن الرأس والخوذة إضافة إلى تدريب عضلات الذراع لتحمّل قوّة المنعطفات والقيادة لفترة طويلة. كذلك، ومع نهاية كل سباق، يحصل أصحاب المراكز العشر الأولى على النقاط ويتوّج أصحاب المراكز الثلاث الأولى.
[br/]
ولكن، ما الذي يجعل منها رياضة ناجحة ومُتابعة إلى هذا الحدّ، عدا عن كم الإثارة الذي تعطيه لمحبي السرعة بشكلٍ خاص؟ هذا النجاح لم يأت من فراغ. إنه نتيجة مجهود على مدى الثلاثين سنة الأخيرة بشكل خاص (إنطلقت اللعبة في العام 1950، ولكن في بداية الثمانينيات بدأت تتحوّل نحو الشكل الذي نعرفها به الآن)، قام به القيّمون عليها بالتعاون مع الشركات المصنّعة والسائقين بطبيعة الحال. فمن ناحيتها، بذلت اللجنة المنظمّة للسباقات مجهوداً جبّاراً لجعل اللعبة منتشرة وشعبية إلى هذا الحد، فعمدت إلى تبنّي إستراتيجية مدروسة على المستويين التنظيمي والتقنّي. من الناحية التقنيّة، شهدت وتشهد الفورمولا 1 كل يوم تعديلات جديدة جعلت السيارات تصل لسرعات فائقة لا تُضاهى، ما يجعل عشّاق السرعة والسيارات يتجهون تلقائياً نحوها. أمّا من الناحية التنظيميّة، فعمدت اللجنة المنظّمة إلى توزيع السباقات على مختلف القارات، إضافة إلى توقيع عقود للنقل التلفزيوني المباشر. هكذا، زاد عدد متابعي اللعبة بشكل كبير بعد أن أصبحت بفضل هذه الخطوات "عالميّة وشعبية" أكثر.
[br/]
على المقلب الأخر، جذبت مشاركة مصنّعين مشهورين، كـ"ميرسيديس Mercedes" و"رينو Renault" و"فيرّاري Ferrari" وغيرها، محبّي السرعة والسيارات، وفضّلوها على أي رياضة ميكانيكية أخرى. هذه الشركات تبذل سنوياً مجهوداً كبيراً لإنجاح اللعبة، بدءاً بالتجارب والاختبارات على السيارات، وصولاً إلى السفر بين مختلف البلدان المنظمّة للمشاركة في السباقات (160 ألف كيلومتر تقريباً خلال الموسم). وخلال نهاية الأسبوع الذي سيقام فيه السباق، يتطلّب الأمر مجهوداً جماعياً كبيراً، بدءاً بتحضير السيارة لخوض التجارب التأهيلية نهاري الجمعة والسبت، والتي على أساسها يتم تحديد مراكز انطلاق السائقين فينطلق صاحب التوقيت الأفضل من المركز الأول، وصولاً إلى يوم إقامته، الأحد.
[br/]
لماذا تستحق الفورمولا وان المشاهدة؟ لأنها، ببساطة، تُشبع شغف عشّاق السرعة والسيارات في أقل من ساعتين من الزمن!
[br/]
[br/]
نشر هذا المقال على الموقع في 24.09.2013
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...