بعد إصرارها على تقديم الأفارقة الأمريكيين في أدوار مُهمشة لأكثر من قرن، بدأت "هوليوود" قبل بضع سنوات مراجعةَ نهجها لجعله أكثر إنسانية و"عدلاً" ولو بشكل طفيف، فصار الأسمرُ بطلاً في أفلام عدة، بعيداً عن الصور النمطية التي تصوره خارجاً عن القانون، مروّج مخدرات، أو حارس فندق. ظهر نجومٌ سمر البشرة مثل ويل سميث، وإيدي ميرفي وكيفن هارت في بطولات مُطلقة، لكن لم يحظَ أيٌّ منهم بفُرصة تجسيد دور "البطل الخارق" كـ "سوبرمان" و"سبايدر مان" و"آيرون مان"، كون مواصفاتهم لا تُطابق المعايير التي بقيت متحجرةً لعقود: بطل خارق أبيض. إلا أن شركة "سوني" قلبت هذه الموازين، العام الماضي، باختيارها الممثلَ شاميك مور لتجسيد الشخصية الرئيسية "مايلز موراليس"، في أول نسخة رسوم متحركة من سلسلة "سبايدر مان"، Spider-Man: Into the Spider-Verse، الذي يُعرض حالياً في دور السينما حول العالم.
https://youtu.be/tg52up16eq0?t=24
مُبتكرُ شخصية "سبايدر مان"، الراحل ستان لي، كان له دورٌ أيضاً في إبقاء "سبايدر مان" الأصلي، بيتر باركر، "أبيض اللون"، لنحو 16 سنة، قبل أن يُقرر إضافة "سبايدر مان" آخر (مايلز موراليس)، لاعتقاده أن الشخصية "خُلقت هكذا، وستبقى هكذا"، معتبراً أنه لو كان بيتر باركر "لاتينياً، هندياً، أو ذا بشرةٍ سمراء منذ البداية"، فسيبقى كذلك، ولن يتغير. وأضاف أن ميول باركر الجنسية لن تتغير كذلك، لافتاً إلى إمكانية "إضافة" بطل خارق مثلي إلى السلسلة، دون التغيير في شخصية باركر التي "خُلقت هكذا"، مُعتبراً أن ما قاله لا يعني أنه ضد "السود"، ولا ضد "اللاتينيين"، ولا ضد "المثليين"، حسب قوله.
النمر الأسود
بطل خارق آخر، من ذوي البشرة السمراء، أطل على الجمهور في يناير 2018، في فيلم "بلاك بانثر" أو "النمر الأسود"، جسّد دوره الممثل تشادويك بوزمان، الذي أدّى دور حاكم واكاندا، وهي دولةٌ أفريقية خيالية لديها التكنولوجيا الأكثر تقدماً على وجه الأرض، شُيّدت على جبل من معدن فريد الخصائص، يطلق عليه اسم "فايبرانيوم". اعترف مُخرج العمل راين كوغلر أن "النمر الأسود" لم يكن مُجرد فيلم، بل حمل مواساةً لمُجتمع الأفارقة الأمريكيين الذين لم يحظوا بالظهور في الإعلام بالطريقة الصحيحة، حسب قوله، وهُنا يمكن أن تسأل نفسك عن المرة الأخيرة التي شاهدتَ فيها فيلماً، من إنتاج هوليوود، لم يظهر فيه ممثل ذو بشرة سمراء كرئيس عصابة أو تاجر مخدرات. وفي حوارٍ مع "Hollywood Reporter"، قال كوغلر إنه يعتبر فيلمه سياسياً إلى حد ما، حول حاكم يتمنى رؤيته في الحقيقة. أُعلن عن الفيلم عام 2014، في عهد أول رئيس أسمر في تاريخ الولايات المُتحدة الأمريكية، باراك أوباما، لكنه أبصر النور، في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي عُرف بعنصريته تجاه المسلمين والمهاجرين والأفارقة، واصفاً دولاً أفريقية عدة بـ "الأوكارٌ القذرة" خلال اجتماع حول الهجرة في البيت الأبيض يناير الماضي. أشاد النقاد بفيلم "النمر الأسود" وحظي بإعجاب شخصياتٍ بارزة، مثل ميشيل أوباما، زوجة الرئيس السابق، خاصةً أن غالبية فريق العمل من ذوي البشرة السوداء، منهم لوبيتا نيونغو، ومايكل جوردان، ودانييل كالويا، ومارتن فريمان. وقال محلل إيرادات السينما الشهير جيف بروك إن الفيلم كسر "جداراً عملاقاً"، مُعتبراً أن في ظل ما حققه من إيرادات وصلت إلى مليار دولار أمريكي بعد 26 يوماً من عرضه في دور العرض السينمائية، "لا يمكن لأية شركة إنتاج أن تدّعي أن أفلام السود لا تسافر بعيداً وأنها تحصل على اهتمام ضئيل في الخارج"، حسب قوله. https://youtu.be/xjDjIWPwcPU?t=1 لم يُغير الفيلم الصورة النمطية عن ذوي البشرة السمراء فقط، بل افترض الفيلم أن واكاندا هي الدولةُ المثالية، الأكثر قوة وازدهاراً وتطوراً في العالم، ما جعل الناقد السينمائي نيكولاس باربر يعتبره عملاً سينمائياً ذا طابعٍ "ثوري"، يختلف عن الأفلام الأخرى الشبيهة له بشكلٍ كامل وعلى العديد من المستويات.بعد إصرارها على تقديم الأفارقة الأمريكيين في أدوار مُهمشة لأكثر من قرن، بدأت "هوليوود" قبل بضع سنوات مراجعةَ نهجها لجعله أكثر إنسانية و"عدلاً" ولو بشكل طفيف.
اعترف المُخرج راين كوغلر أن "النمر الأسود" لم يكن مُجرد فيلم، بل حمل مواساةً لمُجتمع الأفارقة الأمريكيين الذين لم يحظوا بالظهور في الإعلام بالطريقة الصحيحة، وهُنا يمكن أن تسأل نفسك عن المرة الأخيرة التي شاهدتَ فيها فيلماً، من إنتاج هوليوود، لم يظهر فيه ممثل ذو بشرة سمراء كرئيس عصابة أو تاجر مخدرات.
ترى من سيخلف الممثل البريطاني دانيال كريغ؟ هل نرى ممثلاً أسمر في دور بوند بعد عام 2020؟ أم أن الجاسوسية حكرٌ على البيض في الواقع كما في الدراما؟
جيمس بوند
في أغسطس الماضي، قال المنتج أنطوان فوكوا لصحيفة "ديلي ستار" نقلاً عن المنتجة التنفيذية لسلسلة أفلام جيمس بوند، باربرا بروكولي، "لقد حان الوقت" لكي يلعب "ممثل غير أبيض" دور العميل 007، وهو الجاسوس البريطاني بوند، الشخصية التي ألّفها إيان فلمينج عام 1953 في رواية "كازينو رويال". وتزامن تصريحه مع تغريدة للممثل البريطاني، أسمر البشرة، إدريس إلبا، جاء فيها: "أنا إلبا، إدريس إلبا"، وهو شعار الجاسوس الشهير "أنا بوند، جيمس بوند". وكان إلبا قد قال في تصريحات سابقة إنه يشعر بأنّ سنّه كبير جداً ليقوم بدور كهذا، دون أن ينفي أو يؤكد حقيقة تجسيده للدور في "بوند 26"، وليطرح المزيدَ من التساؤلات، نشر تغريدةً غامضة قال فيها "لا تصدقوا الضجة". يقول السيناريست الأمريكي بروس فيرشتاين، في مقال له في "واشنطن بوست" إن الحديث عن استبدال شخصية بوند "البيضاء" بأخرى من ذوي البشرة السمراء ليس بأمرٍ جديدٍ لافتاً إلى أنه في عام 1994، تم اقتراح اسم الممثل إيدي ميرفي ليجذب جمهوراً جديداً للسلسلة، إلا أنه لم يكن سوى مجرد اقتراح حينها. ألف فليمنج عدةَ رواياتٍ وقصصٍ قصيرة، إلا أن شهرةَ شخصية جيمس بوند تحققت عن طريق السينما من خلال 24 فيلماً من إنتاج "إي إن برودكشنز"، وتستعد الشركة لإنتاج فيلم "بوند 25" الذي من المقرر أن يقوم ببطولته الممثل البريطاني دانيال كريغ، لعرضه عام 2020. ترى من سيخلف كريغ؟ هل نرى ممثلاً أسمر في دور بوند بعد عام 2020؟ أم أن الجاسوسية حكرٌ على البيض في الواقع كما في الدراما؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون